الشهيد السيّد عبّاس الموسوي رضوان الله عليه
عن الإمام الصادق عليه السلام نقلاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أذاع فاحشةً كان كمبتدئها، ومن عيّر مؤمناً بشيء لم يمت حتّى يرتكبه"(1).
إنّ من أخطر الأمراض الأخلاقيّة في المجتمع، وهو أخطر من الفاحشة نفسها التي تُرتكب، هو إشاعة الفاحشة. قد يرتكب الإنسان جريمة، وقد يزني، وقد يفعل فاحشة من الفواحش التي لا يريدها الله، بل وتُغضبه، ولكنّ هذا الإنسان الذي أغضب الله قد يتوب، وقد يرجع إلى الله عزّ وجلّ. فمن ارتكب ذنباً أو معصيةً، فإنّه يستحقّ عليها من الله عقاباً كبيراً إن لم يتب، ولكن على الرغم من ذلك، تبقى إشاعة الفاحشة في المجتمعات الإنسانيّة أصعب وأخطر من ارتكابها.
•عقاب مشيع الفاحشة
فقد يتصوّر أحدهم، أنّ جزءاً من حركة إيمانه أنْ يُشيع ويفضح من ارتكب فاحشة، ظنّاً منه أنّه بذلك سوف لن يعود إليها، ولكن من قال إنّه إذا تكلّم وأشاع هذه الفاحشة سوف لن يرتكبها مجدّداً؟
يقول الإمام الصادق عليه السلام عن هؤلاء الذين يُشيعون الفاحشة: "من أذاع فاحشةً كان كمبتدئها"؛ أي هو كمن ارتكب هذه الفاحشة أيضاً. ثمّ قال: "مَن عيّر مؤمناً بشيء، لم يمت حتّى يرتكبه"؛ يوضّح الإمام الصادق عليه السلام أنّ الله عزّ وجلّ يعاقب هذا المتكلّم الذي صدر عنه كلام السوء والغيبة، ولا يتركه يخرج من هذه الحياة حتّى يجعله يرتكب الجريمة نفسها التي عيّر بها صاحبه المؤمن.
•حرمة المؤمن وقداسته
عندما يركّز الإمام الصادق عليه السلام في حديثه على هذه المسائل، ماذا يريد؟ وما هي القضيّة التي يريد أن يثيرها ويطرحها؟ إنّ هدفه عليه السلام هو أن يجعل للمؤمن حرمة وقداسة؛ بمعنى أنّ هذا الإنسان عندما أصبح مؤمناً، صار قدساً من أقداس الله على وجه هذه الأرض، تماماً كما نقول إنّ للمسجد مثلاً حرمة وقداسة، كمسجد الإمام عليّ عليه السلام، والمسجد الحرام، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذه أقداس على الأرض يجب أن تُحفظ وتُصان. فالإنسان المؤمن بمجرّد أن يتحصّن بالإيمان، أصبح له حرمة، فقد جاء في الروايات عن أهل البيت عليهم السلام أنّ حرمة المؤمن أفضل وأكبر من حرمة الكعبة، فكما أنّ التهجّم على الكعبة يُعدّ ذنباً عظيماً عند الله عزّ وجلّ، كذلك الأمر عندما يُعيِّر أحدهم مؤمناً، أو يشتمه، أو يتكلّم عنه بالسوء، فإنّ الله عزّ وجلّ صنّفه ذنباً وجريمة كبيرة في ميزانه.
•أوّل خطوةٍ نحو جهنّم
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من مشى في عيب أخيه وكشف عورته، كانت أول خطوةٍ خطاها وضعها في جهنّم"(2). إنّ أوّل خطوة يخطوها ذلك الإنسان؛ وهو يمشي في عيب أخيه، وكشف عورته، هي نحو جهنّم، بل وإلى جهنّم أيضاً. فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم يبيّن لنا أنّ ذاك الذي يكشف عورات المؤمنين، سوف يكشف عورته؛ إذ إنّ لكلّ منّا عوراته.
(*) الخطبة الثانية لصلاة الجمعة ألقاها سماحته بتاريخ 1/12/1989م.
1.بحار الأنوار، المجلسي، ج70، ص111.
2.وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج12، ص286.