إعداد: زينب الطحان
تعدّ الثورة الإسلامية في إيران في سبيعينات القرن الماضي، من أعظم الثورات التي شهدها التاريخ الإنساني عموماً، وذلك من حيث السرعة التي حدث بها التغيير العميق، وكذلك الدور القيادي للدين فيه، وكانت نتيجة ذلك الحدث نشوء جمهورية إسلامية بقيادة عالم دين حكم عليه ظلماً بالنفي يبلغ من العمر ثمانين عاماً، مدعوماً بمظاهرات شعبية مليونية. ولقد حيَّرت شخصية الإمام الخميني قدس سره العالم الغربي آنذاك. ورغم كل ما قيل عنه فقد أثبت، رضوان الله عليه، أنه جلب إلى العالم نوعاً جديداً من الحكم لم يعرفه من قبل، وكان قد اندثر مع وفاة الرسول الأكرم وتجربة ولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام.
تسابق الكتّاب والباحثون، سواء في العالم العربي أم الغربي على حد سواء، في رصد حركة الإمام حتى قبل وفاته، ولكنها كانت كتباً تعرضت لمراحل مختلفة من مسيرته. أما كتابنا المعروض أمامنا اليوم، فهو يتميز بشموليته بعد مرور أكثر من عقد على وفاة الإمام الخميني، وأعني به كتاب "الإمام الخميني قدس سره الأصالة والتجديد" لسماحة الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، الصادر عن دار المحجة البيضاء. يضم الكتاب سبعة فصول، تمحورت حول "الثابت والمتغير"؛ "ولاية الفقيه والحكم الإسلامي"؛ "الاستقلال ورفض التبعية"؛ "إدارة الدولة"؛ "قضايا ومواقف"؛ "طروحات جديدة"؛ "الإمام الخامنئي وخط الإمام الخميني قدس سره".
أهمية هذا الكتاب ليست في مضمونه وأسلوبه وإضاءاته الكثيرة حول شخصية تاريخية فحسب، بل أهميته الكبرى بكاتبه. فالشيخ نعيم قاسم مفكر ومعلم ومقاوم. ومقاومته سلاح وفكر وإيمان على خطى الإمامين وفي قيادة حزب الله صاحبة النصرين. ويقوم سماحة الشيخ بالتوقف عند المفردات التغييرية الكبرى التي سنّها الإمام في تاريخ إيران الحديث، ودرس بالشرح والبراهين الخطوات العملانية الحديثة، التي رفعت المجتمع الإيراني إلى مصافّ مجتمعات الحداثة، ولكن على الطريقة الإسلامية في مفهوم الحداثة وتراكيباتها. ولكن من الحق أن نقول: إن الكتاب يضم بين دفتيه جملة أحاديث للإمام قدس سره ليست مشهورة بين العوام، وهي في الآن نفسه عظيمة الأثر، وأقام من خلالها سماحة الشيخ الأدلة على التغيير الكبير في مسيرة الشعب الإيراني.
* "لا شرقية ولا غربية"
تميزت إيران بعد الثورة، وما تزال، بأنها البلد الوحيد في العالم الذي لا ينتمي إلى أي من القطبين اللذين يحكمان العالم، الاتحاد السوفياتي في الشرق، ولقد انتهى عهده، والولايات المتحدة الأميركية في الغرب. وتمثل ذلك بالشعار الغريب اللافت الذي رفعه الإمام الخميني قدس سره آنذاك وهو "لا شرقية ولا غربية"، وكان أن شكّل بذلك قطباً أوحد في العالم ينتمي إلى حكم الشّريعة الإسلامية على مذهب الاثني عشرية. وكان بحق خطاً سياسياً آمناً لإيران فرادة في المنهج الثقافي والسياسي الداخلي وفي علاقاته الخارجية. ويؤكد الإمام أن إقامة النظام على أساس "لا شرقية ولا غربية" لا يعني التحجر والتقوقع عن قضايا المجتمع وحاجات الناس، بل أثبتت التجربة الحية أنه بهذا الشعار عدّت "إيران ظاهرة استثنائية" في الحكم وآلياته من جهة وفي نظامه الداخلي الذي انعكس على حياة الشعب الإيراني بالانفتاح والتطور والازدهار من جهة أخرى، حيث فرضت سياسة اللاتبعية على الشعب الإيراني العمل بجهد مضاعف لتمكين البلد بإمكانياته الخاصة من تأسيس أداوت الاكتفاء الذاتي في مختلف الميادين.
* الأقليات: حق الاختلاف والتعايش السلمي
عند انتصار الثورة الإسلامية واختيار الشعب لحكم الإسلام، بدأ الغرب يروّج لمسألة حقوق الأقليّات في إيران والاضطهاد الذي ستتعرض له في ظل هذا الحكم. ولكن الإمام قدس سره كان متيقظاً لهذا الجانب، فقد بيّن في مناسبات عديدة حق الاختلاف والتعددية الدينية في بلاده وأن هذا الاختلاف جزء من الحرية الفردية في الاختيار والتي يؤمن بها الإسلام. وفي سؤال وجّه له عن وضع حقوق الأقليات الدينية في الجمهورية الإسلامية أجاب الإمام الخميني قدس سره: "إن الإسلام منح الحرية للأقليات الدينية أكثر من أي دين وأي مذهب"، وقال: "نحن نحافظ على هؤلاء بأفضل وجه.." وفي لقاء له، رضوان الله عليه، مع ممثل بابا الفاتيكان والوفد المرافق له في باريس تحدث الإمام عن نظرة الإسلام للرسالات السماوية، وقال: "إن الأقليات الدينية كانت محترمة دوماً في الإسلام، وإن الوفاق بين الأديان الموحدة الكبرى أمر ضروري لتحقيق التقدم للبشر". وقد تداول الإعلام العالمي ما حدث منذ أشهر مع المخرج الأميركي الشاب "شون ستون" الذي قِدم إلى إيران لإخراج فيلم وثائقي عن مظاهر التعايش السلمي بين أتباع الأديان في الجمهورية فاكتشف عن كثب الإشاعات الزائفة في الغرب التي تروِّج أن الأقليات الدينية الإيرانية تعاني اضطهاداً مزمناً. وبعد رحلة له دامت أشهراً أعلن إسلامه على المذهب الجعفري وغير اسمه إلى "علي شون". ما يعنينا هنا أن المخرج الأميركي ثبت لديه بالصوت والصورة حقيقة وضع الأقليات في إيران.
* مكانة المرأة ودورها
لقد أعطى الإمام الخميني قدس سره المرأة قيمة عالية لن تصل إليها يوماً، وساوى بين دورها وبين دور القرآن الكريم في صنع الرجال والإنسان، وجعل احترامها وتقديرها أمراً محتّماً وواجباً في ميدان المجتمع ومؤسساته، وفتح لها أبواب العلم والجامعات والمؤسسات وأعاد لها الحقوق التي منحها إياها الإسلام، فكانت أن شاركت المرأة الإيرانية في الثورة بدور قوي وفاعل. وبعد الانتصار أيضاً وصلت المرأة إلى أعلى المناصب والمسؤوليات الجسام. وكان الإمام الخميني قدس سره نفسه قدوة في هذا المجال حين أصبحت إحدى بناته دكتورة تعلّم في جامعة طهران، وهو في الآن نفسه لم يقلّل من أهمية الدور التربوي للمرأة انطلاقاً من الأمومة، التي لا بديل عنها، "يجب حفظ دور الأم في العملية التربوية، وعدم التفريط به، وعليها ألا تردُّ على أولئك الذين يريدون تعطيل دورها الأساس في الحياة". ويقول: "إن هذه الأم التي يترعرع الطفل في أحضانها، تتحمل أعظم مسؤولية، رعاية الطفل وهي من أشرف الأعمال في العالم، إنها الهدف الذي بعث الله تبارك وتعالى الأنبياء من أجله على مر التاريخ، من آدم إلى الخاتم، فالأنبياء بعثوا لتربية الإنسان".
* إيران "بلد بقية الله عجل الله تعالى فرجه"
تميَّز الإمام الخميني قدس سره بتسمية إيران "بلد بقية الله عجل الله تعالى فرجه"، وكان أن وصف إنجازات الثورة الإسلامية المباركة بأنها من بركاته، وأن الشعب الإيراني في خدمة الحجة عجل الله تعالى فرجه، وأن هذه الدولة هي تمهيد لظهوره الشريف. وفي هذا تأكيد واضح على أن الحكم الإسلامي في إيران قائم على مذهب أئمة أهل البيت، صلوات الله عليهم.