عباس رشيد
إن العبادة هي وسيلة من وسائل التواصل مع خالق الكون العظيم، ولها في الإسلام أهميَّة جليلة. اللَّه تعالى يصف أنبياءه في القرآن الكريم "وكانوا لنا عابدين" الأنبياء يدعون أقوامهم إلى العبادة "اعبدوا اللَّه ما لكم من إله غيره أفلا تتقون" رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يترك كل الأعمال حين دخول وقت الصلاة، ويقول "أرحنا يا بلال" طالباً منه أن يؤذِّن، علي عليه السلام يغيب عن الدنيا بين يدي اللَّه والسيوف والرماح عاملة في ساح الوغى، حتى أنه يُروى، أن أصحابه كانوا ينزعون السهام من جسمه وهو يصلِّي، لأنه حال الصلاة لا يشعر بغير اللَّه رب العالمين.
وحكايا تُحكى في مجال العبادة عن الزهراء عليها السلام والحسن والحسين إلى آخر قائمة الأئمة عليهم السلام ونصل إلى العلماء الربّانيين الذين تلمَّسوا نور العبادة من الشموس الإلهية الأنبياء ومحمد وأهل بيته عليهم السلام فمن هؤلاء العابدين:
* الإمام الخميني قدس سره
هذا الإمام كان نموذجاً في العبادة، يقول أحد المقرَّبين من هذا القائد الإلهي: "في الوقت الذي نجد أن كلَّ مظاهر الشجاعة وعدم الخوف في سبيل اللَّه قد تبلورت في روح الإمام... فإنه أبداً لا يغفل عن الأذكار والنوافل والمستحبات، وحتى عندما يتمشى تكون السبحة في يده ويكون مشغولاً بالذكر والزيارة. يقرأ الإمام القرآن عدة مرات يومياً... ويكون ذلك عادة بعد صلاة الصبح وقبل صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء أو في أي فرصة أخرى...". ويُحكى أنه في اليوم الأول لمغادرة الشاه لطهران حيث كان الإمام في فرنسا (نوفل لوشاتو)، اجتمع حوالي ثلاثمائة إلى أربعمائة صحفي... أجاب الإمام على عدَّة أسئلة... وسمع صوت أذان الظهر... وفوراً غادر الإمام المكان وقال: الآن يفوت وقت فضيلة الظهر...
* العلامة الطباطبائي (صاحب تفسير الميزان):
كان من أهل الذكر والدعاء والمناجاة، يقول أحد مريديه: كنت أراه في الطريق كان في الغالب منشغلاً بذكر اللَّه، وفي الجلسات التي اشتركت فيها بين يديه، عندما يخيّم السكوت على المجلس كانت شفتاه تتحركان بذكر اللَّه، كان ملتزماً بالنوافل، وكان يحيي ليالي شهر رمضان، يطالع قليلاً، ويقضي باقي الوقت في الدعاء، وقراءة القرآن، والصلاة، والأذكار.
* الشيخ الأنصاري:
هذا الشيخ الذي لا زالت كتبه إلى الآن تُدرّس في الحوزات العلمية، كان مواظباً على العبادات إلى آخر عمره الشريف، بالإضافة إلى الفرائض، كان يعمل بالنوافل الليلية والنهارية والأدعية والتعقيبات وهي عبارة عن قراءة جزء من القرآن وصلاة جعفر الطيار والزيارة الجامعة وزيارة عاشوراء.
* الآخوند الخراساني:
كان الآخوند صاحب كتاب الكفاية الذي يدرّس في الحوزات إلى الآن في عبادته قمة في الخشوع وحضور القلب. يقول أحد جيران سماحته: كان سقف بيتنا متصلاً بسقف منزله... وكان له عليه الرحمة في سجوده تحرّق وأنين وعويل يفتت القلب، بحيث أن كل من كان قاسي القلب وسمعه، فمن المستحيل أن لا يتغيّر، كان يبكي كما المحب عند وصاله، وهو يبكي على زمان الفراق كما العبد الجاني الذي يعيش كل الخوف والاضطراب من سيده. ... كان غاية في مراقبة نفسه، ولم تفته زيارة أمير المؤمنين عليه السلام أبداً إلا أنه كان يؤديها مختصرة... قال أحد أصحابه: أني تأملت في أحوال هذا النور الإلهي اثني عشر عاماً، فلم أرَ في حالات هذا الشخص الجليل وأقواله وأفعاله مخالفة أبداً للمندوبات والمكروهات الإلهية، لم يكن يأتي بذلك تكلفاً... بل أصبح ذلك مقتضى طبعه... وكان يشارك في تشييع الجنائز ومجالس الفاتحة وعيادة المرضى، وينظر في الأمور الحسبية والحوائج النوعية والشخصية للمسلمين، ولم يكن يرد لصاحب حاجة طلباً.
* الشيخ المفيد
الشيخ المفيد من كبار علماء الشيعة الأجلاء، يقول عنه تلميذه: "ما كان ينام من الليل إلا هجعة ثم يقوم يصلي أو يطالع أو يدرس أو يتلو القرآن".
* الفيلسوف الملاَّ هادي السبزواري:
"وكان يستيقظ كل ليلة في الشتاء، والصيف، والربيع، والخريف، في أول الثلث الأخير من الليل، وينشغل بالعبادة في ظلام الليل وحتى طلوع الشمس... وكذلك كان ينصرف إلى العبادة أول الليل لمدّة ثلاث ساعات في الظلام...".
* السيد صدر الدين العاملي:
أورد المرحوم الشيخ عباس القمي في سيرته: "وهذا السيد الجليل كان بكَّاءً وكثير المناجاة... وقد نقل أنه في إحدى ليالي شهر رمضان دخل حرم أمير المؤمنين عليه السلام وجلس بعد الزيارة.. وبدأ بقراءة دعاء أبي حمزة الثمالي... وبمجرد أن بدأ بعبارة "إلهي لا تؤدبني بعقوبتك" سيطر عليه البكاء، وأخذ يكرِّر هذه العبارة ويبكي، حتى أغمي عليه وأخرجوه من الحرم المطهر". هذه هي بعضٌ من قصص بعض العلماء في مجال السلوك إلى اللَّه تعالى، ولو أردنا الإفاضة لاحتاج الأمر إلى مجلّدات، ولكن فيما مرّ كفاية لمن أراد الموعظة والهداية.