الشيخ مصطفى قصير
هناك نهج في التعامل مع النصوص المتضمنة لعلامات الظهور،
برز عند جماعة تعاطوا بوصفها مفتاح الأمل والرجاء لكنهم أهملوا جوهر القضية،
وتخلّوا عن الدور المؤثر والفاعل في الأحداث، مما يبعث على الانعزال والانهزام أمام
الأمر الواقع الذي يواجههم دائماً.
هذا النهج شكّل ظاهرة كانت ولا زالت تدعو إلى السكون والخنوع والى الانتظار السلبي،
والاكتفاء بدراسة العلامات بما تمثله من مؤشرات زمانية لعملية الظهور. هذه الرؤية
تفترض أن العمل من أجل إقامة دولة الحق والعدالة المرجوة يبدأ بعد الظهور وتحت راية
الإمام الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه المباشرة، من دون مقدمات سابقة مفروضة
تقع على عاتق أحد من الأمة. وقد استعان أصحاب هذا المنهج بروايات أسيء تفسيرها
وفهم مغزاها، وهي تتحدث عن وجوب القعود ولزوم البيوت في إشارة إلى حرمة القتال
والمواجهة المسلحة حتى قيام القائم. تلك الروايات إذا درست بشكل منهجي صحيح ولوحظ
زمان صدورها ومكانه والظروف المحيطة به، ظهر جلياً أنها كانت تتعرض لواقع آني له
علاقة بأحداث وبحركات خاصة عاصرت الإمام الصادقعليه السلام أو غيره من الأئمة
عليهم السلام، أرادوا تجنيب أصحابهم الانخراط بها والاكتواء بنارها والافتتان بها
عندما ترفع شعارات تبدو أنها محقة، إلا أنها في الواقع غير شرعية وأهدافها غير
رسالية أو غير مقبولة. ولكنّ النظرة القاصرة إلى هذه النصوص أنتجت مساراً خاصاً في
الانتظار لا ينسجم مع السنن الإلهية التي شرعها ولا الطريقة التي سار عليها
المعصومون.
ومن نتاجات هذه الرؤية اتهام كل راية ترفع في عصر الغيبة مهما كانت أهدافها وظروفها
وطريقتها بأنها راية ضلال. بينما رايات الضلال في النظرة السليمة هي رايات انحراف
لا تعمل في سياق الأهداف الشرعية التي رسمتها الرسالة الإسلامية، وبيّن معالمها أهل
البيت المعصومون عليهم السلام، والراية هنا تعني الحركة المنظمة ذات القيادة
المعروفة والمشخصة وهو صاحب الراية. وهي رايات تدعو إلى نفسها، أي ذات مشروع شخصي،
أصحابها طواغيت كما في النص عن الباقر عليه السلام: "إنه ليس من أحد يدعو إلى أن
يخرج الدجال إلا سيجد من يبايعه، ومن رفع راية ضلال فصاحبها طاغوت". والطاغوت
هو مبالغة في الطغيان وهو تجاوز الحد "إنه لما طغى الماء حملناكم في الجارية"
أي فاض وتجاوز الحدود الطبيعية لمجراه. وعليه فالطاغوت هو الظالم المتجاوز للحدود
التي شرعها الله. وقد وصف علي عليه السلام في نهج البلاغة حركة معاوية وفتنته
بأنها "راية ضلال قد قامت على قطبها" حسبما فهم بعض شراح كلامه. وفي عصرنا
الحاضر كل الحروب الظالمة والحركات التي يقودها أصحابها لتحقيق سلطة شخصية أو مآرب
نفعية سياسية أو اقتصادية فهي رايات ضلال. وعلى أساس الفهم الصحيح للانتظار
الايجابي الذي يستلزم التمهيد لقيام دولة الحق، والعمل على إحقاق الحق والعدل،
ومقاومة الظلم والانحراف وفق معيار "من رأى سلطانا جائراً..." فهذه رايات الهداية
لا الضلال، وهي رايات رفعها رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومون من
بعده وهي مستمرة حتى قيام القائم الحجة عجل الله تعالى فرجه ورايات الممهّدين التي
قامت وستقوم هي رايات القائم ليس سواها.