فاطمة أحمد شعبان
توقفت سيّارة إسعاف بسرعة، وترجّل منها المسعفون وهم يسرعون لإدخال مريض على الحمّالة الحديديّة الباردة إلى مدخل الطوارئ. ركضتُ خلفهم، فالساعة شارفت على السابعة مساء، وقد حان موعد عملي الليليّ في المشفى. دخلتُ غرفة الأطبّاء وارتديتُ زيّي الأبيض، وأسرعتُ لإنقاذ السبعينيّ الذي كان ينازع وسط صراخ بناته في الخارج. حاولتُ أن أعيد له نبض قلبه، ولكنّ قلبه كان يرفض أن يعود إلى الحياة! حاولت مراراً براحتَي يديّ فلم أُفلح، أسرعتُ وأحضرتُ الصادمات الكهربائيّة، وتلك كانت محاولاتي الأخيرة، كرّرتها مرّتين وثلاثاً، وفي الرابعة نجحت، لقد عادت دقّات قلبه، وارتسمت على الشاشة السّوداء أمامي، تأكّدتُ من أنّ الإنعاش القلبيّ الرئويّ قد نجح، ثمّ أتممتُ الأمور الطبيّة الأخرى، ربّتُّ على كتفه وقلت له: "حمداً لله على سلامتك يا حاجّ، دعوات بناتك في الخارج تغلّبت على رفضك الحياة، وأعادت إليك بعض نبض".
نظر إليّ معاتباً إيّاي بعينَين غائرتَين وسط الدمع. دثّرته بغطاء سميك ليحافظ على دفء جسد لم يجد في وطنه مَن يشعره بأنّه واحد من أبنائه. خرجتُ لأُطمئن بناته المتلهّفات لمعرفة حال أبيهنّ. فتحتُ الباب فإذ بهنّ يسارعن إليّ، فطمأنتهنّ عن حاله، حمدن الله وأغدقن عليّ عبارات الشكر، لكنّ رجلاً واحداً كان ينظر إليّ كمن ينتظر مقاضاتي، إنّه أمين الصندوق، أسرع نحوي وصرخ في وجهي: "كيف تبدأ عملك الاستشفائيّ قبل أن نملأ ملفّ المريض ونعرف الجهة الضامنة له؟!". لم أدعه يكمل كلامه، فأسكتّه قائلاً: "أنا طبيب، وعندما تعلّمتُ دروس الإسعافات الأوّليّة، لم يكن بينها سؤال المريض عن هويّته وعن حالته المادّيّة! لقد أعاد إليه الله بعض نبض فلا تسرقه منه!".