مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

حتى لا تصبحوا نادمين

تحقيق: زهراء عودي شكر


"سيارتان مفخّختان تدخلان الضاحية"، هي فحوى الرسالة التي تلقّاها معظم اللبنانيّين على الواتس آب، ومن ضمنهم الحاجّة فاتن التي سارعت إلى الاتّصال بابنتها لتعود فوراً إلى المنزل خوفاً عليها من أيّ مكروه. وفي طريق العودة بدا على الابنة، التي كانت ترقب كلّ سيارة أمامها، التوتّر والهلع، وانشغلت أفكارها بعالم الانفجارات البشع، وبالمصير الذي سيحلّ بها لو كانت من حصاد الانفجار المُتوقَّع.

ولمّا كانت الألطاف الإلهيّة كبيرة، مرّ الأمر بسلام، وتبيّن أنّ الموضوع مجرّد شائعة أقلقت أهالي الضاحية الذين لم تلتئم جروحهم بعد من جرّاء الانفجارات الماضية.


*الشائعات وباء كلّ زمان
إنّ حرب الشائعات وإفرازاتها لم تتوقّف يوماً، بل هي آخذة في التطوّر، فلم تعد وسائل الإعلام بمساحاتها الباب الوحيد الذي يُدخل منه المغرضون لشائعة سمومهم وأكاذيبهم، بل أصبحت برامج التواصل الاجتماعيّ مثل: Facebook وTwitter وبرامج الاتّصالات الحديثة مثل: "WhatsApp" منصات جديدة لإطلاق الشائعات التي بات بإمكانها لفّ العالم خلال دقائق. وهنا نطرح سؤالاً:

ما هو موقف الدين والقانون من انتشار هذا الوباء؟

*الشائعات مُدانة دينيّاً
انطلاقاً من الدين، وليس بعيداً عن الإعلام، يرى مدير مديرية التوجيه الدينيّ ورئيس اللجنة الفنية في قناة المنار فضيلة الشيخ "خضر الديراني" أنّ "الشائعة من الأمراض التي عصفت بالإنسانية منذ فجر وجودها، لكنّ أخطرها التي تستهدف الروح المعنوية للأمة أو الجماعات بهدف كسرها وتحطيمها وإذلالها. وفي التاريخ شواهد كثيرة نقل بعضها القرآن الكريم، عن اتّهام الأنبياء والرسل زوراً بالجنون أو السحر أو الإفك والكذب والشعر إلخ...

﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (الذاريات: 52) (النبي شعيب)، ﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (الشعراء: 185).

*الشائعة في القرآن
ويشير الشيخ خضر في كلامه إلى ورود ذكر الشائعة بشكل صريح وواضح في القرآن إضافةً إلى مفرداتها، وقد وردت كلمة الشائعة في القرآن بالنص: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (النور: 19).

وورد معناها بألفاظ أخرى منها:
1 - الإذاعة: ﴿وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَنَ إِلاَّ قَلِيلا(النساء: 83).

2 - الإرجاف: قوله تعالى: ﴿لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا(الأحزاب: 60 - 61).

3 - الإفك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ(النور: 11).

4 - البهتان: قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا(الأحزاب: 58).

5 - الفتنة: ﴿لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
(التوبة: 47).

*طريق المواجهة
وبما أنّ للشائعات انعكاساتٍ سلبيّةً خطيرة، كان لا بدّ من مواجهتها، ويذكر الشيخ الديراني الخطوات التي تتلخّص بـ:

1 - التثبت:
يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا...(الحجرات: 6).
أ- إرجاع الأمر لأهل الاختصاص: يقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ(النساء: 83).
ب- التفكّر في محتوى الشائعة: إنّ كثيراً من الناس لا يفكّر في مضمون الشائعة. ولو أعطينا أنفسنا، ولو لحظات للتفكّر في أكثر الشائعات لما انتشرت شائعة كاذبة أبداً.

2‌- حرمة نقل الشائعة،
يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا فجعلَ الله ناقل الخبر من دون تثبّت من الفاسقين.
وورد عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكل ما سمع".

3 - تحمّل المسؤوليّة الشرعيّة والقانونيّة عن الآثار المترتبة عليها: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ(الصافات: 24)، ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌفي الدنيا والاخرة.

4 - تجب، على من يعلم، مواجهة الشائعة وكشفها بكلّ السبل وتعرية أصحابها، وتحذير الأمة منهم، لأنهم يشكّلون خطراً عليها.

وفيما يتعلّق بالعواقب يقول الشيخ خضر الديراني: "لقد حرّم الله على عباده القيام بهذا الأمر، وحرّم على النبيّ والأمّة أن تعتمد في الحرب على المرجفين ﴿لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ(التوبة: 47–48). وحرّم على أفراد الأمّة الاستماع لهم".

وبالنسبة إلى مثيري وناشري الشائعات: "فحكمهم الشرعيّ مرتبط بنوع الشائعة وأثرها، وبعض الشائعات من الكبائر إذا كان كذباً. وقد ذكر القرآن بعض أصناف الناس الذين خانوا الله ورسوله وقدّموا المعلومات للأعداء فكشفهم الوحي للنبيّ، وبعضهم تناول عرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقد تعاملت الأمم مع هذا النوع من الناس الذين يبيعون أنفسهم إلى الأعداء كخونة، وجرى إعدامهم. وفي الإسلام قد ينطبق على بعض من يقوم بهذا الأمر صفة المفسد في الأرض أو المثبّط للعزائم في حالات الحرب فيكون حكمه الإعدام".

*القانون يحاسب
وانعطافاً نحو الجانب القانوني تقول المحامية الأستاذة تمام نور الدين إنَّ "القانون اللبناني يحاسب مرتكبي الجرائم، والشائعات الإعلاميّة، والقدح، والذمّ والتحقير التي تطلق على مواقع التواصل الاجتماعي وذلك بحسب دراسة كلّ حالة على حدة. بحيث إن هناك الكثير من القرارات القضائية التي صدرت عن القضاء اللبنانيّ بشكل عامّ وعن قاضي الأمور المستعجلة بشكلٍ خاصّ، إذ لقاضي الأمور المستعجلة أن يتخذ جميع التدابير الآيلة إلى إزالة التعدّي الواضح عن الحقوق والأوضاع المشروعة. فحريّة الشخص تقف عند حقوق الغير وعند حدود القانون والحريّة ليست حقّاً مطلقاً يحجب كافة الحقوق الأخرى ويجيز التعدّي عليها".

وتوضح نور الدين جرائم الشائعة قائلةً إنها تتعدّى الجريمة الواقعة على الأشخاص، (فالشائعات التي تهدف إلى النيل من هيبة الدولة ومن الشعور القوميّ هي أيضاً جرم نصَّ عليه القانون، فمثلاً المادة 295 تنصّ على أنّ "من قام في لبنان في زمن الحرب أو عند توقّع نشوبها بدعاوى ترمي إلى إضعاف الشعور القوميّ أو إلى إيقاظ النعرات العنصريّة أو المذهبية عوقب بالإعتقال المؤقّت).

*اعتبار سمعة وكرامات الناس

وكذلك فإنّ الشائعات التي تنال من الوحدة الوطنية جرّمها القانون، فالمادة 317 عقوبات، تنصّ على (أن كل عمل أو كتابة وكل خطاب يقصد منها أو ينتج عنها إثارة النعرات المذهبيّة أو العنصريّة أو الحضّ على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة يعاقب عليه). أمّا فيما يتعلّق بالجرائم الواقعة على الأشخاص في هذا الخصوص فالمادّة 582 عقوبات تنصّ على أنه (يعاقب على الذمّ بأحد الناس المقترف بإحدى الوسائل المذكورة في المادة 209 بالحبس من ثلاثة أشهر وبالغرامة من مئتي ألف ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين)، وكذلك نصّت موادّ القانون رقم (583 و584 و586) بتجريم كل من يتعرّض لسمعة واعتبار وكرامات الناس بأي من الوسائل.

*إقفال مواقع إلكترونية
وفي حال ورود قدح وذمّ عبر الصفحات الإلكترونية تقول الأستاذة تمام: "إن المادّة الثالثة من قانون المطبوعات الصادر بتاريخ 14/9/1962، تنصّ على الآتي: (يعنى بالمطبوعة وسيلة النشر المرتكزة على تدوين الكلمات والأشكال بالحروف والصور والرسوم، ويجب أن يذكر في كل مطبوعة اسم المؤلّف واسم المطبوعة والناشر وعنوانه وتاريخ الطبع). وبالتالي فإنّ شبكة الإنترنت هي وسيلة نشر متطوّرة وحديثة وتهدف من ضمن ما تهدف إليه إلى نشر وعرض وتبادل المعلومات على مختلف أنواعها وأشكالها... وإنّ عملية النشر المنصوص عليها في القانون تجري بطرق مختلفة تقليدية وحديثة، منها عن طريق تدوين الكلمات والأشكال بالحروف والصور والرسوم، وإنّ أيّ موقع إلكترونيّ يعتبر مطبوعةً في ضوء ذلك المفهوم المشار إليه آنفاً، ويطبّق على ما ينشره هذا الموقع ما نصّ عليه قانون المطبوعات بالنسبة للمطبوعة".

وهنا تتطرّق الأستاذة إلى مثال آخر في هذا المضمار، "فقد شهد القضاء اللبناني أحكاماً جزائيّة تقضي بتجريم المدّعى عليه بجرم قدح وذمّ وتشهير، وذلك بعد قيامه بفتح حساب وهميّ على الإنترنت باسم المدّعية وعلى صفحات الفايسبوك بهدف التشهير بها والإساءة لها، وقد تمّ التعرّف إلى الفاعل واكتشاف اسمه عبر متابعة الـ IP Address وتحديد هوية المستعمل. وبالتالي جرى إقفال الموقع الإلكتروني المفتوح باسم المدّعية".

منذ فجر التاريخ والشائعات تنشب مخالبها في جسد العالم كلّه، فهي من أخطر الحروب المعنوية، والأوبئة النفسية ومن أشدّها تدميراً وخطورة على المجتمعات البشرية، لذلك فهي جديرة بالتشخيص والعلاج، ومن الضروريّ المسارعة إلى استئصالها، حتّى لا تقضي على الروح المعنوية للأمّة، التي هي عِماد نجاح الأفراد، وركيزة بناء أمجاد الشعوب والحضارات.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع