حوار: عدي الموسوي
يعتبر تنظيم العلاقة بين المواطنين والأملاك العامة من القضايا التي عالجتها التشريعات والقوانين منذ القدم. ولئن كان تنظيم هذه العلاقة متأثراً بتطوّر أنظمة وأشكال الحكم عبر مختلف الحضارت والثقافات، فإن صورة هذا الموضوع قد تطوّرت كثيراً في العصور الأخيرة، لتبرز الحاجة إلى سن القوانين والشرائع لتنظيم العلاقة بين الممتلكات العامة من خلال دور مؤسسات الدولة في تنظيمه والإشراف عليه من جهة وبين المواطنين بلحاظ حقوقهم والواجبات. عن هذا الموضوع كانت هذه المقابلة مع المحامي النائب نوّار الساحلي، مقرر لجنة الادارة والعدل في مجلس النوّاب اللبناني، حيث بدأنا معه بالحوار:
* الممتلكات العامة في حماية القانون:
* كيف نظّمت التشريعات القانونيّة الحديثة العلاقة بين الممتلكات العامة وأفراد المجتمع؟
- لا شك في أن التطوّر العمراني والحضاري قد أدّيا إلى خلق مشاكل بين ما يعتبر ملكية فردية أو خاصة وبين ما أصبح معروفاً - بعد تنظيم الحدود - بالأملاك العامة، وهذا أوجب خلق نوع من التنظيم بين الرعية أو المواطنين وبين هذه الأملاك العامة التي هي ليست ملكاً لأحدهم بل للجميع، ولكن بعض هذه الأملاك يمكن للبعض أن يستعمله والبعض الآخر يحظّر عليه استعماله. وهنا، وجب إصدار التشريعات التي تبدأ من الدساتير وصولاً إلى القوانين التي توضع على يد الهيئات التشريعيّة للحفاظ على الممتلكات.
* كيف تقسم التشريعات والقوانين الخاصة بالأملاك العامة؟
- لا شك أن الأملاك العامة تضم لائحة طويلة من العناوين تبدأ من مؤسسات الدولة من وزارات ودوائر مختلفة، وصولاً إلى أبسط الأشياء كالهاتف العمومي وحتى الشجرة التي تزرعها وزارة الزراعة أو البلدية في الأراضي المشاع، بل وتمتد إلى بعض الممتلكات العامة كمؤسسة الجيش وأسلحتها التي يعتبر التعدي عليها جريمة وجناية.
* القوانين حقوق وواجبات:
* نحن نعرف أن في القوانين والتشريعات هناك ما يعرف بالحقوق والواجبات سواء للدولة أو للمواطن، هلاّ وضحت لنا هذه النقطة؟
- إن حماية هذه الممتلكات العامة أو الحفاظ عليها هي واجبات المواطن، في حين أن إمكانية استعمالها والاستفادة من منافعها هي حقوق المواطن في الممتلكات العامة فيما لو كان ملتزماً بدفع الضرائب المتعلّقة به. نأخذ على سبيل المثال مسألة التعدي على خطوط الكهرباء الذي هو تعدٍّ على الممتلكات العامة. وللأسف في لبنان مثلاً هناك عُرف غدا مألوفاً في العديد من المناطق اللبنانية - لا في منطقة دون غيرها - يستسهل استباحة خطوط الكهرباء عبر التعليق عليها، في حين أنّه أمر محرّم شرعاً وهو مخالفة يعاقب عليها القانون. وهنا حق المواطن بالكهرباء لا يخوّله أن يسرق فيعلّق على خط الكهرباء، حتى لو كانت الدولة ومؤسساتها مقصّرة في إيصال الكهرباء إليه. هنا، الواجب على المواطن هو احترام القانون، أمّا حقّه فيتمثّل بالاستفادة من الكهرباء، في حين أن واجب الدولة هو توفير الكهرباء للمواطنين، أمّا حقّها فيتجلّى في معاقبة من يتعدّى عليها فضلاًعن جباية الضرائب.
* لماذا يعاني العديد من المجتمعات العربية والإسلامية من تراجع في مستوى الوعي الحقوقي والقانوني في هذا المجال؟
- في الواقع الإسلام هو دين الحقوق والقوانين، وهو الدين الذي يحافظ على الممتلكات العامة والذي يرعى ويحدد العلاقة بين الحاكم والرعية، إضافة إلى تحديده للممتلكات العامة التي يحق للمسلمين أو الرعية استعمالها والتي هي ليست ملكاً للحاكم.
* تأثير علاقة المواطن بالدولة:
القضية هي في تحديد علاقة المواطن بالدولة، وفي مفهوم المساهمة بالمحافظة على الممتلكات العامة كواجب لا يتعلّق بالدولة ومؤسساتها فحسب، وهو مفهوم يترسّخ من خلال ما يعرف بالثقافة أو التربية المدنية. هنا، يمكننا الاستفادة من مفهوم تعلّق الإنسان بوطنه للتأسيس لهذا المفهوم، فتعلّق الإنسان بوطنه يمكن أن يتعزز من خلال الرؤية الدينية، فلنأخذ المقاومة الإسلامية كنموذج، وفيها المجاهد يضع حياته على كفه ويعير جمجمته لله سبحانه، وذلك للدفاع عن العقيدة من جهة والوطن من جهة أخرى، هنا يمكننا توسيع هذا المفهوم ونقله من الجهاد إلى الحفاظ على الوطن ومؤسساته وممتلكاته العامة. ولكن هذه الثقافة - وللأسف - لم تترسخ وتنتشر بشكل كافٍ في مجتمعاتنا. إن عدم رضى المواطن عن الدولة هو أساس العلاقة بينهما وهذا انعكس على علاقته بالممتلكات العامة، عبر انتقامه منها بالتخريب أو التعدّي، فيما واقع الحال هو أنّه بذلك إنّما يتعدّى على ممتلكاته هو، وهذا ما نلمسه مع الأسف في أغلب المظاهرات الاحتجاجية، حيث يقوم المواطنون بأعمال شغب تطال الممتلكات العامة من طرقات وشوارع وحتى أكشاك الهواتف العمومية. وهو تعبير غير ديمقراطي وغير سلمي. وهنا أحب الإشارة إلى تجربة قوى المعارضة في لبنان - وحزب الله واحد منها - في حركاتها الاحتجاجيّة، حيث ضرب المثل بها في حضاريتها ومدى حرصها على الممتلكات العامة، بل وأكثر من ذلك عند رفع الاعتصام السلمي من وسط بيروت بعد مرور أكثر من سنتين، سلّمت قوى المعارضة ساحات الاعتصام بعد إجراء الصيانة لها وإصلاح كل ما تعرّضت له من أضرار غير مقصودة. هنا نحن أمام نموذج للتصرّف المسؤول في الحفاظ على الممتلكات العامة.
* ثقافة القانون
* على صعيد بناء الثقافة والوعي بالجانب الحقوقي والقانوني بموضوع الممتلكات العامة، برأيك - وأنت الحقوقي والمشرّع في مجلس النوّاب - هل يجب على المواطن العادي أن يغوص في كل القوانين والتشريعات المتعلّقة بالموضوع، أم الحاجة هي إلى ثقافة عامة؟
- هناك مبدأ عام في القانون يلزم المواطن بالتعرّف إلى القوانين التي تتعلّق به، ولكن الواقع هو أنه لا يمكن للمواطن العادي أن يلمَّ بكل القوانين، ولكن هناك مبادئ عامة يجب أن يبدأ العلم بها من البيت مروراً بالمدرسة وحتى الجامعات. فضلاً عن الدولة في إيجاد برامج تثقيفيّة غير مسيّسة، لا تقتصر على منطقة دون أخرى. بل إن هذه المقابلة هي جزء من التثقيف القانوني والحقوقي المفترض. بالمجمل الثقافة الحقوقية الخاصة بالممتلكات العامة هي مسؤولية مختلف القطاعات المدنية والثقافية والدينية والسياسيّة.
- التربية المجتمعيّة المدنية تبدأ من الأسرة، وفي توعية الأبناء بمعنى الممتلكات العامة، وضرورة المحافظة عليها والامتثال للقوانين والأعراف المتعلّقة بها، وهو امتثال لا يتعلّق بحضور ممثل القانون (الشرطي) أو غيابه، بل يتعلّق بالأخلاق والفطرة السليمة. وهذا طبعاً يلزمه الكثير من الوقت والجهد.
* على صعيد التشريعات الخاصة بتنظيم العلاقة بين المواطن والممتلكات العامة، هل ترى أنّها تواكب تطوّرات مجتمعاتنا أم أنّها ما زالت قاصرة ومتخلّفة؟
- كمحامٍ ومشرّع سأركّز في إجابتي على لبنان، فمن المضحك المبكي أن التشريعات هنا في بعض الأحيان هي متقدّمة على المواطن، فهناك العشرات من التشريعات قد سنّت وأصبحت نافذة منذ سنوات طويلة، غير أنّها غير مطبّقة من قبل الدولة. النقص هنا حاصل لا في التشريع بل في التطبيق من قبل الدولة وفي الالتزام من قبل المواطن على حد سواء. فلا يجب على المواطن عدم الامتثال لتطبيق القانون إلاّ مع وجود التهديد والعقوبات والغرامات ليطبّق القانون العام، كما في موضوع استعمال حزام الأمان على سبيل المثال لا الحصر حيث يسارع العديد من المواطنين إلى استعماله عند مصادفتهم للشرطي فقط، في حين أن تشريع إلزام استعمال الحزام إنّما سنَّ للصالح العام وللحفاظ على أرواح المواطنين. وكذلك الأمر فالبعض يشوّه الممتلكات العامة من طرقات وحدائق وهواتف عموميّة في غياب المراقبة ويمتنع بوجودها، ولكن هم في أفعالهم هذه ماذا يستفيدون وممن ينتقمون؟ هذه المسألة تتعلّق بثقافة عامة وليس بالقانون فحسب، فالقانون قد سنّ ولكن الدولة لا تطبّقه بالطريقة المناسبة والمواطن لا يلتزم به دون عقاب أو غرامة.