من إضاءات العالم الربّانيّ الشيخ محمّد تقي بهجت قدس سره(*)
هيئة التحرير
يرسم العارف الكبير والعالم الربّانيّ الشيخ محمّد تقي بهجت قدس سره طريق الإنسان المؤمن في زمان الغيبة إلى إمام زمانه، من خلال الفهم الصحيح المستند إلى الكتاب والعترة الطاهرة. ومن هنا، يؤكّد على مجموعة من الأمور التي جاءت موزّعة في وصاياه المختلفة، وقد قمنا بجمعها وتنسيقها.
•الفرج الشخصيّ قبل الظهور
على كلّ شخص أن يفكر في نفسه ويجد له طريقاً للارتباط بالإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وأن يعثر على فرجه الشخصيّ، سواء أكان ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف قريباً أم بعيداً. وطالما أنّ الارتباط والعلاقة بالإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف والفرج الشخصيّ أمر اختياريّ ويقع بإرادتنا، خلافاً للظهور والفرج العامّ، فلماذا لا نهتمّ بكيفيّة تحقيق الارتباط والعلاقة معه عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ ولماذا نحن غافلون عن هذا الموضوع، ونهتمّ فقط بالظهور واللقاء العامّ به عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ مع العلم أنّه إذا لم نهتمّ بإصلاح أنفسنا لتحقيق فرجنا الشخصيّ، فثمّة خوف من فرارنا منه عجل الله تعالى فرجه الشريف عند ظهوره؛ لأنّنا نسير في طريق من لا يفرّق بين الأهمّ والمهمّ.
إنّ وظيفة الشمس هي الإضاءة، وإن كانت خلف الغيوم، والحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف هو كذلك أيضاً، عمله الهداية، وإن كان مستوراً عنّا بحجاب الغيبة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. إنّ عيوننا لا تراه، ولكنْ ثمّة جماعة كانوا وما زالوا يرونه، وإن لم يكونوا يرونه، فهم على ارتباط به.
•المنتظرون لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
لقد أخبرنا أئمّتنا عليهم السلام قبل ألف عام أنّ الابتلاءات والمصائب ستكون كبيرة إلى درجة يتخلّى معها الكثير من أهل الإيمان عن إيمانهم، ولكن ماذا سيجني هؤلاء من وراء ذلك؟ وهل سيخلّصهم خروجهم عن إيمانهم من تلك الابتلاءات؟ وماذا عنّا نحن؟ هل نحن من المنتظرين لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ونريد ظهوره حقّاً؟ وهل نحن راضون بذلك؟ وهل هو عليه السلام راضٍ عن أعمالنا؟
•تصنيفنا عند الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
الله يعلم في أيّ صنف من الناس نحن في سجلّات إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهو الذي تُعرَض عليه أعمال العباد مرّتين أسبوعيّاً "الإثنين والخميس". لكن ما نعلمه هو أنّنا لسنا بالنحو الذي ينبغي أن نكون عليه.
•حقّ وليّ نعمتنا
أُمرنا بمعرفة مقام أولياء نعمتنا والمحسنين إلينا؛ كالوالدَين والمعلّم، وأُمرنا باحترامهم وتوقيرهم حتّى نصل إلى مبدأ الإنعام. والأئمّة الأطهار عليهم السلام هم أولياء النعمة وواسطة الفيض في كلّ زمان.
•القرآن وإمام الزمان
إذا كنّا لا ننتفع بالقرآن، فالسبب هو ضعف يقيننا. وطالما نحن على هذه الحال، فإنّ أحوالنا لن تتغيّر، حتّى إذا رأينا الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، ستكون حالنا كحال بعض الذين كانوا في زمان حضور الأئمّة عليهم السلام. فهل نحن من أهل القرآن؟ نقضي العمر ونحن ندعو بتعجيل فرج الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، فحذارِ أن لا نكون من أهل القرآن.
•عيش حضوره ورقابته
إنَّ أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام هم عبيد لله، علمهم وصوابهم مطّرد وجار؛ أي أنّهم بما لديهم من مقام العصمة لا يُخطئون ولا يذنبون، وإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف هو "عين الله الناظرة، وأذنه السامعة، ولسانه الناطق، ويده الباسطة"، وهو مطّلع على أقوالنا، وأفعالنا، وأفكارنا، ونيّاتنا، ومع ذلك نتصرّف وكأنّنا لا نعتقد بأنّ الأئمّة عليهم السلام، وخاصّة إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، حاضرون معنا، وناظرون إلينا، بل وكأنّنا لا نعتبره حيّاً، وغافلون عنه بشكل كامل! إذا كنّا في غرفة مغلقة، ونعلم بوجود قوة عظمى ترصدنا من وراء الباب، وتتنصّت على كلامنا المؤيّد والمعارض لها وتسجله، وأنّها ستقدم على اقتحامنا في الوقت المناسب، فكم سنكون حريصين على كلامنا حتّى لو لم نكن نراها، ولكنّنا نعلم بوجودها خلف الباب؟! فلماذا لا تكون حالنا بالنسبة إلى إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بهذا المستوى من الحرص والانتباه لتصرفاتنا؟! ولماذا لا تختلف حالنا وموقفنا، نحن الذين نؤمن به ونتّخذه إماماً، عن الذين لا يعتقدون به؟!
•عيش أحواله
هل يجوز أن يكون قائدنا ومولانا إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف حزيناً ونحن فرحون؟! أو يكون باكياً بسبب ابتلاء شيعته ونحن نضحك مسرورين؟! كيف يمكن أن نعتبر أنفسنا تابعين له وهو على هذه الحال؟!
ألا يُفترض بنا أن نقلق لبؤس التزامنا الدينيّ؟! إذا كان الشيعة الصادقون هم من "يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا"، فهل نحن شركاء الأئمّة عليهم السلام في أفراحهم وهمومهم؟! وهل من الممكن أن نكون شيعة فيما تمرّ علينا ليلة من غير أن ندعو فيها لهلاك أعداء الإسلام وأهل البيت عليهم السلام؟!
وقطعاً، فإنّ أولئك الصادقين في دعائهم، والمحزونين بحزن أهل البيت عليهم السلام، والمسرورين بسرورهم، يبصرون أموراً خاصّة، وليسوا مثلنا معصوبي الأعين وعمياناً!
•تأثير ذنوبنا
مَثَلُنا كمَثَل جماعة حبست قائدها، وانفردت في اتّخاذ قرار الحرب والصلح في البلايا! فنحن الذين لا نأذن لصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بالخروج لحلّ مشاكلنا، مع أنّنا نعلم أنّه يستطيع حلّها، ولكنّنا نستمر في سجنه! وعلى هذا، فحتى لو أيّده ملايين الأشخاص، فإنّه سيبقى مثل الشخص الوحيد الذي لا ناصر له ولا معين. فإذا كنّا نحن لا نقوم في اليقظة بواجبنا بنحوٍ صحيح، فهل نتوقّع الاستيقاظ والقيام ليلاً للتهجّد؟! إنّ من ينال التوفيق، يستيقظ من نومه ويقوم بالتهجّد، ولكنّ المحروم منه، حتّى لو استيقظ فهو لن ينتفع من استيقاظه.
•حجاب اللقاء
فلنفكّر في أولئك الأشخاص الذين كانت لهم علاقة بصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف. هل كانوا أكثر فقراً منّا مثلاً حتّى تشرّفوا بذلك؟! لا، فنحن الذين جعلنا أنفسنا عاجزين، حينما قطعنا علاقتنا بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، وصرنا كالمعْدَمين الذين لا يملكون شيئاً.
إذا قلتم: إنّنا لا نستطيع الوصول إلى إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، فالجواب هو: لماذا لا تلتزمون بإتيان الواجبات والانتهاء عن المحرّمات؟ وهو يكتفي منّا بذلك، لأنّ: "أورع الناس من تورّع عن المحرّمات".
فترك الواجبات وارتكاب المحرّمات هو الحجاب الذي يمنعنا من لقاء إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.
•استلهام الموقف أثناء زيارته عجل الله تعالى فرجه الشريف
إذا كان علم الإنسان مطابقاً لإيمانه فهذا حسن جدّاً. ولقد كان العلماء السابقون لا يفصلون بين العلم والإيمان. فالمرحوم الميرزا الشيرازي الكبير قال في قضيّة تحريم التنباكو: "إنّ علّة هذا الحكم الذي حكمتُ به هو أنّني زرت صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف في سرداب سامرّاء، وهناك أُلهمت هذا الحكم". فهل من الممكن أن تحصل هذه الإفاضة على شخص فاقد للصفات المعنويّة، فيؤمر بالذهاب إلى السرداب ليتمّ الأمر بهذا النحو؟
نسأل الله تبارك وتعالى أن لا نكون ممّن يدعون لتعجيل فرج إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بألسنتهم، ولكنّهم يؤخّرون ظهوره بأعمالهم.
(*) من كتاب: في مدرسة الشيخ بهجت قدس سره.