صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

تربية: عوامل التربية

الشهيد السعيد آية الله مرتضى مطهري

* العبادة والتضرع
من الأمور الأخرى * التي تُعد من القابليات الخاصة للإنسان (على الأقل بحسب وجهة نظر بعض علماء النفس) مسألة العبادة والتضرع.
ويوجد بحث حول هذا الأمر وهو: هل أن العبادة شعور أصيل وغريزة في الإنسان، أم أنَّ هذا الحس الأصيل وهذه الغريزة غير موجودة في الإنسان وأن هذا الأمر وليد غرائز أخرى؟ نحن نعرف بالإجمال أن عدداً كبيراً من المحقِّقين ومن علماء النفس يرون أنهما حس أصيل في الإنسان.

فقد ذكر في كتاب: "الحس الديني أو البعد الرابع" أن روح الإنسان لها عدة أبعاد مستقلة، وبعبارة أخرى يوجد في الإنسان عدة غرائز خاصة لا وجود لها في الحيوان. وقد عبر عن هذه الغرائز بالـ(بُعد)، وهذه الأبعاد هي:
● بُعد البحث عن الحقيقة أو العلم. فبغض النظر عن كون العلم مفيداً لحياة الإنسان وأنه وسيلة للحياة، وهو مطلوب بالذات لكونه كاشفاً عن الحقائق حيث أن الإنسان يريد الحقيقة لذاتها، وأتصور أن هذا الأمر لا يحتاج إلى بحث أو تردد. أي أننا الآن ـ ومن باب المثال ـ لو علمنا أن العلماء وصلوا إلى حقيقة وهذه الحقيقة لا ترتبط أصلاً بحياءة الناس على الأرض وليست هي في المنظومة الشمسية، ومعرفتها أو عدمها لا يؤثر في حياتنا مقدار رأس إبرة، ومع ذلك فلو سئلنا أترغبون بمعرفتها أم لا؟ فلن يقول أحد: إذا كانت معرفتها لا تنفعني في حياتي فمعرفتها وعدمها شيء واحد بالنسبة لي. إذاً بالرغم من ذلك تحصل الرغبة في النفس لمعرفتها والاطلاع عليها.
فالعلم نور والجهل ظلمة والإنسان بالضرورة يفرُّ من الجهل والظلمة ويميل إلى النور.

* أبو الريحان والفقيه
قصة أبو الريحان البيروني ـ المذكور في التراجم ـ معروفة، حيث يقول أحد الفقهاء: سمعت أنه كان يحتضر وحاله وخيمة، فذهبت لعيادته وهناك شعرت أنه يعيش سكرات الموت، ولكنه كان واعياً. وهو على تلك الحال فتح عينيه وسألني مسألة فقهية في باب الإرث، تعجبت من هذا السؤال وهو على حافة الموت فقلت: وما هذا الذي تسأله؟ فقال: أن أعرف وأموت أفضل أم أموت دون أن أعرف؟ أنا أعلم أني سأموت، ولكني أجد أنه إذا مت وأنا عارف أفضل من أن أموت دون أن أعرف. فأجبته على سؤاله وخرجت. وقبل أن أصل إلى منزلي سمعت صياح أهل منزله فعلمت أن أبا الريحان قد مات.

● البُعد الآخر الذي يُذكر هو البعد الأخلاقي. وطبعاً المقصود منه العاطفة الإنسانية ومحبة الآخرين. ويعتقد أن هذه أيضاً عاطفة أصيلة.

● البعد الثالث: بُعد الجمال، حيث أن نفس الجمال له أصالة في الإنسان.

● أما البعد الرابع الذي ذكر فهو بُعد العبادة والتضرع.
وقد تبنى كثيرون هذا الكلام، ومن الأشخاص الذين يعتقدون بهذا الأمر ويليام جيمر حيث ورد ذلك في كتاب "الدين والنفس" الذي أمضى صاحبه ما يقارب الثلاثين عاماً يبحث في المسائل النفسية الدينية للناس، وقد وصل إلى الاعتقاد أن للحس الديني أصالة.
هذا الحس هو حس إنساني. وإذا كان يُراد أن يُربى تربيةً كاملة فيجب أن قوى والإنسان الكامل أو نصف الكامل، لا يمكنه أن يُعطل هذا القسم من وجوده كما أنه لا يمكنه أن يعطل أي قسم آخر من الأقسام الأصلية في وجوده، لأنه إذا تعطل قسم من أقسام وجود الإنسان سواء كان حيوانياً (أي من الأمور المشتركة بين الإنسان والحيوان) أو إنسانياً محضاً، كان إنساناً ناقصاً. ولسنا في حاجة هنا أيضاً للقول أن الإسلام أعطى لمسألة العبادة والتضرع والدعاء أهمية، وأنه نمى هذا الحس في الإنسان. فمن الواضح أن العبادة هي قسم من أي دين، ولو ذكروا أشكالاً حول الدين لأمكن أن يذكروه من باب التفريط في مسألة العبادة، لا من باب عدم الاهتمام بها، أو إهمالها.

* جواب على إشكال
ولكن يوجد هنا مسألة أخرى، يجب ذكرها في باب العبادة وهي أنه يمكن لأحدهم أن يقول: لم يولَ هذا الحس أية عناية في الأديان ـ وعلى الأقل في الدين الإسلامي الذي هو مورد بحثنا ـ على رغم كونه ديناً ويجب أن يُنمِّي ويقوِّي حس العبادة والدعاء فيه. فالعبادة التي فُرضت في الأديان لا تُعنى بحس العبادة، بل تُعنى بالطمع والخوف اللذان تجب مواجهتهما. فالعبادة في الأديان ليست سوى معاملة، لأنها تُفرض على من أراد الوصول إلى الجنة والفرار من النار. فإذا ما قام الإنسان بالعبادة فإنه يفعل ذلك من أجل الجنة، وما هي الجنة؟ الجنة: هي المكان الذي تتوافر فيه أنواع الملذات: يوجد حور، قصور ﴿جنات تجري من تحتها الأنهار، فاكهة، أطعمة لذيذة، شراب غير مسكر ولا مؤلم، ولذات لا يمكن للإنسان أن يتصورها. ولهذا، فإنه إذا ما ابتعد عن ملذات الدنيا فذلك من أجل ملذات الآخرة. وعليه، فإنه بهذه الطريقة لا يكون عابداً لله، ولا يُدعِّم حس العبادة في نفسه بل يكون إنساناً أكثر مادية من عابدي الدنيا، لأن عابد الدنيا يقنع بهذه اللذات المادية المحدودة، أما هو فيحسب الأمور جيداً فيجد أنه إذا أراد الالتذاذ في الدنيا فلا يمكنه إلا أن يلتذ ثلاثين أو أربعين سنة وهي مدة عمره ولكنها لا تقاس بالآخرة، ولهذا يصبِّر نفسه هذه المدة كي يصل إلى الجنة ويلتذ بلذاتها أبد الآبدين، تلك اللذات التي تركها هنا. إذاً الطمع هو دافعه للعبادة ولا شيء غيره. وكذلك الأمر بالنسبة لمن يعبد الله للنجاة من النار. فإنه يعبد الله بترك اللذة المادية حتى لا يُعاقب، وهو أمر آخر لا يخرج عن كونه منفعة. لهذا يرى أن الأديان لا تعتني بحس العبادة.

وهذا الكلام يُشكل به كثيرون على الإسلام وخصوصاً المسيحيون. فيقولون: يركز القرآن كثيراً على النعم. ولا بد أنهم يقولون: أن القرآن لا يركز إلى على نعم تلك الحياة، ولهذا فهو لا يهتم بحس العبادة الذي يعتبره علماء النفس حساً رفيعاً. (بل وعلى العكس من ذلك يهتم كثيراً بطمع الإنسان).

هذا الإشكال لا أصل له، فنحن نعلم أن للعبادة في الإسلام درجات ومراتب، إحداها العبادة طمعاً بالجنة وثانيها العبادة خوفاً من جهنم، ويوجد فوق هاتين الدرجتين درجة ثالثة هي أسمى وأرفع حيث لا غاية نفعية من وراء العبادة، فلا هي عبادة طمع ولا عبادة خوف.
وقد أُشير إلى هذا الأمر في القرآن الكريم نفسه وفي روايات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار، وأشهرها جملة واردة في نهج البلاغة، وقد رويت أيضاً عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعن الإمام الصادق عليه السلام، وعلى كل حال هي جملة لم توضع في زماننا، فقد مرَّ ألف سنة منذ أن جمع السيد الرضي نهج البلاغة، وكذلك فإنها وضعت في زمان الأمير عليه السلام، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "إن قوماً عبدوا الله طمعاً فتلك عبادة التجار، وإن قوماً عبدوا الله خوفاً فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا الله شكراً (حباً)1 فتلك عبادة الأحرار"2.
إذاً فالقسم الأول يتاجر والثاني عبد والثالث يعبد الله لحسن العبادة فقط.

* الرسول الأكرم والعبادة
وهناك رواية أخرى تتضمّن المعنى نفسه مفادها:
أن الرسول كان يحيي الليالي بالعبادة، وأحياناً كان يقضي ثلثي الليل بالعبادة وأحياناً نصفه وأحياناً أخرى ثلثه، وهذا الأمر يؤكده القرآن الكريم. وكانت عائشة تراه يكثر من العبادة حتى ورمت قدماه لكثرة القيام والركوع والسجود فقالت له:
لماذا تكثر من العبادة؟ لقد قال الله في حقك: ﴿ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر3 لقد أمنك الله. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أفلا لكون عبداً شكوراً؟...

وله حديث أخر صلى الله عليه وآله وسلم في باب القيمة المعنوية للعبادة يقول فيه: "أفضل الناس من عشق العبادة وعانقها وباشرها بجسده وتفرغ لها"4 وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "طوبى لمن عشق العبادة وأحبها بقلبه وباشرها بجسده وتفرغ لها" والمقصود أن العبادة ليست ذكراً قلبياً فقط بل أن القيام والركوع والسجود هو نوع من العشق العملي. أما مسألة التفرغ لها فتعني أن يخلي نفسه من كل شيء إلا منها، أي أن لا يأتيه أي خيال أو خاطرة أو فكر عندما يقف لها، فيخلي قلبه لله، وهذه هي روح العبادة. روح العبادة ذِكْر (بحسب المصطلح الديني) أي ذكرٌ لله، وهي انقطاع وانفصال، حيث ينفصل الإنسان عن غير الله حين العبادة ليكون هو وربه فقط، وكأنه لا يوجد في عالم الوجود غيره وغير ربه. وهذه هي الحالة التي يسميها شعراء العرفان بـ(الحضور) وهذا ما نجده في شعر حافظ المشهور. لقد كان حافظ ملتفتاً إلى مسألة الحضور والخلوة (بمعنى خلوة القلب)، فلو وجدتم البعض يهتمون بمسألة الخلوة الظاهرية فذلك لكونهم يعتبرونها مقدمة لخلوة القلب. وعندما يخلو القلب، يجب أن يعود الإنسان لمجتمعه كي يؤدي وظيفته فيه مع احتفاظه بخلوة قلبه، يُنقل عن نابليون أنه قال: "رأسي مثل خزانة العطار، أستطيع أن أخرج منه الجارور الذي أريد أو أقفل الذي أحتاج"، يجب أن يتمتع الإنسان بهذه الحالة حتى يستطيع أن يختلي بربه حين العبادة.
فهنيئاً لمن استطاع التفرغ لحظة العبادة فاستطاع الوصول إلى الخلوة الواقعية.

ويستمر عليه السلام في كلامه فيقول: "فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسرٍ أم على يُسر"5 إذا وصل الإنسان إلى هذه المرحلة يصبح اليسر عنده والشدة سيان. وما يريد بيانه هنا هو أن من أدرك هذه اللذة، لم يعد لمتاعب الدنيا وصعوباتها مفهوم عنده، فلو أرادوا تعذيبه وتقطيع أوصاله لما اهتم فإن الصعوبة تكمن في ترك رغد الدنيا ومتاعها للناس الذين لم يدركوا لذة العبادة بينما أولئك الذين أدركوا هذه اللذة لا تشكل لهم الأمور الدنيوية أية قيمة.
ونحن إذا كنَّا نتعجب ونحار من كيفية معيشة علي ابن أبي طالب فلأننا لا نعرف الدرجة العالية التي وصل إليها في عبادته حيث لا يقيم للشدائد والصعوبات أي اعتبار.

* علي عليه السلام وروح العبادة
أردنا أن نبيّن أن الإسلام قد اهتم اهتماماً غير عادي بروح الدعاء والعبادة وبارتباط الإنسان بربه، بمحبة الله، بالانقطاع لذات الله (وهي أكمل العبادات). وهذه الأحاديث التي ذكرَت ليست إلا نماذج قليلة من بين النماذج المتوافرة الموجودة بين أيدينا، ولا بد أنكم سمعتم كلام أمير المؤمنين عليه السلام إذ يقول: "إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك بل وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك".
وكذا دعاء كميل من بدايته وإلى نهايته يشير إلى هذا النوع من العبادة بمعناها الرفيع حيث لا يرد فيه، لا رغبة في جنة، ولا خوفاً من نار وإذا ما ورد مثل هذا الأمر فإن وروده قد يكون من باب الاستطراد، وبمناسبة بحث أمر آخر. والأدعية الإسلامية كذلك تحتوي على مضامين رفيعة، ومن الطبيعي أن تتفاوت هذه الأدعية في المستوى حسب مستوى الأفراد الذين يقرؤونها.

ومن الأدعية المنقولة في مفاتيح الجنان دعاء المناجاة الشعبانية، وتحدثنا الرواية التي نقلته أن الأمير عليه السلام والأئمة من ولده كانوا يقرؤونها. وهو دعاء ذو مستوى رفيع يدرك المرء معنى روح العبادة في الإسلام عند قراءته إذ ليس فيه إلا العرفان والمحبة والعشق لله، والانقطاع عن غير الله وبكلمة مختصرة ليس فيه إلا المعنويات حتى أنه يصعب علينا فهم تعابيرها وتصور معانيها وهذه بعض عباراتها السامية: "إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك وأثر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك، إليه وألحقني بنورك الأبهج فأكون لك عارفاً وعن سواك منحرفاً".

وهكذا هو دعاء أبيح حمزة الثمالي، ومثله أيضاً المناجاة الخمسة عشر المنقولة عن الإمام زين العابدين عليه السلام وهي واردة في كتاب مفاتيح الجنان وهي: مناجاة الخائفين، مناجاة الذاكرين، مناجاة الراجين وهي مميزة ورفيعة إلى درجةٍ يحار معها الإنسان. والجدير بالذكر أيضاً أن نهج البلاغة حافل بمثل هذه العبارات التي تبين اهتمام الإسلام بروح العبادة.

ففي تلك الجمل المعروفة التي يخاطب بها أمير المؤمنين عليه السلام كميل بن زياد ويقول: "الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق" ثم يشرع عليه السلام في البحث، كونه يملك الكثير ليقوله ولكنه لا يجد أصحاباً له، فيقسم الناس إلى فئات: فمنهم الواعون كثيراً، يفهمون ولكن لا يمكن الاعتماد عليهم لأنهم يجعلون من فهمهم وسيلة لتحقيق مطامعهم في الدنيا، وبعض الناس جيدون ولكنهم لا يميزون ولا يفهمون أو يدركون، فلمن أقول، لا أجد من يمكنني التحدث معه، ولكن حتى لا يدخل اليأس إلى قلوب الجميع، يقول:
"اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مشهوراً وإما خائفاً مغموراً.. ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، (من الواضح أنه يتحدث هنا عن العلم الذي يُفاض لا العلم الاكتسابي) وباشروا روح اليقين. (أي وصلوا لروح اليقين) واستلانوا ما استوعره المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون"6.

* إنسان الإسلام أو الإنسان الجامع
ومن الجدير الإشارة إلى أنه نظراً لكوننا تعلمنا هذه المعاني العرفانية الرفيعة بشكل سيء، فإن الناس يفرون منها اليوم، ولا يقبلون الغوص في مضامينها بل يتلقونها بشكل سطحي. ويحاول البعض إيراد تأويلات متهافتة فيقول: عندما ييأس الفرد من محيطه الخارجي، يلجأ إلى مخيلته الخاصة (والنماذج الإسلامية تخالف هذا الأمر). فالأمر ليس بهذا الشكل، نعم، نحن نقر بأن البعض قد سلكوا طريقاً منحرفاً في هذا المجال، وقد يكونون قد اتخذوا ذلك مبرراً للفرار من مسؤولياتهم الاجتماعية ولكننا نعتقد أن إنسان الإسلام، إنسان جامع. فهذا علي عليه السلام، الذي نتخذه قدوة لنا، والذي كان على تلك الصورة العرفانية في خلواته، نجد أنه كان في أعلى درجات الحس وإدراك المسؤوليات الاجتماعية، وهذا هو الإنسان الذي يريده الإسلام.

أردت من هذا البيان أن لا ينساق تفكيركم إلى تلك الناحية وحتى لا تنكروا هذه الجهة فتقولوا: إذا كان الأمر كذلك، فلا وجود للمسؤوليات الاجتماعية. لا، فإنسان الإسلام، إنسان جامع، وإننا إذ نبني هذا الأمر فغايتنا بيانه بعنوان كونه أحد أبعاد وجود الإنسان لأننا لا نُعرِّف الإنسان بوجود ذي بعد واحد فقط وأن البعد هو هذا!! فالعرفاء يقولون: الإنسان الناقص هو الإنسان الذي لم يصل عرفانه إلى حدود الكمال، لينقطع كلياً عن عير الله، ولكن عندما يصل إليه ويمتلئ منه، يعود عندها ويؤدي وظائفه ويقوم بمسؤولياته. وإلا فالذي يذهب إلى هناك ولا يعود، يكون ما زال خاماً ولم يصل إلى الكمال. إذاً فهذه التهمة الموجهة للإسلام، وهي التي يتخيلها البعض بعدم إعطاء الإسلام أهمية لحس العبادة وروحها بغض النظر عن الجنة وجهنم ليست صحيحة فالإسلام يعطي اهتماماً خاصاً بهذا الأمر، ولو أردنا جمع مواد هذا البحث لاحتجنا إلى جلستين أو ثلاث.


* تحدث الشهيد في العدد الماضي عن الإرادة كأحد عوامل التربية.
1 هنا يوجد عدة روايات فقد وردت (شكراً) في نهج البلاغة و(حباً) في أحاديث النبي أو الأئمة.
2 نهج البلاغة، حكمة 229 مع اختلاف يسير في العبارة.
3 سورة الفتح الآية (2).
4 لم ترد كلمة العشق في الأحاديث الإسلامية كثيراً ولهذا يعارض البعض استعمالها في الشعر ويفضلون استعمال كلمة (حب) مكانها. ورد عليهم آخرون قائلين: صحيح أن كلمة (عشق) لم ترد كثيراً في الأحاديث ولكنها وردت في بعضها. ومن جملة الأماكن التي وردت فيها نفس الحديث الذي ذكرته. ومنها الجملة التي قالها أمير المؤمنين عند وصوله إلى كربلاء في طريقه إلى صفين أو منها (الشك مني) فرفع قبضة من تراب وقال: واهاً لكِ أيتها التربة ههنا مناخ ركبا ومصارع عشاق. ثم ذكر أموراً أخرى متحدثاً عن واقعة كربلاء والإمام الحسين عليه السلام.
5 الكافي ج2 ص83.
6 نهج البلاغة، الحكمة 147.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع