اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

الحج في الشعر العربي

قصائد الشوق إلى بيت الله

فيصل الأشمر


حفل الشعر العربي على مر عصوره بالكثير من القصائد التي محورها ذكر الحج إلى بيت الله الحرام, فوصف بعضها رحلة الحجيج من ديارهم إلى الديار المقدسة, في حين وصف البعض الآخر شعائر وأعمال الحج, دون إغفال المشاعر الإنسانية التي كانت تجيش في صدور الحجيج شوقاً إلى بيت الله تعالى. يقول إبن جبير مهنئاً من كتب له الله تعالى أن يكون من حجاج بيته:
 

وإنَّ السّعادة مضمونَةٌ لمن حلَّ طيبة أَو زارها

هنيئاً لمن حج بيت الهدى وحطَّ عن النفس أوزارها


في حين يصف ابن الطيب الشرقي الفاسي ذل الحجيج في موقفهم في الكعبة سائلاً الله تعالى لهم المغفرة فيقول:
 

ما منهُمُ إلا ذليلٌ خانعٌ باكٍ على زلّاتِهِ مُتَنَدِّما

هيَ كعبةُ المولى الكريمِ، وكُلُّ مَن وافى إليها حقُّهُ أن يُكرَما

ذا طالبٌ فضلاً وذا متنصّل ممّا جَناهُ مِنَ الذنوبِ وَقَدَّما

يا رَبِّ قد وَقَفَت ببابِكَ عُصبَةٌ يرجونَ منكَ تَفَضُّلاً وتكَرُّما

 

فاقبَلهُمُ وأنِلهُمُ منكَ الرّضى وتجاوَزِ اللهمَّ عَمَّن أجرَما


وهذا ابن معصوم يصف وفوده إلى الكعبة المشرفة وشعائرَ الحج قائلاً:
 

عَلى كُلِّ عالٍ من بناءٍ ومن قَصرِ

إِلى الكَعبَةِ البيتِ الحرام الَّذي عَلا

 وأَقبلتُ نحو الحِجر آوي إِلى حِجرِ

فَطفتُ به سَبعاً وَقبَّلتُ رُكنَه

نقعتُ بها بَعد الصَدى غُلَّة الصَدرِ

وَقَد ساغَ لي من ماءِ زمزمَ شَربةٌ

وَفزتُ بما أَمَّلتُ في سالفِ الدَهرِ

هنالك أَلفيتُ المسرَّةَ والهَنا

 على الناس حجَّ البيتِ مُغتَنم الأَجرِ

وَقُمتُ بفرض الحَجِّ طوعاً لمن قَضى

من اللَه غُفرانَ المآثم والوِزرِ

وَسِرتُ إِلى تلك المشَاعِر راجياً

 وما راعَني بالخَيفِ خَوفٌ من النَفرِ

وَجئتُ مِنىً وَالقَلبُ قد فازَ بالمُنى

 رَميتُ بها قَلب التَباعُدِ بالجَمرِ

وَباكرتُ رميي لِلجِمار وإِنَّما


ويقول أحمد شوقي في قصيدته التي مطلعها:
 

عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ في عَرَفاتِ

إِلى عَرَفاتِ اللَهِ يا خَيرَ زائِرٍ

بِكَعبَةِ قُصّادٍ وَرُكنِ عُفاةِ

وَفي الكَعبَةِ الغَرّاءِ رُكنٌ مُرَحِّبٌ

مِنَ الكَوثَرِ المَعسولِ مُنفَجِراتِ

وَزَمزَمُ تَجري بَينَ عَينَيكَ أَعيُناً

 وَشانيكَ نيراناً مِنَ الجَمَراتِ

وَيَرمونَ إِبليسَ الرَجيمَ فَيَصطَلي

وَيَعلَمُ ما عالَجتَ مِن عَقَباتِ

يُحَيّيكَ طَهَ في مَضاجِعِ طُهرِهِ

 لِبَيتٍ طَهورِ الساحِ وَالعَرَصاتِ

لَكَ الدينُ يا رَبَّ الحَجيجِ جَمَعتَهُم

 إِلَيكَ اِنتَهَوا مِن غُربَةٍ وَشَتاتِ

أَرى الناسَ أَصنافاً وَمِن كُلِّ بُقعَةٍ

لَدَيكَ وَلا الأَقدارُ مُختَلِفاتِ

تَساوَوا فَلا الأَنسابُ فيها تَفاوُتٌ

 يَدينُ لَها العاتي مِنَ الجَبَهاتِ

عَنَت لَكَ في التُربِ المُقَدَّسِ جَبهَةٌ


ويناجي محمد سليمان الأحمد (بدوي الجبل) الكعبة المشرفة قائلاً:
 

غسلتُ فؤادي من أسىً ولهيبِ

بنورٍ على أم القرى وبطيبِ

 بحسب كأسرار السماء مهيب

لثمتُ الثرى سعياً وكحلت مقلتي

 بأعبائه من لهفة وحبيب

وأمسكت قلبي لا يطير إلى منىً

 هنا النور فافني في هواه وذوبي

هنا الكعبة الزهراء والوحي والشذى

 تركت دموعي شافعاً لذنوبي

ويا مهجتي بين الحطيم وزمزم

وعطَّر أبوابَ السماء نحيبـي

وفي الكعبة الزهراء زينت لوعتي


ويخاطب ضياء الدين الصابوني الحاج الذي زار بيت الله وعاد طاهراً من ذنوبه فيرسل إليه هذه الأبيات:
 

 وَسَقَيتَ سَقيَكَ إنَّهُ مشكور

قدْ طابَ حَجُّكَ إنّهُ مبرورُ

 فلأنتَ في عَفوِ المليكِ جدير

فاهنأ بحَجّكَ والقَبولِ مع الرضا

 قَدْ زانَها التهليلُ والتكبير

تلكَ المعاني السامياتُ شهِدْتَها

 يَعرفْ ، وضلَّ الجاحدُ المغرور

ذقتَ الحلاوةَ في الرحابِ ومَنْ يذُق

صوَراً تَردُّ الطرْفَ وهو حسير

وشهدتَ من سرِّ الجمال وحسنه

 وأفضتَ منها، وذنبكَ المغفور

ووقفتَ في (عرفات) تلتمس الندى

 يُرديكَ أو يُغويكَ وهو كفور

وأتيتَ (للحجرات) تهجر كلّ ما

 والقلبُ منه طافحٌ مغمور؟

أمّن يرى البيتَ العتيقَ وسِرَّه

 ومَعَ الجلالِ بَشاشةٌ وحبور

ولقد كُسيتَ من الجلالة ثوبَها

وقلوبُهم فيها الهُدى والنور

ها هم ضيوفكَ أقبلوا في لهفة،

 واللهُ يُجزلُ، والجزاءُ كبير

يدعون ربَّهمُ بقلب خاشعٍ،

 وعلى الوجوهِ النيّرات سرور

وعلى الجباهِ الخاشعات علائمٌ،

 زلاّتُهمْ ، إنَّ اللطيف خبير

نالوا الجوائزَ بعدما غُفرتْ لهمُ

 بلْ كادَ قلبُكَ من هواهُ يطير

وكم اعتراك هزّةٌ برحابه،

 فالعيشُ رَغْدٌ والزمان عبير

طوبى لمن قد فازَ منه بنفحة

أملي بعفوكَ يا كريمُ كبير

مهما أتيتُ من الذنوب فإنّما

إنَّ الفؤادَ من الذنوبِ كسير

ربّاه يا رحمن فاجبر كسرَنا

 أيقنتُ أنّكَ راحمٌ وغفور

ربّاه فاقبل توبتي وضراعتي

فالكسرُ عندَ مَليكنا مجبور

جدْ لي بعفوكَ يا إلهي تكرُّماً

 وإليه كلُّ الكائناتِ تصير

جدْ لي بعفوكَ أنتَ أكرمُ مرتجى

 ما رفَّ قلبُ العبدِ وهو شكور

صلّى الإله على النبيّ وآلِه


وأخيراً فلنلتفت إلى نصيحة يسديها إلينا الشاعر أبو الشمقمق قائلاً:
 

فَما حَجَجتُ وَلَكِن حَجَّتِ العيرُ

إذا حَجَجتَ بِمالٍ أَصلُهُ دَنِسٌ

 ما كُلّ مَن حَجَّ بَيتَ اللَهِ مَبرورُ.

لا يَقبَلُ اللَهُ كُلَّ طَيبَةٍ

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع