في مثل هذا اليوم، وصلني خبر استشهادك يا أبي وكان عمري عشر سنوات. عدنا إلى الجنوب في يوم النصر، وذلك بعد مضي ثلاثة أيّام على استشهادك وبقائك ملقىً تحت شمس آب 2006م، الحمد لله لقد واسيت الحسين عليه السلام...
عند الوصول إلى بيت جدّي، رأيت موكب تشييع يمرّ من أمام المنزل، لم أكن أدري شيئاً. هل حقّاً استشهدت؟
كنت صغيرةً وتائهة. لم أطرح الكثير من الأسئلة، لذلك ظننت التشييع لك، وبكيت بمفردي.
كنت أشتمّ رائحة دمي يحترق في عروقي، ولعلّ أكثر ما يؤلمني الآن عندما أتذكّرني، تلك الفتاة الصغيرة الواقفة وحيدة على الشرفة في منزل جدّها، حيث لم أكن أستطيع أن أسأل:
"أهذا والدي في النعش؟".
على كلّ حال لم تكن أنت.
كانت ليلةً مليئةً بتفاصيل الألم، واسيت نفسي عندما أقنعتها أنّ هذا الألم لن يدوم طويلاً (أكيد ما رح عيش بعد أكتر من سنة) من الواضح أنّي كنت مخطئة... الله بعين.
عدنا إلى منزلنا، ورأيت ملابسك التي كنت تركتها معلّقةً خلف باب غرفتك، والتي لا زالت هنا بعد مضيّ أربعة عشر عاماً على وضعك لها، لم نحرّكها ولم نُدخلها الخزانة.
أتفقّد جيبك كلّ فترة حيث اعتدت في صغري أن تقول لي: "البنطلون معلّق ورا الباب، خدي مصاري قبل ما تروحي عالمدرسة". لن يكفيني أيّ شيء سوى قرشٍ من هذا الجيب...
أتذكّر آخر مشهد رأيتك فيه قبل الحرب، أتذكّره مترافقاً مع شعر فاروق جويدة:
"ورأيت قلبي في الحنايا.. يحترق
بيني وبينك خطوتان ونفترق"
في زيارة عاشوراء نسجد ونقول: "الحمد لله على عظيم رزيّتي". في هذه الجملة درس عظيم في العبوديّة حيث نشكر الله كثيراً على أعظم مصيبة في التاريخ، مصيبة تهون أمامها المصائب كلّها؛ لذلك الحمد لك يا رب حتّى ترضى..
نصر مبارك.
زهراء قانصو
ابنة الشهيد محمّد حسن قانصو
(ساجد الدوير)