نسرين إدريس قازان
اسم الأمّ: زينب عجمي.
محلّ الولادة وتاريخها: أرنون 4/5/1965م.
الوضع الاجتماعيّ: متأهّل وله ثلاثة أولاد.
رقم السجل: 36.
مكان الاستشهاد وتاريخه: مثلّث بنت جبيل- عيناثا 25/7/2006م.
ولمعت عيناهُ ببريق فرحةٍ مضمرة.. فرحة تشي بأنّه مقدمٌ على شيء عظيم.. وصار انتظار ساعة الصفر يرمّم ما بذاكرته من فجوات تطلّ على ذكريات فيها الكثير من وجوه رفاق أحبّة غابت عنه، من مشاهد معارك صعبة كان الانتصار فيها غالي الثمن، أمّا الفجوة الأكثر إيلاماً ووضوحاً، فتلك التي يرقدُ فيها جسد رفيقه الشهيد السيّد عماد حيدر أحمد على التراب بالقرب منه في أسفل جبل "أبو ركاب"، بينما كان هو يضغط على رجله المصابة ويكتم أوجاعه لئلّا ينتبه إليه الجنود الصهاينة الثلاثة الذين كانوا يتجوّلون بحثاً عنهما، وصبر لساعاتٍ حتّى سنحت له الفرصة بسحب نفسه وجثمان رفيقه إلى أقرب نقطة للإسعاف الحربيّ.
•الفرحة الغامضة
ألزمته إصابته المنزل أشهراً، وكانت عمليّة جبل "أبو ركاب" من أشهر معارك المقاومة في أواخر التسعينيّات، وبالنسبة إلى هلال، هي واحدة من فرص الشهادة الكثيرة التي فاتته، وكان يؤلمه ذلك كثيراً، وخصوصاً أنّ الكثير من رفاقه، وتحديداً الذين يصغرونه سنّاً، سبقوه إلى الشهادة، ومنهم الاستشهاديّ عمّار حمّود.
لم تكد جراحه تتعافى حتّى انسحب العدوّ ذليلاً من جنوب لبنان. لم تسعه الدنيا يومها من السعادة، غير أنّ بين جُمَل الفرحة، كانت فواصل الغصّة تظهر في نبرة صوته. ففرصة الشهادة صارت نادرة. إلى أن جاءه نبأ يقين، بعد نحو السنة والنصف على التحرير، حملت معه تلك الفرحة الغامضة.
•وكأنّه لن يعود أبداً!
كلّ ما قام به أوحى أنّه يودّع مَن حوله، أخذ زوجته وصغاره لزيارة السيّدة زينب عليها السلام. كان سعيداً جدّاً هناك، ربّما لأنّ الزيارة حملت في مضمونها أكثر من كونها مجرّد زيارة، بل شحنة معنويّة عالية لما هو مقدم عليه. عادوا إلى لبنان، شذّب لحيته، وحضّر ثيابه، وجاء بعض الرفاق إلى السهرة ليودّعوه، ولمّا انطلق صبيحة اليوم التالي، مشى وكأنّه لن يعود إلى منزله أبداً!
ومضى هلال في ذلك اليوم، وما هي إلّا أيّام قليلة حتّى عاد، وكانت الفرحة بعودته كفرحة يعقوب برؤية يوسف عليه السلام، وكأنّ وجهه هو القميص الذي أعاد القلوب بصيرة، التمّ حوله الأولاد والزوجة، وما أجمل تلك اللمّة التي اهتمّ بأصغر تفاصيلها!
•برنامج روحيّ
بين سطور كتب السيّد محمّد باقر الصدر، والشهيد مطهّري والإمام الخمينيّ (قدّست أسرّارهم)، صنع هلال قارباً صغيراً يبحر فيه بروحه، يضع ملاحظاته على دفترٍ صغير، فيكتشف أنّ ثمّة صفات عليه تغييرها، وأخرى عليه تطويرها، وبعض ما يجب أن يشتغل عليه. كان يكتشف نقاط الضعف والقوّة في نفسه، ويحدّدُ الأعمال العباديّة التي عليه القيام بها، ما صقل شخصيّته الروحيّة والجهاديّة.
•طفولة يتيمة
توفيت أمّه وهو في الرابعة من عمره، فزاد ذلك اليتم من دلاله والاهتمام به.
تشابه هلال مع التراب والشجر والورد والعشب، وقضى أيّاماً جميلة مفعمة بالمغامرات في قريته "أرنون"، حيث تربّى مع إخوته في بيت جدّه لأبيه، واهتمّت عمّته بتربيتهم، فكانت لها منزلة خاصّة في قلبه.
•شخص فاعل ومؤثّر
كان لزاماً عليه أن يغادر جنّته الصغيرة تلك إلى مدرسة داخليّة قضى فيها سنتين مع أخيه، قبل أن ينتقل للعيش في بيروت ويلتحق بالجامعة الأمريكيّة لدراسة الهندسة، بعد أن تخرّج من الثانويّة العامّة بعلامات مميّزة من قسم الرياضيّات. وفي تلك الفترة، التحق بالتعبئة العسكريّة، وبدأ حياته الجهاديّة، ولأنّه لم ينسجم مع أجواء الجامعة، فضّل الانتساب إلى الجامعة اللبنانيّة والتفرّغ لعمله.
كان هلال شخصاً اجتماعيّاً بامتياز، محبّاً وودوداً ومضيافاً، لا يزوره أحد إلّا ومدّ له سفرة من الطعام، فليس المهمّ ما يقدّم على بساطته، بل الأهمّ هو الألفة والمحبّة التي يُظهرها. ولمّا شاء الله أن تُضطرّ عمّته التي ربّته للسكن في بيروت، لم يقبل إلّا أن تسكن معه، وطوال خمس سنوات، حرص على راحتها وسكينتها، كما عمل على بناء علاقات جيّدة ومحبّة مع كلّ أقاربه الذين قد تختلف مشاربهم الفكريّة والسياسيّة معه، فيتسلّل إلى قلوبهم بطيبته وبلطفه ولين عريكته، ما جعله شخصاً مؤثّراً. وكان أيضاً السند الذي يتّكئ عليه رفاقه المجاهدون، والمجذاف الذي يساعدهم في الوصول إلى شاطئ الأمان، فما احتاج أحدهم شيئاً إلّا وساعده، أو قدّم له نصيحة فأرشده، حتّى إنّه كان يرافق بعضهم للحديث عنهم في طرح الأمور، للباقة حديثه، وقدرة امتصاصه لردود الأفعال.
•عاد ليغفو في جنّة الأرض
شارك هلال في عمليّة الغجر عام 2005م، ومنذ تلك العمليّة عاش حالةً من الانتظار القلق، دائماً ينتظر رنّة الهاتف.
قبل عمليّة الأسر في تمّوز 2006م، ودّع هلال عائلته، وانطلق على عجلة من أمره إلى الجنوب. وعندما نُفّذت عمليّة الأسر، وبدأ العدوان على لبنان، وأخبار هلال غابت إلّا من اتّصال وحيد بعد فترة بشقيق زوجته اختُصر بالاطمئنان عليهم.
كلّ ما عُرف عن هلال أنّه وصل مع الشهيد حسن كرنيب إلى مثلّث بنت جبيل - عيناثا سيراً على الأقدام، واشتبكا هناك لأيّام مع قوّة صهيونيّة متقدّمة، وأوحت غزارة النيران أنّهما مجموعة وليسا شخصين، واستطاعا تأخير تقدّم القوّة لأطول فترة، حتّى استشهدا.
انتهت الحرب، ولم يُعرف مصير هلال، فلا جثمان ولا شهود عيان على استشهاده، فبقيت الظنون تتأرجح بين أسره حيّاً أو شهيداً، بعد أن فقد المجاهدون الأمل من العثور عليه في الحقول أو تحت الردم، إلى أن اعترف العدوّ الصهيونيّ بأسر جثمانه خلال التفاوض في عمليّة الرضوان عام 2008م.
عاد هلال إلى قريته الصغيرة ليغفو في جنّة عرضها السماوات والأرض يورثها الله لمن يشاء من عباده.