ولاء إبراهيم حمود
إلى شهيد الوعد الصادق وإخوانه(1) العائدين أحراراً كما ذهبوا، أحياء أو شهداء. إلى روح الشهيد هلال علوية (الحاج هادي) ولن ينقضي أبداً في قدس شهادتك أوانُ الاعتذار. ما زلتُ أذكر أنّني حين سألته غاضبة: "أظننت أنّك فائقي بكتابةِ حُبِّ عليّ عليه السلام"؟ لمحتُ في عينيه صدقاً وجه الولاء لعلي عليه السلام، شكل الوفاء ولونه. وطوت السنون لحظةً، ضاءت بأنوار الأمير، ومضينا كلٌّ في طريق. كلٌّ ينيرُ كما يشاءُ دروبَهُ بهوى عليّ. واليوم بعد غيابٍ(2)، نلتقي. قد جفّ حبري يا هلال، ويبُسَتْ في عزِّ ربيعها أوراقي، وسحقت قسوة الأيّام مسألتي، وتناثرت على وجعها، في مهبّ الريح، ريشتي ودواتي.
يا هلال العمر، يا عيد الحياة... يا تمام النصر، يا عزَّ الأباة ويا فرح التقاة الصائمين. بلحظةٍ، رأَوْكَ فيها فأعلنوا، أنّهم شهدوا الهلال. بهت السؤال،... يا هلال... بَهُتَ السؤال. ما كنتُ أعلم حينها، أن البطولة تزهر في مقلتيك، تقيم هانئةً رضية، في عزيمة ساعديك، وأن علياً عليه السلام عمقها وسحابها ومدادها في شهادتك الأبية. وأن بعض الحب كفرٌ... وبعضه الأتقى... هلال. لو كنت أعلم حينها ما جف حبري عاجزاً حين انحنت ملء تواضعها السنابل، بين يديك، في صيف نصرنا والحصاد... أنت وردت الحوض سيفاً من علي، وصدرت منه ساكباً ملء الحياة، نجيعك تروي به ظمأ الحيارى الذاهلين أمام عرش رفاتك، أما أنا فبكيت نفسي تائبةً... خجلى رأيتك واجمة... طرفي دموعٌ ساجمة، إني أقرُّ وأعترف... أنا واحدة من هؤلاء، الذاهلات... عذراً هلال... الآن أعلم أنك كتبت ما لم أكتب، بريت روحك ريشةً ورويتها بعطر دمائك ونظمت أسمى قصيدة... فاحت بها أحلى العطور... من دماء عاشقة نور علي... باهى بها كل العصور، عصرٌ يطيب الموت فيه انتصاراً لعلي... لم يسطرها... يستضيئون هداك... للوصول إلى علي. قالت لي عنك ماجدة: "هذا أميرٌ ماجدٌ، غرس الجهادُ جذوره في قلبه، فغدا سياجاً للجهاد...". وتقول عنك ديمةٌ وفي صوتها يندى الحنان: "إنه ملكٌ متوّج فوق مملكة المحبّة للأطفال في مهادهم، للأبطال في وهادهم، للأمهات الثاكلات في مراثيهن الحزينة، قرب قناديل السكينة". أما هي، رفيقة الدرب الطويل، ألقُ انتظارك في مقلتيها، وسؤالها يتململُ دون كلام: "أيطول بعدك يا هلال..؟ سنتان في علم الحساب قليلةٌ لكنها في علم عشاق الجهاد، مدىً يعادل ألف عام... أما طال بعدك يا هلال...؟ سنتان، قلبي فيهما، كان يطيرُ سنونوه... تحطُّ قرب حذائك، وثيابك وسلاحك وكتابك وباقة من أحرفٍ، خطتها عجلى أناملك "سأكملها بعد عودتي" قُلتها ومضيت، تمحو بابتسامتك أمامي، كلَّ أحزان الدروب. البيت شوقٌ يا هلال والصغار... والقلب حبٌّ لهلالٍ وانتظار".
سنتان... لم تطل الغياب... ها أنت عدت ظافراً وتوافدت ورد الجنائن والهضاب... تلقاك، تعلن شوقها لك وطن عاد معك... يتقاسم النصر معك... لوناً وعطراً. وانتساب قلبي يحومُ فراشةً... يجذبه وهج ضيائك، يذوق طعم الاحتراق فوق شميعات الإياب... وينتشي... فاليوم عيد... عيد الأحبةِ يلتقون، ويفرحون... عيد الجهاد ينتصر ويعيد كل الغائبين. قلبي يحلق نورساً يجتاز أروقة السماء... أو زورقاً يخوض أعماق البحار... كلُّ شهيد كوكبٌ عاد يضيء منارةً أو شاطئاً يحمي الوطن، يرد عنه غزاته وبغاته... وهو الوطن والشمس بعضٌ من سناه... يمد أشرعة الضياء ويبحر نحو لقاك... يراك تقبل واضحاً... والصمت يجلو قربك أحلى كلام. لكنّ صوت "محمد"(3) و"حسيننا" و"عباسنا" يعبران خلفه هزَّ ذهول القادمين لرؤيتك: "العيد جاء واحداً هذا النهار... بشراكم، من أسره، قد عاد منتصراً هلال...".
(1) موسى فارس، حسن كرنيب، محمد دمشق (جواد عيتا)، موسى خنافر، زيد حيدر، مروان سمحات، وعلي الوزواز.
(2) سبعة عشر عاماً، إذ لم ألتقه بعد تلك اللحظة، وذاك السؤال الذي طرحته عليه في معرض القيام ببحثٍ عن علي أمير المؤمنين عليه السلام.
(3) أولادهما الثلاثة: (محمد وعباس وحسين).