مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

"طه": شاشة بلغة الأطفال


تحقيق: نانسي عمر

وصف أحد الآباء تجربته في مدينة ألعاب، أُعدّت خصيصاً للآباء: "شعرت بالضياع عندما دخلت غرفةً واسعةً بأثاثها الضخم. كانت الأريكة على ارتفاع يصل إلى كتفيّ، واضطُررت إلى الوثب؛ لأتمكّن من الجلوس عليها. وعندما أردت الخروج لم أستطع دون مساعدة؛ لأنّ مقبض الباب كان بعيداً جداً عن متناول يدَيّ. شعرت بالعجز وخرجت لأرى العالم بعيون طفلي الذي فهمت معاناته للتوّ".

نعم، عالمنا كبيرٌ جدّاً على الصغار، فهم يحتاجون إلى لغةٍ خاصة، ولكي تصل إليهم... يجب أن تتعلّم لغتهم... وأن تُبدع...

"طه" شاشةٌ صغيرةٌ، انتقت حرفين لاسمها يسهل نطقهما على الأطفال، ليعرفوا منهما اسم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولتكون باباً بحجم أيديهم الصغيرة، وعيونهم الجميلة...

"طه" قناة للأطفال حاولت أن تتحدّث معهم بلغتهم، في ظلّ ذلك الفضاء الإعلاميّ الواسع... لنرَ ما هي رسالتها التي تقدّمها لأحبّائنا الصغار، بعد أن نتحدّث قليلاً عن واقع "الأطفال في إعلام الكبار"!

•بعض الشاشات يُسمّم براءتهم
لم تعد برامج الأطفال على قنوات الكبار كما السابق، صور الفواكه والشخصيّات الكرتونية البريئة، بل باتت تتضمّن غرابة في الشكل والكلام، وهو ما يمتلئ السوق الإعلاميّ به بكثرة وعلى مختلف الشاشات المختصّة بالأطفال، التي باتت تعرض سموماً تقتل أدمغة أطفالنا وبراءتهم بشكل بطيء وتدريجيّ، كلّما زادت نسبة مشاهدتهم لتلك الأفلام، وهو ما أكّدته إحصاءات عالمية عن ارتفاع معدّلات العنف والانتحار لدى الأطفال بعد محاولتهم تقليد شخصيّات كرتونيّة أعجبوا بها على شاشات التلفاز. ولا يمكن أن نتجاهل العنف المعنويّ الذي يواجهه أطفالنا في أفلام الكرتون الحديثة، من خلال ما تتضمّن من كلام بذيء ومشاهد غير لائقة وتصوير لبعض القيم الغربية التي تمرّ على الأطفال مرور الكرام.. دون رقيب.

من جهة أخرى، يعيش أولياء الأمور القلق على أطفالهم من هذا الواقع ويولون أهميّة كبيرة للمراقبة عند مشاهدة الطفل للبرامج التلفزيونية كمّاً ونوعاً، إنْ من حيث تحديد ساعات المشاهدة أو نوعية البرامج والأفلام والقنوات التي يمكن له مشاهدتها.

•أطفالنا والشاشة
تقول السيدة بتول (أم لطفلتين): "بدأت طفلتاي مشاهدة التلفاز عند بلوغهما عمر السنة تقريباً، وكانتا تنجذبان للألوان والموسيقى، والأغاني المخصّصة للأطفال بشكل كبير، ولكنهما بعد سن الثالثة بدأتا تميلان إلى الأفلام الكرتونية، وبشكل انتقائيّ، فلا تحبّان إلّا "توم وجيري" و"ماشا" و"الطفل والمحتلّ" وعدداً قليلاً آخر من الأفلام الكرتونية. وأظنّ أن ذلك يعود إلى الألوان القوية، وسرعة المشاهد، والاستعمال المثير للمؤثّرات الصوتيّة في هذه الأفلام".

أمّا السيدة فرح (أم لثلاثة أطفال) فتعارض بشدّة مشاهدة الأطفال للأفلام الكرتونيّة أيّاً كانت، فهي "لا تفيد الأولاد ولا تعلّمهم إلّا العنف وقلّة الأخلاق وسوء التصرّف مع الآخرين، بل تجعلهم يدمنون الشخصية الكرتونية ويتّخذونها قدوة". وتتابع: "أضطرّ إلى السماح لأولادي بمشاهدة التلفاز، ولكنّني أجلس إلى جانبهم وأتابع ما يشاهدون. لم أجد في تلك الأفلام أيّ نوع من الفائدة التعليمية والتربوية للطفل". وتقترح فرح بأن تُستبدل مشاهدة الأفلام الكرتونية بالتشجيع على ممارسة الرياضة والفنون والأنشطة الكشفيّة، فهي تملأ أوقات فراغهم بما هو أكثر قيمة وفائدة.

أمّ محمد (والدة لطفلين) تقول: "لم تعد القنوات الإسلامية تجذب أطفالنا؛ لأنّ معظم ما تقدّمه مخصّص للأطفال ما فوق العشر سنوات، في حين من هم أصغر سناً لا يرغبون في مشاهدة الرسوم المتحرّكة الهادئة التي تعرضها قنواتنا بقدر ما تجذبهم الموسيقى الصاخبة والألوان القوية والرسوم المتحرّكة السريعة والعنيفة".

أما أمّ عليّ (والدة لطفلين) فتؤكّد على ضرورة وجود قنوات ملتزمة توفّق بين التربية والتعليم من جهة، وبين عرض ما يستهوي الأطفال بحسب فئاتهم العمرية من جهة أخرى، بعيداً عن العنف الذي يجتاح الأفلام الكرتونية التي تملأ مختلف الشاشات اليوم. وتضيف: "بات من الصعب علينا إبعاد أطفالنا عن الشاشات المليئة بالعنف والقيم الغربية؛ لأنّها تجذبهم بشكل لافت؛ لهذا نأمل من قنواتنا العمل بشكل أكبر على تقديم ما يوازي تلك الأفلام بشكل لائق ومناسب لأعمارهم ولبيئتنا ومجتمعنا أيضاً".

•نحو إعلام ملتزم وهادف للطفل
للقنوات الإسلامية دورها في تحويل ميول الأطفال نحو الإعلام الملتزم والأفلام الكرتونية الهادفة، و"قناة طه" كانت نموذجاً لهذه القنوات، فهي قناة تلفزيونية فضائية، إسلامية، عربية، ثقافية ترفيهية، مخصصّة للأطفال من عمر سنتين حتى 14 سنة، تلتزم الإسلام المحمّدي الأصيل ونهج أهل البيت عليهم السلام، وتساهم في بناء شخصية الطفل المسلم على أسس القيم الدينية الإسلامية.

وتقدّم "قناة طه" جوّاً من المرح والتسلية يُغني المُشاهد عن البحث عن بدائل مناسبة وسط الإغراق الإعلاميّ بالمواد والرسائل المُفسدة والمُؤذية والمُعادية لديننا وثقافتنا وقِيَمِنا، وتهدف إلى الإضاءة على مقوّمات شخصية الإنسان المؤمن الملتزم. ومن هذه المقوّمات: مكارم الأخلاق والخُلق الحسن، الحيوية والنشاط والفعالية، حبّ العلم والتعلم، محبّة الآخر، التفاؤل، المرح، وغيرها من القيم الإيجابية.

•أطفالنا يستحقّون
عن الأسباب التي دفعت المعنيّين إلى تأسيس قناة طه يقول مدير البرامج "ساجد عبيد": "تطوّرت وسائل الإعلام في عصرنا بشكل كبير، واتّجه معظم المؤسّسات الإعلامية نحو التخصّص في القنوات، إن على الصعيد الجغرافيّ والمناطقيّ، أو عبر مواضيع البثّ (سياسة، رياضة..)، وصولاً إلى تقسيم الفئات العمرية، فأصبح مهمّاً تخصيص قناة للأطفال تنشر القيم الإنسانية والإسلامية. ومن جهة أخرى، فقد تمّ توجيه مجموعة من القنوات المخصّصة لاستهداف الأطفال في المجتمع الإسلامي بما يشكّل استكمالاً للغزو الثقافيّ الذي نتعرّض له على كلّ المستويات، فأصبح من الضروريّ المساهمة في التصدّي لهذا الاستهداف، وتأمين قناة مخصّصة للأطفال، تكون بديلاً مناسباً يُغنيهم عن التعرّض للرسائل الإعلامية المفسدة".

•لكل عمر لغة وبرنامج
وعن الفئات العمرية التي تستهدفها القناة يقول: تتوجّه قناة طه للأطفال من عمر سنتين حتى 14 سنة، ولكنّ اهتمامات الأطفال تختلف بين فئة عمرية وأخرى؛ مثلاً يمكننا تقسيم الأطفال إلى ثلاث فئات: قبل 6 سنوات - بين 6 و 10 سنوات - ومن 10 إلى 14 سنة. فقنوات الأطفال معنيّة بتقديم المواد الإعلامية المناسبة لكلّ الفئات، لهذا جرى تقسيم فترات البثّ بما يناسب الأعمار المختلفة، فمثلاً خلال الفترة الصباحية نركّز على الإنتاجات الخاصة بالفئة العمرية الصغيرة، وبعد الظهر تكون حصّة الفئة العمرية الثانية أكبر من غيرها، ومساءً للفئة العمرية الثالثة.

وعلى صعيد اختيار الإنتاجات المناسبة، يتمّ تخصيص هذه الفئات الثلاثة في الخطّة البرامجية الفصلية والسنوية بما يناسبها من الأناشيد، والبرامج والفواصل وغيرها. كما يتمّ لحْظ ضرورة توزيع الإنتاج بين الذكور والإناث للوصول إلى كافة الشرائح المستهدفة في هذا العمر، وتلبية جزء من اهتماماتهم، وهي عملية صعبة وشاقة، وليست بالسهولة المتوقّعة.

•كلّ شيء مدروس
في عالمٍ كلّه المرح والألوان والأناشيد يدفعنا فضول المعرفة لنعرف كيف يتم اختيار الرسوم المتحرّكة، وكلمات الأناشيد.

أوضح لنا "عبيد" ذلك قائلاً: "في البداية يتمّ تحديد المواضيع في خطة البرامج السنوية، وبعدها يتمّ استكتاب الشعراء أو الكتّاب، مع إمكانية استقبال المقترحات المميّزة منهم، ولو لم يكن موضوعها ضمن الخطة، وتُعرَض المقترحات على اللجان التربوية والفنية للتقييم، ومعرفة مدى تناسبها مع المطلب الأساس، ومطابقتها لعناصر العمل الفنيّ الموجّه إلى الأطفال وفق معايير "قناة طه"، وعلى رأسها المضمون الهادف والمفيد في القالب الترفيهيّ المناسب والجاذب".

وأكّد "عبيد" على أهميّة وجود رقابة عالية على إعلام الطفل في المجتمع الملتزم؛ لأنّ الموادّ الإعلامية الغربية (الأجنبية أو المعرّبة) لا تخلو من سموم ورسائل مبطّنة غير ظاهرة أحياناً، فيجب على المتخصّصين اكتشافها لمنع وصول هذه الرسائل المفسدة والهدّامة إلى أطفالنا.

تأسيس قناة إعلامية ملتزمة من الطبيعيّ أن يواجه تحدّيات كثيرة بحسب "عبيد".. "فالأطفال يتعرّضون لإغراق إعلاميّ بالإنتاجات الغربية المعرّبة والتي تمتلك درجة جاذبية عالية، وهذا يحتّم علينا البحث عن أساليب جاذبة للمضامين الهادفة. ومن جهة أخرى، هناك ندرة في الإنتاجات الغربية أو العربية التي يمكننا بثّها على القناة، وبالتالي نحتاج إلى القيام بعمليات الإنتاج الذاتيّ. وفي الحالتين يتطلّب الأمر ميزانيّات ضخمة وفرق عمل كبيرة. لكن والحمد لله، يمكننا القول إنّ مجموعة كبيرة من الإنتاجات التي تمّ إنتاجها محلياً أو في الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد حقّقت نسبة كبيرة من الهدف ولاقَت قبولاً وردود فعلٍ جيدة من الأطفال والأهل على حدٍّ سواء".

•المسؤولية المشتركة
يقدم "الحاج ساجد" القنوات الملتزمة كمساعد ومساهم في عملية التربية، ولكنها في المقابل "لا يمكن أن تكون بديلاً تربويّاً عن دور الأهل، فإنّ التربية هي عملية مشتركة بين عدد كبير من العناصر والعوامل، كالنوادي، والمدرسة والمسجد.. ويبقى للأهل الدور الأساس في عملية التوجيه والرقابة للحصول على أفضل ما يمكن تحصيله من هذه العناصر".

ويضيف ختاماً: "ما نعرضه ليس الأفضل، لكن هاجسنا تقديم الأفضل لصالح أطفالنا دنيا وآخرة".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع