قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تزول قدما
عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، وعن
ماله من أين كسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت(1)". ليس للإنسان في
الدنيا سوى عمره وعدد أيامه فيها، وكلَّما مضى من عمره يوم خطا نحو الآخرة خطوة
حتَّى يستوفي أيامه كاملة. وفترة الشباب هي ربيع العمر وذلك لما فيه من القوة
والنضارة والقابليات والأمل. ولا تعرف فضل نعمة الشباب إلا بعد فقدها. فعن علي عليه
السلام: "شيئان لا يعرف فضلهما إلا من فقدهما: الشباب والعافية(2)".
ففي
مرحلة الشباب تكون قوى الإنسان المختلفة في ريعانها، فيتمكن فيها من العطاء بكل
معاني الكلمة، إن على مستوى القوة الجسدية، أو القوة العقلية، أو القوة النفسية،
فيكون في أوج الاستعداد للعمل والعلم والجهاد والعبادة وهو مملوء بالأمل بالمستقبل.
وليس خافياً أنَّ العمر مهما طال لا يكون ذا نفع يعتدُّ به ما لم يقترن بالقوة على
الفعل والكسب والتأثير، وهذا ما لا يتوفَّر إلا في فترة الشباب، فنعمة الشباب نعمة
ذات قيمة خاصة ينبغي الاستفادة منها ما أمكن.
* للاستفادة من نعمة العمر
المعروف إسلامياً أنَّ شكر النعمة يكون بالاستفادة منها على الوجه الذي يريده صاحب
النعمة، أي الله تعالى، فكيف يحب الله تعالى أن نستفيد من نعمة العمر؟
هناك مجموعة أمور نافعة في هذا المجال تعدّ أساسية للشاب، وهي ستة أمور: ثلاثة
علينا أن نتجنبها، وثلاثة علينا أن نفعلها:
أ- ما يجب علينا تجنبه:
أولاً: الفراغ لأنَّه أساس الفساد الأخلاقي، فقد ورد عن الإمام علي عليه السلام: "إن
يكن الشغل مجهدة فاتصال الفراغ مفسدة(3)".
ووجه الفساد في الفراغ أمران:
أ - أنَّه يدعو إلى قتل الوقت بأي شيء ولو كان محرماً.
ب – أنَّه يدعو تلقائياً إلى مصاحبة الفاسدين البطالين لتقطيع الوقت، لأن العاملين
المنتجين أصحاب الهمم العالية لا وقت لديهم ليضيعوه معنا. وسبب الفراغ عادة هو
البطالة وعدم الالتزام بعمل أو علم، أي عدم الإنتاج المفيد في أي من مجالات الحياة،
وعن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: "إنَّ الله تعالى ليبغض العبد النوام، إن
الله ليبغض العبد الفارغ"(4). ومن أسباب البطالة الكسل، وعن الإمام الباقر
عليه السلام قال: "إني لأبغض الرجل أن يكون كسلانَ عن أمر دنياه، ومن كسل عن أمر
دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل"(5).
ثانياً: التسويف وإضاعة الوقت
أسوأ ما في الإنسان أن يؤجِّل الأعمال الضرورية والمهمة، ويلهو عنها بالأشياء
التافهة عديمة النفع فضلاً عن الانشغال بالأشياء المضرة. قال الإمام علي عليه
السلام: شتان ما بين عملين: عمل تذهب لذته وتبقى تبعته، وعمل تذهب مؤونته ويبقى
أجره(6).
ثالثاً: الاهتمامات التافهة والفارغة من المحتوى
الإنسان يُعرف قدره بحسب قدر اهتماماته، فذو النفس الصغيرة تبقى اهتماماته صغيرة
ولو صار كبير الجثة شائب الشعر، فينبغي لنا أن نكون كباراً في اهتماماتنا، فنقلد
بذلك كبار القوم والشخصيات الفاعلة في المجتمع، فعن الإمام الصادق عليه السلام: خير
شبانكم من تشبه بكهولكم(7)... ثمة إحصائية مثيرة في هذا الصدد كشف عنها
استفتاء أجرته في مصر "جماعة تنمية الديمقراطية"، بيّن أن 88% من أفراد المجموعة
التي شاركت في الاستفتاء ليس لهم أي إسهام في الأحزاب السياسية، وأن 98% من
المواطنين لا يشاركون في أي نشاط عام. وفي المقابل فإن عدد الذين صوتوا لأحد
البرامج التلفزيونية الهابطة عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني في كل من مصر
والسعودية ولبنان والكويت والإمارات واليمن وسوريا بلغ قرابة 80 مليون عربي، في حين
أن من شاركوا من العرب بالتصويت ضد الحرب في أفغانستان على سبيل المثال بلغوا قرابة
أربعة ملايين فقط، أي 5% فقط ممن اهتموا بالبرنامج المذكور!
ب- ما يجب علينا فعله:
أولاً: الانشغال بالتعلم
وذلك من خلال المطالعة والدراسة واكتساب الخبرات الضرورية في الحياة، لأن فترة
الشباب فترة قوة القابلية في التلقي والفهم والحفظ والوعي. يقول الإمام علي عليه
السلام: إنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما ألقي فيها من شيء قبلته(8).
ونلاحظ في هذا المجال مستوى تركيز الأئمة عليهم السلام على ضرورة انشغال الشباب
بالعلم حتى قال الإمام الصادق عليه السلام: لست أحب أن أرى الشاب منكم إلا غادياً
في حالين: إما عالماً أو متعلماً، فإن لم يفعل فرّط، فإن فرّط ضيّع، فإن ضيّع أثم،
وإن أثم سكن النار والذي بعث محمداً بالحق(9). وقد يصل الأمر، لأهميته، إلى درجة
الإلزام في بعض الأحيان، خصوصاً فيما يتعلق بالأمور الدينية الضرورية، فعن الإمام
الباقر عليه السلام: لو أتيت بشاب من شباب الشيعة لا يتفقه في الدين لأوجعته(10).
ثانيا: العمل والإنتاج
وذلك بأن يتخذ لنفسه حرفة يعتاش منها، ويستغني بمدخولها عما في أيدي الناس ليكوِّن
لنفسه شخصيته المستقلة، فبالإنتاج يشعر الشاب بوجوده، وبأهميته بين أفراد المجتمع،
فيلقى منهم كل احترام وتقدير. عن ابن عباس أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم إذا نظر إلى الرجل فأعجبه، قال: "له حرفة؟" فان قالوا: لا، قال: " سقط من
عيني " قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: " لأن المؤمن إذا لم يكن له حرفة
يعيش بدينه(11)".
ثالثاً: تنظيم الوقت
قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لابنه الحسن عليه السلام: وليس للمؤمن بد
من أن يكون شاخصاً في ثلاث: مرمة لمعاش، أو خطوة لمعاد، أو لذة في غير محرم"(12).
كلمة أخيرة للشباب:
إن أئمة أهل البيت عليهم السلام يعولون في نهوض الإسلام ونشر الدين وإفشاء الخير
والعدل على عنصر الشباب أكثر من غيرهم من المؤمنين لما يتوسمون فيهم من القابلية
والاندفاع:
قال الإمام الصادق عليه السلام لأحد أصحابه: أتيت البصرة؟
قال: نعم.
قال: كيف رأيت مسارعة الناس في هذا الأمر ودخولهم فيه؟
فقال: والله إنهم لقليل، وقد فعلوا وإن ذلك لقليل.
فقال عليه السلام: عليك بالأحداث، فإنهم أسرع إلى كل خير(13).
1- الشيخ الصدوق، الأمالي، مؤسسة البعثة، قم، 1417 هـ، ص93.
2- ميزان الحكمة، الريشهري، ج2، ص140.
3- الشيخ المفيد، الإرشاد، دار المفيد، بيروت، 1993، ج1، ص 298.
4- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، منشورات جماعة المدرسين، قم، 1404 هـ، ج 3، ص
169.
5- الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1367 هـ. ش. ج5، ص 85.
6- نهج البلاغة، دار الذخائر، قم، 1412هـ. ج4، ص 29. حكمة رقم 121.
7- الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، منشورات جماعة المدرسين، قم، 1379، ص 401.
8- نهج البلاغة، مصدر سابق، ج3، ص 40.
9- الشيخ الطوسي، الأمالي، دار الثقافة، قم، 1414 هـ. ص 303.
10- الشيخ أحمد البرقي، المحاسن، دار الكتب الإسلامية، قم، 1370 هـ. ج1، ص228.
11- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1403، ج100، ص
9.
12-الحراني، الحسن بن شعبة، تحف العقول، منشورات جماعة المدرسين، قم، 1404 هـ. ص10.
13- الحميري القمي، قرب الإسناد، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1413هـ، ص129.