السيد بلال وهبي
ونحن نعيش عصر التمهيد لخروج الثائر الأكبر ناشر العدل
والإيمان وماحق الظلم والكفر والعدوان مولانا ومقتدانا الإمام محمد بن الحسن المهدي
أرواحنا لتراب مقدمه الفداء يجمل بنا أن نقف عند الألقاب التي أطلقها النبي والأئمة
عليهم السلام على الإمام محمد بن الحسن عجل الله فرجه، لأن ألقابه الشريفة تحكي عن
الدور الذي ادخره الله له. ولقد قام بعض الباحثين القدماء بتعداد ألقاب الإمام عجل
الله فرجه فتبين أنها تربو على المائة والخمسين، وكثرة هذه الألقاب الشريفة تشير
إلى كثرة الأدوار إذ أن لكل دور لقباً يدل عليه، وبعبارة أخرى: إنها ترمز إلى أنواع
البركات العديدة لظهوره عجل الله فرجه.
في الزيارات التي نزور بها الإمام المهدي عجل الله فرجه نجد الكثير من هذه الألقاب
فنحن نقرأ في الدعاء المروي عن نائبه الأول أثناء غيبته الصغرى عثمان بن سعيد
العمري نقرأ: "اللهم ومد في عمره، وزد في أجله، وأعنه على ما وليته واسترعيته، وزد
في كرامتك له فإنه الهادي المهدي، والقائم المهتدي، والطاهر التقي الزكي النقي
الرضي المرضي الصابر الشكور المجتهد"(1). وفي زيارة أخرى نجد الألقاب التالية: داعي
الله ورباني آياته، باب الله وديان دينه، خليفة الله، حجة الله ودليل إرادته، تالي
كتاب الله وترجمانه، بقية الله في أرضه، ميثاق الله الذي أخذه ووكده، يا وعد الله
الذي ضمنه، العلم المنصوب والعلم المصبوب والغوث والرحمة الواسعة. باب الله، سبيل
الله، نور الله، نظام الدين، يعسوب المتقين، عزُّ الموحدين، الحق الجديد، محيي
المؤمنين، مبير الظالمين، مهدي الأمم، كلمة المحمود، معز الأولياء، مذل الأعداء،
وارث الأنبياء، خاتم الأوصياء، العدل المشتهر، السيف الشاهر، القمر الزاهر، شمس
الظلام، بدر التمام، ربيع الأنام، صاحب الصمصام، فلاَّق الهام، الدين المأثور،
الكتاب المسطور، الناصح، سفينة النجاة، علم الهدى، الوتر الموتور، مفرج الكرب، مزيل
الهم، كاشف البلوى(2). وهذه الألقاب لم تأت جزافا، ولم تصدر من أناس عاديين وإنما
ألقاب لقَّبه بها آل البيت عليهم السلام وارتضاها الله تبارك وتعالى، بل هي نعوت
نعته الله بها، فإنا نقرأ في زيارته عجل الله فرجه:
السلام عليك سلامَ منْ عرَفَكَ
بما عَرَّفك به الله ونَعَتَكَ ببعضِ نعوتكَ التي أنت أهلها وفوقها(3). هذا: ولكن
بعض ألقابه أرواحنا له الفداء قد اشتهرت أكثر من غيرها وانحصر استعمالها في الدلالة
عليه فما إن تطلق حتى يتبادر إلى الذهن شخصه عجل الله فرجه أمثال: المهدي، بقية
الله، المنتظر، صاحب العصر والزمان، القائم، صاحب الأمر، الحجة، الناحية المقدسة،
وهذه ألقاب شريفة يحسن أن نقف عندها لنتبين بعض مدلولاتها ومغازيها.
* المهدي
وهو أشهر ألقابه عند جميع الفرق الإسلامية التي أطبقت على الإيمان بظهوره في آخر
الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، سواء آمن بعضها بولادته
فعلا وأنه حي غائب كما هو معتقدنا نحن، أو آمن بأنه سيولد في آخر الزمان كما ذهب
إلى ذلك بعض المسلمين، لكن كل هؤلاء أطبقوا على أن الذي سيخرج آخر الزمان مخلصا
وثائرا ومبيدا للباطل يُدعى المهدي الموعود. فقد روي عن عبد الله بن عمر أنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي هذا المهدي
خليفة الله فاتبعوه"(4). قال فخر الدين الطريحي قدس سره: المهدي من هداه الله إلى
الحق. والمهدي اسم للقائم من آل محمد عليهم السلام الذي بشر صلى الله عليه وآله
بمجيئه في آخر الزمان ... الخ(5). فالمهدي إذا هو الذي هداه الله للحق، إصطفاه
صغيرا وأكمل له العلوم كبيرا وكيف لا يكون المهدي كذلك وهو الإمام المعصوم المدخر
لإقامة الحق في عموم المجتمعات.
﴿أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمّن لا يهدِّي
إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون﴾(6). وهناك معنى آخر للقب المهدي ذكره النبي
والأئمة من آله عليهم السلام وهو أنه عجل الله فرجه يهدي الخلق إلى الله تعالى: فعن
مالك بن أنس قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم فرأى علياً،
فوضع يده بين كتفيه ثم قال:
يا علي، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله
ذلك اليوم حتى يملك رجل من عترتك، يقال له المهدي، يهدي إلى الله عز وجل ويهتدي به
العرب"...(7). وعن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "... حتى
يخرج رجل من أهل بيتي يقال له المهدي فإن أدركته فاتبعه وكن من المهتدين"(8) فلولا
أن يكون المهدي هاديا لما كان تابعه من المهتدين. وفي روايات أخرى نجد أن سبب
تسميته بالمهدي يعود إلى أنه عجل الله فرجه يعيد الناس إلى القرآن والسنة النبوية
الصحيحة الحقة فقد روى محمد بن عجلان عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إذا قام
القائم دعا الناس إلى الإسلام جديدا وهداهم إلى أمر قد دثر، وإنما سمي القائم مهديا
لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه"(9). فالإمام المهدي عجل الله فرجه هو الذي يقيم دين
الله ويصحح اعوجاجه بعد أن ذهب الناس في فهمه أو تقديمه ذات اليمين وذات الشمال،
وقد ورد في الروايات أن المهدي يعيد الناس إلى الحق بعد أن تاهوا عنه ويحيي فيهم
أحكام القرآن والسنة بعد أن تركوها ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله:
"القائم من ولدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي، وسنته سنتي، يقيم الناس
على ملتي وشريعتي، ويدعوهم إلى كتاب ربي عزَّ وجل..."(10).
أو لأنه عجل الله فرجه يهدي الناس إلى أمور قد خفيت عليهم فعن أبي سعيد الخراساني
قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: لأي شيء سمي المهدي؟ قال:
"لأنه يهدي
إلى كل أمر خفي"(11). وكل أمر خفي يشمل ما جهله الناس من أمر دينهم بسبب بعدهم عن
عصر الرسول والأئمة الذين كانوا يرشدون الناس إلى أحكام الله الواقعية كما يشمل
الأمور الغيبية التي تصدر عن الإمام ويحار الناس في تفسيرها كأن يأمر مثلا بقتل
إنسان ظاهره بريء حيث دلت الروايات على صدور هكذا أفعال منه عجل الله فرجه وقد ذكر
القرآن مثيلا لهذا الأمر في سورة الكهف حين أشار إلى ملاقاة موسى عليه السلامّ 3
للعبد الصالح ومتابعته له على أن يعلمه مما عُلِّمَ رشدا. وبعد هذا هل من رابط
يربطنا نحن مع هذه التسمية تسمية الإمام عجل الله فرجه بالمهدي؟ أجل إننا إذا كنا
نحسب أنا في عصر التمهيد لقدومه وكنا نطمح أن نكون من أنصاره وأعوانه، فإن التمهيد
يعني العمل على نشر الهدى في الأرض والنشاط في إعادة الأمة إلى كتاب الله وسنة
رسوله وإعداد الجماعة المؤمنة بخط الإمام المستنة بسنته عجل الله فرجه.
* القائم
ومن ألقابه عجل الله فرجه المشهورة التي تنصرف إليه إذا ما أطلقت لقب القائم.
لُقِّبَّ بذلك لأنه يقوم لله تعالى وينهض بأمره، قال فخر الدين الطريحي: والقائم:
يكنى به عن صاحب الأمر محمد بن الحسن العسكري الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت
ظلماً وجوراً، فهو يقوم بأمر الله، ويتابع الطريحي فيقول: وعن الصادق عليه السلام
"أن منا إماماً مستتراً، فإذا أراد الله إظهار أمره نكت في قلبه فظهر فقام بأمر
الله تعالى"(12). فهاهنا احتمالان، الأول: أنه عليه السلام يقوم بأمر الله أي إن
ثورته عجل الله فرجه ثورة إلهية وما يفعله المهدي ليس إلا تنفيذا أمينا لتكليف
إلهي. والثاني: أن يكون المعنى أن قيامه عجل الله فرجه بالدين بمعنى إحياؤه ونشره
وحمله والنهوض به، وإقامة العدل في الأرض ورفع الظلم عن المظلومين والمضطهدين فإن
أمر الله تعالى هو هذا. وقد تقدمت رواية محمد بن عجلان، عن أبي عبد الله الصادق
عليه السلام قال: "إذا قام القائم دعا الناس إلى الإسلام جديدا وهداهم إلى أمر قد
دثر وضل عنه الجمهور وإنما سمي القائم مهديا لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه وسمي
القائم لقيامه بالحق"(13). فسبب تسميته عجل الله فرجه بالقائم لنهوضه بأمر الله
تعالى وتثبيت مبادئ الحق في الأرض فهذا هو الدور الذي هيء له عجل الله فرجه فهو
ثائر بحق ويطلب بثورته الحق ودعوته دعوة حق، وهذا ما تنتظره البشرية منه. فعن
الإمام الباقر عليه السلام في تفسيره لقوله تعالى:
﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾
قال: "يحيي الله عز وجل بالقائم بعد موتها يعني بموتها كفر أهلها والكافر ميت"(14).
وروى رفاعة بن موسى قال: سمعت جعفراً الصادق عليه السلام يقول في قوله تعالى
﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا
﴾ قال: "إذا قام القائم المهدي لا يبقى أرض إلا نودي فيها بشهادة
أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"(15). وهناك تعليل ثالث لتسميته عجل الله
فرجه بالقائم ذكرته الروايات الشريفة، وهو أنه إنما سمي بالقائم لأن ذكره يقوم بعد
موته وارتداد الكثيرين عن الإيمان به، فكأن الإيمان بظهوره يخبو لفترات من التاريخ
ويشكك الناس في وجوده عليه السلام وقد يذهب البعض إلى نفي وجوده من الأساس.
ففي رواية عن الصقر ابن دلف قال: ... فقلت له: يا ابن رسول الله فمن الإمام بعد
الحسن؟ فبكى عليه السلام بكاءً شديداً ثم قال: "إنَّ من بعد الحسن ابنه القائم
بالحق المنتظر، فقلت له: يا ابن رسول الله ولم سمي القائم؟ قال:
لأنه يقوم بعد موت
ذكره"(16) أي يموت ذكره لدى الناس ما خلا شيعته والمؤمنين به التواقين لرؤية محياه
الأطهر عجل الله فرجه. ولدى رجوعنا إلى النصوص الشريفة يلوح لنا أن الله عز وجل هو
الذي أطلق هذا اللقب عليه عجل الله فرجه: فقد روى أبو حمزة الثمالي عن الإمام
الباقر قال: سألت الباقر صلوات الله عليه ألستم كلكم قائمين بالحق؟ قال: بلى، قلت:
فلم سمي القائم قائما؟ قال:
"لما قتل جدي الحسين صلى الله عليه ضجت الملائكة إلى
الله عز وجل بالبكاء والنحيب، وقالوا: إلهنا وسيدنا أتغفل عمن قتل صفوتك وابن
صفوتك، وخيرتك من خلقك، فأوحى الله عز وجل إليهم: قُرُّوا ملائكتي فوعزتي وجلالي
لأنتقمنَّ منهم ولو بعد حين ثم كشف الله عز وجل عن الأئمة من ولد الحسين عليه
السلام فسُرَّت الملائكة بذلك فإذا أحدهم قائم يصلي فقال الله عز وجل: بذلك القائم
أنتقم منهم"(17). وأخيراً إن المؤمن المتلهف لقيام القائم حين يسمع هذا الاسم
الشريف يقوم وينهض ويثور رافضاً المذلة والخضوع، ولقد ورد في بعض النصوص استحباب
القيام والوقوف عند سماع اسم الإمام وفي ذلك تحضيض على القيام والنهوض والاستعداد
الثوري وتوفير مقدمات النهضة المهدوية الكبرى والوقوف على خط المواجهة مع قوى الكفر
والفساد والانحراف، هذا فضلا عن كون الوقوف إجلالاً واحتراماً لهذا الموعود
الرباني.
* بقية الله
وهو من الأسماء المشهورة للإمام أرواحنا فداه وهي وإن أطلقت على غيره من الأئمة
عليهم السلام إلا أنه وبعد ولادته وغيبته صارت تنصرف إليه، فعن عمر بن زاهر عن
الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: سأله رجل عن القائم يسلم عليه بإمرة
المؤمنين؟ قال: "لا ذاك اسم سمى الله به أمير المؤمنين (علياً) عليه السلام لم
يُسَمَّ به أحد قبله ولا يتسمى به بعده إلا كافر، قلت جعلت فداك كيف يسلم عليه؟
قال: يقولون: السلام عليك يا بقية الله"(18) ثم قرأ: (بقية الله خير لكم إن كنتم
مؤمنين)(19). وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إذا خرج (المهدي)
أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فأول ما ينطق به هذه
الآية: بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين. ثم يقول: أنا بقية الله وحجته في
أرضه"(20). قال ابن منظور: والبقية: كالبقوى، والبقية أيضا ما بقي من الشيء. وقوله
تعالى:
﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ
﴾. قال الزجاج: "معناه الحال التي تبقى لكم من الخير خير
لكم"(21). انتهى. وقال فخر الدين الطريحي: قوله: "بقية الله خير لكم، أي ما أبقى
الله لكم من الحلال ولم يحرمه عليكم فيه مقنع ورضى فذلك خير لكم ... والبقية:
الرحمة"، ومنه حديث وصفهم عليهم السلام:
"أنتم بقية الله في عباده. أي رحمة الله
التي منَّ الله بها على عباده"(22). في هذه التفاسير التي ذكرت لبقية الله نجد
ثلاثة معان:
المعنى الأول: فسرت البقية بأنها ما يبقى من الشيء، وهذا المعنى واضح في الإمام
المهدي عجل الله فرجه فهو الباقي من الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين
فالأئمة من قبله صاروا إلى جوار الله ولا إمام من بعده على الإطلاق فليس بعده إلا
قيام الساعة.
والمعنى الثاني: هو أن بقاء الإمام عجل الله فرجه إلى آخر الزمان وظهوره فيه ليقيم
العدل ويمحق الظلم بأمر من الله المدبر الحكيم هذا البقاء هو خير للبشرية وصلاح
لها، مما يفرض على البشر أن يمهدوا له في غيبته تحصيلا لخيرهم أنفسهم، وأن يقاتلوا
بين يديه ويطيعوه لدى ظهوره الشريف لأن الخير والصلاح وسعادة الدنيا والآخرة منحصرة
به عجل الله فرجه.
والمعنى الثالث:
هو أن وجود الإمام وبقاءه وظهوره رحمة إلهية مهداة، ولطف رباني
بالمخلوقين ، وهذا واضح جدا فالأئمة عليهم السلام كلهم رحمة إلهية ووسائط بين الله
والعباد، ونصبهم قادة للبشر إنما تأتى من لطف الله ورحمته بخلقه.
قال الشيخ المفيد قدس سره: فإن قيل: من إمام هذا الزمان؟
فالجواب: القائم المنتظر المهدي محمد بن الحسن العسكري صلوات الله عليه وعلى آبائه
الطاهرين.
فإن قيل: هو موجود أم سيوجد؟ فالجواب: هو موجود من زمان أبيه الحسن العسكري عليه
السلام لكنه مستتر إلى أن يأذن الله تعالى له بالخروج فيملأ الأرض قسطا وعدلاً كما
ملئت ظلماً وجوراً.
فإن قيل: ما الدليل على وجوده؟ فالجواب: الدليل على ذلك أنه في كل زمان لا بد من
إمام معصوم وإلا لخلا الزمان من إمام معصوم مع أنه لطف واللطف واجب على الله تعالى
في كل زمان(23).
* المنتظر
روى الشيخ الصدوق عن الصقر ابن أبي دلف في رواية من ضمنها أنه سأل الإمام محمد
الجواد عليه السلام قال : فقلت له: ولم سمي المنتظر؟ قال: "لأن له غيبة يكثر أيامها
ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزىء بذكره الجاحدون
ويكذب فيها الوقاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلمون"(24). وروى
الأصبغ بن نباتة قال: كنا مع علي عليه السلام بالبصرة وهو راكب على بغلة رسول الله
صلى الله عليه وآله فقال لنا: "ألا أخبركم بأفضل الخلق عند الله يوم يجمع الله
الخلق؟"، فقال أبو أيوب الأنصاري: أخبرنا يا أمير المؤمنين فقال:
"... والمهدي
المنتظر في آخر الزمان لم يكن في أمة من الأمم مهدي ينتظر غيره"(25). فالإمام عجل
الله فرجه قائد مخلص تنتظره الأجيال والأمم منذ فجر التاريخ وإلى أن يأذن الله له
بالخروج، تنتظره بلهفة ورغبة وشوق، شوق إلى اليوم الذي يمحى فيه الظلم ويسقط فيه
المستكبرون والظالمون بعد أن انهكت وظلمت وقمعت وعم الفساد وانتشر الجور، تلك
الرغبة وذاك الشوق لقدوم المرتجى يصوره لنا دعاء الندبة الشريف إذ يقول: (أين بقية
الله التي لا تخلو من العترة الهادية، أين المعد لقطع دابر الظلمة، أين المنتظر
لإقامة الأمت والعوج، أين المرتجى لإزالة الجور والعدوان، أين المدخر لتجديد
الفرائض والسنن، أين المتخير لإعادة الملة والشريعة، أين المؤمل لإحياء الكتاب
وحدوده، أين محيي معالم الدين وأهله، أين قاصم شوكة المعتدين، أين هادم أبنية الشرك
والنفاق، أين مبيد أهل الفسوق والعصيان والطغيان، أين حاصد فروع الغي والشقاق، أين
طامس آثار الزيغ والأهواء، أين قاطع حبائل الكذب والإفتراء، أين مبيد العتاة
والمردة، أين مستأصل أهل العناد والتضليل والإلحاد، أين معز الأولياء ومذل الأعداء،
أين جامع الكلمة على التقوى...) الخ.
وقد تظافرت الروايات الدالة على أهمية هذا الإنتظار ودل بعضها على أن المنتظر
لقدومه الصابر على غيبته هو في عبادة لله تعالى وإن مات مات في سبيل الله، وكان
كالمقارع بسيفه بين يديه بل كالشهيد معه، وأن من عاش الإنتظار كان عند الله أفضل من
كثير ممن شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وآله، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: "أفضل أعمال أمتي إنتظار الفرج من الله عز وجل"(26). وعن أمير المؤمنين علي
عليه السلام قال:
"المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله"(27) وعن المفضل بن
عمر قال: سمعت الصادق عليه السلام يقول:
"من مات منتظراً لهذا الأمر كان كمن كان مع
القائم في فسطاطه لا بل كان كالضارب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله
بالسيف"(28).
وماذا يعني الإنتظار؟ وكيف نكون من المنتظرين؟ وأي انتظار هذا الذي
يكون أفضل أنواع العبادة؟!، وأي انتظار يجعل المنتظر كالمتشحط بدمه في سبيل الله؟!.
والإنتظار يعني التعرف إلى الإمام المهدي والتقرب منه والإقتداء به ومعرفة ما يريد
وما لا يريد والسعي لتحقيق أهدافه، وكيف نعيش الإنتظار ونحن نجهل صاحب العصر
والزمان؟! يقول الإمام الصادق عليه السلام:
"إعرف إمامك فإنك إذا عرفته لم يضرك
تقدم هذا الأمر أو تأخر"(29) وعن رسول الله صلى الله عليه وآله:
"طوبى لمن أدرك
قائم أهل بيتي، وهو مقتدٍ به قبل قيامه، يتولى وليه، ويتبرأ من عدوه ويتولى الأئمة
الهادية من قبله"(30). والإنتظار تقوية للإيمان والتقوى ومجانبة للإنحراف والفساد
وتمسك بالدين والهدى، يقول الإمام الصادق عليه السلام:
"إن لصاحب هذا الأمر غيبة
فليتق الله عبد عند غيبته وليتمسك بدينه"(31). وعنه أيضاً: "من سره أن يكون من
أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام
القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه"(32). وانتظار المهدي المنتظر عجل
الله فرجه إعداد واستعداد، استعداد بدني ونفسي وفكري وإعداد عسكري ترقبا للمواجهة
الفاصلة بين الكفر والظلم والجور من جهة والإيمان والعدل من جهة أخرى. فعن الإمام
الصادق عليه السلام: "ليعدنَّ أحدكم لخروج القائم ولو سهما، فإن الله إذا علم
ذلك من نيته رجوت لأن ينسىء في عمره حتى يدركه ويكون من أعوانه وأنصاره"(33).
* صاحب العصر والزمان
وهو من الألقاب المشهورة له عجل الله فرجه وقد استخدم هذا اللقب في عشرات الروايات،
كما أن كل العلماء الأقدمين منهم والمحدثين أكثروا من استعمال هذا اللقب للدلالة
عليه عجل الله فرجه. ويبعد انحصار دلالة هذا اللقب على أنه عجل الله فرجه صاحب
العصر والزمان الآخر الذي سيظهر فيه بإذن الله وإنما هو صاحب كل الأزمنة والعصور
والدهور منذ رحيل والده الحسن العسكري عليه السلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
فهو إمام هذه العصور كلها. ولعل لهذا اللقب خصوصية معينة اختص بها من بين ألقابه
الأخرى المتقدمة والخصوصية ناشئة من كونه أي اللقب يشير إلى إمامته لنا فهو إمام
زماننا وحجة الله علينا في عصرنا هذا، وبمعنى آخر إن هذا اللقب يوجد رابطة بيننا
وبينه لتكون رابطة الولاء والإقتداء والمتابعة أكثر من مجرد رابطة الأمل الذي يعطيه
لقب المنتظر مثلا ، فإن لقب المنتظر أكثر ما يفيد أن المؤمن ينتظر الخلاص والفرج
على يديه، وأما لقب صاحب العصر والزمان يوجه المؤمن إلى إمامه يدله على من يوالي
ومن يتبع، يقول له: لا تحسب أنك من دون إمام، ولا تظن أنك متروك في مهب الريح من
دون حجة ولا ولي، إن إمامك حي يراك وإن كنت لا تراه يعرف عنك وإن كنت تجهله، يعيش
معك ويتحسس آلامك. أن الأرض لا يمكن أن تخلو من الحجة والإمام ولو خلت ليوم أو بعض
يوم لساخت بأهلها ولهذا لو لم يبق في الأرض إلا إثنان لكان الإمام أحدهما، لكن هذا
الإمام إما أن يكون ظاهراً مشهورا كما كان الحال في الأئمة الأحد عشر من لدن أمير
المؤمنين علي عليه السلام إلى الإمام أبي محمد الحسن العسكري، وإما أن يكون الإمام
غائبا مستورا كما هو الحال في صاحب العصر والزمان، لكن استتار الإمام عنا لا يعني
غيابه عن معرفتنا ومعرفة الأحداث الجارية في عالمنا بل لا يعني عدم تدخله فيما يجري
لنا ومعنا فهو كالشمس إذ تظلها غمامة الصيف.
فعن الإمام الصادق عن أبيه عن جده علي بن الحسين عليه السلام قال: "نحن أئمة
المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادات المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي
المسلمين، ونحن أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، وبنا يمسك السماء
أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبنا ينزل الغيث وتنشر الرحمة، وتخرج بركات الأرض،
ولولا ما على الأرض منا لساخت بأهلها".
ثم قال: "ولم تخل (الأرض) منذ خلق الله آدم
من حجة لله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ولا تخلو الأرض إلى أن تقوم الساعة من
حجة اللَّه فيها ولولا ذاك لم يعبد الله". قال الراوي: فقلت لجعفر الصادق عليه
السلام: كيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال: "كما ينتفعون بالشمس إذا
سترها السحاب"(34). وإذا كان من الضروريات عند جميع المسلمين وجوب معرفة إمام
الزمان لأن من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية، ومن مات لا يعرف إمام زمانه مات كذلك
فالضرورة قاضية إذاً أن نطلب معرفة الإمام إمام زماننا هذا، ومعرفة الإمام لا تعني،
المعرفة السطحية الباهتة، لا تعني أن نعرف أن الإمام الآن هو المهدي عجل الله فرجه
وكفى، إنما تعني أن نتعرف إلى الإمام في منهجه ودعوته وسنته وأهدافه وآماله، كما
تعني الإرتباط به والأخذ منه والرجوع إليه بالواسطة التي ارتضاها بيننا وبينه
بتوقيعه الشريف الذي قال لكل شيعته فيه:
"وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى
رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله"(35). وهؤلاء الذين ارتضاهم صاحب العصر
والزمان حجة له علينا هم الذين حدد صفاتهم جده الإمام الصادق بقوله: "... فأما من
كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه ، مخالفا لهواه، مطيعاً لأمر مولاه
فللعوام أن يقلدوه"(36)، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم. إن لقب صاحب
العصر والزمان يحمل هذه الدلالة دلالة الإنتماء والولاية ولو بالواسطة هذه الواسطة
التي تتمثل الآن بالفقيه العادل والولي المطيع الحافظ لدينه سماحة الإمام السيد علي
الحسيني الخامنائي مد ظله الوارف. اللهم عرفنا نفسك فإنك إن لم تعرفنا نفسك لم نعرف
رسولك، اللهم عرفنا رسولك فإنك إن لم تعرفنا رسولك لم نعرف حجتك، اللهم عرفنا حجتك
فإنك إن لم تعرفنا حجتك ضللنا عن ديننا.
(1) مفاتيح الجنان، دعاء يدعى به في زمن الغيبة .
(2) راجع زيارات الإمام المهدي عجل الله فرجه مفاتيح الجنان وغيره من كتب الزيارات.
(3) راجع المصدر نفسه .
(4) فرائد السمطين، ص 447 .
(5) مجمع البحرين، ج 1، ص 475 .
(6) سورة يونس، 35 .
(7) معجم أحاديث الإمام المهدي، ج 1، ص 165، ح 93 .
(8) نفس المصدر، ج1، ص39، ح17.
(9) بحار الأنوار، ج51، ص30، ح7.
(10) كمال الدين وتمام النعمة، ج2 411 ، باب39 ، حديث6.
(11) بحار الأنوار، 51، ص30، ح6 .
(12) مجمع البحرين، ج6، ص149.
(13) بحار الأنوار، ج51، ص30، ح7.
(14) منتخب الأثر، ص 295، باب35، ح11.
(15) منتخب الأثر، ص293، باب35، ح3.
(16) بحار الأنوار، ج51، 30، ح1.
(17) بحار الأنوار، ج51، ص30، ح4.
(18) تفسير نور الثقلين، ج2، ص390، ح190.
(19) سورة هود، 86.
(20) كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص330، ح16.
(21) لسان العرب، ج1، ص467، مادة بقي.
(22) مجمع البحرين، ج1، ص56، مادة بقا.
(23) راجع النكت الإعتقادية ضمن مصنفات الشيخ المفيد، ج10، ص44.
(24) كمال الدين وتمام النعمة، ج2، ص378، باب36، ح3.
(25) شرح الأخبار للقاضي النعمان، ج1، ص124.
(26) كمال الدين وتمام النعمة، ج2، ص644، باب55، ح3.
(27) كمال الدين وتمام النعمة، ج2، ص645، باب55، ح6.
(28) منتخب الأثر، ص495، ح2.
(29) بحار الأنوار ج52، ص141، ح52.
(30) بحار الأنوار ج52، ص129، ح25.
(31) بحار الأنوار ج52، ص135، ح39.
(32) بحار الأنوار ج52، ص140، ح50.
(33) بحار الأنوار ج52، ص366، ح146.
(34) منتخب الأثر، ص270.
(35) كمال الدين وتمام النعمة، ج2، ص484.
(36) وسائل الشيعة، ج27، ص131، باب10 من أبواب صفات القاضي، ح20.