لعلّه أمر قلّما حدث في أيّ مرحلة من تاريخ البشريّة، بأن يشعر كلّ الناس والمجتمع البشريّ في جميع أنحاء العالم، بالحاجة إلى مخلّص ومنجٍ، ومهديّ، ويد قدرةٍ إلهيّة، وإمامةٍ معصومة، وإلى الهداية الإلهيّة، بهذا القدر الذي يشعرون به اليوم.
* الحاجة إلى مخلّص
اليوم، وبعد أن جرّبت البشريّة مختلف المدارس الفكريّة والمناهج والمسارات المتنوّعة -من الشيوعيّة إلى الديمقراطيّة الغربيّة، وإلى الليبراليّة الديمقراطيّة الرائجة في العالم، ومع كلّ ادّعاءاتها هذه- لا تشعر بالراحة. ومع هذا التقدّم العلميّ المدهش الذي غيّر واقع الحياة بشكل كامل في العالم، ما زال البشر لا يشعرون بالسعادة. فالبشريّة تعاني من الفقر، والمرض، والفحشاء والمعاصي، وغياب العدالة، وعدم المساواة، وفروقات طبقيّة واسعة جدّاً. البشر يعانون من استغلال القوى الكبرى للعلم؛ فالقوى العالميّة تستغلّ العلم والاكتشافات الطبيعيّة (الطاقات المستخرجة من الطبيعة)، بأسوأ ما يكون، الأمر الذي جعل الناس في جميع العالم يشعرون بالتعب، وبالحاجة إلى يدٍ مُنجية.
* قسطاً وعدلاً
مليارات البشر في العالم مبتلون؛ بعضهم قد يتمتّع بالراحة، ولكن هؤلاء أنفسهم لا ينعمون بالسكينة وهدوء البال، وقد يعانون من القلق، والاضطراب؛ فلم يتمكّن هذا التطوّر كلّه والتحوّلات المتنوّعة من منح السعادة للبشر.
بالطبع، إنّ العقل البشريّ هو نعمة كبرى، والتجربة نعمة كبرى، وهذه من نِعَم الله، ويمكنها أن تحلّ الكثير من مشاكل الحياة، ولكن بعض العقد لا يحلّ بهذه الوسائل. قضيّة العدالة على سبيل المثال، لا يمكن حلّها بواسطة العلم المتطوّر والتكنولوجيا المتقدّمة. فالظلم في العالم اليوم يتغذّى من العلم؛ أي إنّ العلوم المتطوّرة هي في خدمة الظلم، وشنّ الحروب، والاستيلاء على بلدان الآخرين، والتسلّط على الشعوب. لذلك، فإنّ العلم لن يستطيع حلّ هذه العُقد، وهي بحاجة إلى قوّة معنويّة، وإلهيّة، إلى اليد القويّة لإمام معصوم، فهو الذي يستطيع إنجاز هذه الأعمال؛ ولذلك فإنّ المهمّة العظيمة لحضرة بقيّة الله عجل الله تعالى فرجه الشريف هي أن «يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً»(1).
* عدلٌ في شؤون الحياة كلّها
لقد أشير إلى هذا المعنى في الكثير من الروايات والأدعية والزيارات؛ إقامة القسط والعدل، وهذا هو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه سوى بيد القدرة الإلهيّة التي تخرج من تحت عباءة حضرة بقيّة الله عجل الله تعالى فرجه الشريف. وهذا العدل المنتظر تحقّقه، ليس محصوراً في نطاق خاصّ، بل هو عدل في شؤون الحياة كلّها؛ عدالة في القدرة، والثروة، والصحّة والسلامة، والكرامة الإنسانيّة، والموقع الاجتماعيّ.
* الأمل بانتظار الفرج
لقد طُلب منّا في الإسلام أن يكون لدينا «انتظار». الانتظار أعلى من الحاجة، فهو يعني الأمل، والاعتقاد بوجود مستقبل يقينيّ، وهو بناء، وليس مجرّد وجود حاجة.
في رواية عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: «أفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج»(2)؛ المعرفة تعني التوحيد ومعرفة الحقائق الإلهيّة، ومن بعدها يأتي انتظار الفرج. عن أمير المؤمنين عليه السلام: «انتظروا الفرج ولا تيأسوا من رَوح الله»(3)؛ أي في انتظار الفرج يوجد أمل وحركة وإقدام.
ثمّة مشكلات متعدّدة تحصل للإنسان في حياته، وعليه أن لا يصاب باليأس عند مواجهتها، بل يجب أن يتحلّى بالأمل بانتظار الفرج، وأن يعرف أنّ الفرج سوف يأتي. فعن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام أنّه قال: «أوَلستَ تعلم أنّ انتظار الفرج من الفرج»(4)؛ فانتظار الفرج نفسه هو فرج للإنسان، ينجيه من حالة اليأس والعجز والإحباط الذي يجبره على القيام بأفعال عجيبة وغريبة.
* انتظار الفرج يعني الاستعداد والجهوزيّة
إنّ الانتظار لا يعني الجلوس ووضع الكفّ على الكفّ والتحديق لرؤية ماذا سيحدث! انتظار الفرج يعني الجهوزيّة، والإقدام والمبادرة، بمعنى أن يشعر الإنسان بأنّ ثمّة أهدافاً وعاقبة يمكنه الحصول عليها، ويجب عليه السعي للوصول إليها.
فنحن الذين نعتقد بانتظار فرج حضرة بقيّة الله عجل الله تعالى فرجه الشريف، يجب علينا أن نبذل الجهد في هذا الطريق، وأن نسعى في طريق بناء مجتمع مهدويّ، وأن نقوم ببناء أنفسنا. وكذلك أن نغيّر ونبني بيئتنا المحيطة بنا، بكلّ ما نملك من قوّة وقدرة، ونقرّب تلك البيئة إلى المجتمع المهدويّ، فالمجتمع المهدويّ هو مجتمع العدل، والمعنويّة، والمعرفة، والأخوّة، والعلم، والعزّة.
* لا للاستعجال ونفاد الصبر
انتظار الفرج لا يعني نفاد الصبر وتحديد مدّة ووقت معيّنَين، حيث يحدّد الإنسان زماناً وتاريخاً فلانيّاً، بل يعني إعداد النفس واستعدادها. إنّ نفاد الصبر والاستعجال هما من الأمور الممنوعة. ثمّة رواية تقول: «إنّ الله لا يعجل لعجلة العباد»(5)؛ إذا كنت تستعجل وتتسرّع، فهذا لا يعني أنّ الله يجب أن يتّخذ القرار تبعاً لك، ويستعجل بناءً على عجلتك! كلّا، فكلّ أمر له موعد معيّن، ووقت محدّد، وحكمة، ويتمّ إنجازه بناءً على تلك الحكمة.
(*) من خطاب سماحة الإمام السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظله، في ذكرى الخامس عشر من شعبان، بتاريخ 9/4/2020م.
(1) بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 63، ص 613.
(2) تحف العقول، الحرّانيّ، ص 304.
(3) (م. ن.)، ص601.
(4) الغيبة، الطوسي، ص 954.
(5) الكافي، الكليني، ج 2، ص 542.