لم تكن نشأة مؤسسة جهاد البناء في لبنان تعبيراً عن حاجة ملحّة للمجتمع الأهلي إلى مؤسسات أهلية تعنى بشؤون الإعمار والتنمية فحسب، بل ارتبطت هذه النشأة أيضاً بتجربة المقاومة التي أخذت حيِّزاً نوعياً في مسارها التصاعدي في حياة اللبنانيين، فكانت المؤسسة استجابة للتحدي، وتعبيراً عن النهضة التي يشهدها مجتمع المقاومة، ما هو هذا التحدي؟ ما هي هذه النهضة؟ وبالتالي ما هي مؤسسة جهاد البناء وإلى ماذا تسعى؟ ما هي إنجازاتها؟
أسئلة تتعدد وتتنوع، سنحاول من خلال هذه العجالة أن نقدم إجابات تلقي ضوءاً ولو خافتاً على هذه التجربة مستفيدين من هؤلاء الذين يعملون على جبهة من جبهات المقاومة، أقصد المقاومة من أجل البناء من أجل التنمية من أجل الصمود.
* المقاومة بين الاحتلال والحرمان
من نافل القول أن لبنان دفع الأثمان الكبيرة منذ نشأة الكيان الصهيوني ودفع أيضاً ثمناً لمواقف الشرفاء فيه الذين رفضوا وقاوموا فكرة هذا الكيان ومشروعه.
ولعل الجنوب اللبناني، لم يسلم منذ نشأة الكيان الصهيوني من اعتداءات وتدمير منظّم لبُنَاه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وكان هذا التدمير الذي لا يتحمّل الاحتلال الإسرائيلي كامل المسؤولية، ليس لأن العدو كان قاصراً في ذلك، بل أن الجنوبيين بشكل خاص واللبنانيين بشكل عام كانوا مضطرين أن يقاوموا تحدي الاحتلال من جهة وتحدي الحرمان وتخلي الدولة عن مسؤولياتها اتجاه أبنائها، فكان الدولة في ذلك كانت تساهم عن وعي أو غير وعي في ضرب جذوة المقاومة والصمود في وجه عدوٍّ من أشد الأعداء شراسة وقدرة.
إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار هذه الجذوة التي أدت مترافقة مع اشتعال الحرب الأهلية عام 75 إلى قيام اجتياحات متعددة من قبل الاحتلال وتهجير ونزف مستمر طال مئات الآلاف من المواطنين من الجنوبيين وتدمير الكثير من مقومات الصمود لذلك كان من الصعب أمام قرار المقاومة التي اتخذته المقاومة الإسلامية وأمام سيل الدماء المباركة التي روت روابي هذا الجنوب وأعلنت قيام نهضة جديدة لتجربة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي- كان من الصعب- أن لا تترافق هذه النهضة الجديدة بمقومات تساعد على استمرارها وتثبيتها، من هنا كانت مؤسسة جهاد البناء نموذجاً يمثل هذه النهضة ومحاولة رائدة لبلسمة الجراح ولإعادة الاعتبار لمفهوم البناء والتنمية والمقاومة في بعدها الاجتماعي، إعادة الاعتبار لفكرة المجتمع المقاومة.
* انطلاقة مؤسسة جهاد البناء
من خلال ما ذكرنا ووصولاً إلى تعزيز فكرة المجتمع المقاوم على الأرض، كانت فكرة تأسيس مؤسسة جهاد البناء ثم الانطلاقة العملية في عام 1988 وتحت شعار (معاً نقاوم معاً نبني)، وهذا التأسيس لم يكن بديلاً وإعفاءً لمسؤولية الدولة اتجاه مواطنيها بقدر ما كان تعبيراً عن حاجة مجتمعية وانطلاقاً من حيوية المجتمع الأهلي، وتحفيزاً لمؤسسات الدولة للعمل الجاد ووعي مسؤولياتها.
من هنا، كانت جهاد البناء مؤسسة إنمائية خدماتية إسلامية في لبنان منطلقة من خط الإمام الخميني قدس سره لمواجهة الظروف القاسية التي عانى منها شعبنا المستضعف وأهلنا المحرومون مستمدة العون من الله وقد هدفت هذه المؤسسة إلى:
1- القيام بالمشاريع العمرانية والإنمائية المختلفة لرفع المستوى الاجتماعي من ترميم الأضرار الناتجة عن القصف الصهيوني كما بناء المساجد والحسينيات والمراكز الطبية والتعليمية.
2- تأمين وتأهيل شبكات الري ومياه الشفة والمجاري وتجهيز الآبار.
3- مساعدة المزارعين على استصلاح وزراعة أراضيهم والاهتمام بنشر الوعي الزراعي عبر التوجيه والإرشاد بأشكاله كافة.
4- تمديد شبكات الكهرباء وإنشاء محطات لتأمين التيار للقرى النائية.
5- إنشاء مراكز أبحاث ودراسات مختلفة لخدمة المهام الإنمائية.
* مدارات العمل والإنجاز
ويقول المهندس قاسم عليق مدير عام مؤسسة جهاد البناء، انطلاقاً من طابع المؤسس في مجال الإنماء والدراسات عملت المؤسسة على إنشاء تسع مدارس في مختلف المناطق اللبنانية كما أهّلت 24 مدرسة.
ويضيف المهندس عليق عن مشروع ترميم الأضرار الناتجة عن الحرب، الذي بدأ منذ عام 88 حتى يومنا هذا ومن ضمنه المشروعين الإعماريين الكبيرين إثر عدوان تموز 93 ومن ثم نيسان 96، فشمل ترميم الأضرار في الوحدات السكينة بما يعادل 15000 وحدة سكنية ومرفقاً عاماً ومؤسسات تجارية وصناعية منها 13200 وحدة في الجنوب اللبناني و1000 وحدة في البقاع و300 وحدة في بيروت.
ويقول المهندس عليق لم نكتفِ بالترميم فقد أنشأت المؤسس أربعة ملاجئ في البقاع والجنوب و39 دار عبادة، كما إنشاء وبناء المستشفيات والمستوصفات أهمها مستشفى الشيخ راغب حرب في منطقة النبطية كما خمسة مراكز صحية منتشرة على الأراضي اللبنانية ولم تقف جهاد البناء عند هذا الحد فهي ساهمت في إنشاء العديد من المشاريع على مستوى المياه ومواردها كما الكهرباء من حفر آبار وتأمين الخزانات لمياه الشفة في الضاحية الجنوبية وشبكات المياه في العديد من قرى البقاع والجنوب كما المنشآت الكهربائية وشبكاتها في البقاع والجنوب بالإضافة إلى المجالات التي تم ذكرها في هذه العجالة فإن مؤسسة جهاد البناء أخذت على عاتقها الاهتمام و العمل على مستويات أساسية أخرى وهم:
1- مستوى الأعمال الزراعية.
2- التأهيل والتدريب.
3- شؤون البيئة.
فعلى المستوى الزراعي ويهدف إنماء الزراعة وتثبيت العاملين فيها خصوصاً في المناطق الريفية والنائية أنشأت المؤسسة العديد من الصيدليات الزراعية التي تقدم الأدوية للزراعات في العديد من المناطق في البقاع والجنوب حيث أنجزت حتى اليوم 7 صيدليات كما أنشأت مراكز للطب البيطري واحد منها في البقاع الغربي والثاني في منطقة النبطية، وترافق ذلك مع توزيع جرارات زراعية وتمديد أقنية للري وإقامة دورات للترشيد الزراعي.
أما في مجال التأهيل والتدريب: ساهمت المؤسسة في إنجاز دورات في مهن الكهرباء والأدوات الصحية ونجارة الخشب وغيرها من المهن التي تساهم في تطوير الكفاءات المهنية وتعزيز قدراتها.
وفي شؤون البيئة: فمنذ العام 88 وحتى العام 92 عملت المؤسسة على مواجهة مشكلة النفايات وتراكمها خصوصاً في الضاحية الجنوبية والبقاع عبر رفعها وتأمين مستوعبات لها في بيروت والبقاع.
أما في مستوى التنسيق مع مؤسسات الدولة يقول نائب المدير العام للمؤسسة الحاج علي الزين هناك تعاون جيد بين المؤسس ومؤسسات الدول ولا سيما مع وزارة الزراعة من خلال حملات التشجير وإقامة الدورات التدريبية للمزراعين، كما هناك بعض التعاون مع مجلس الإنماء والإعمار في مشروع إنماء الضاحية الجنوبية، ونحن نقم بدور رقابي وتقديم بعض الاستشارات والتقارير الفنية عن عملية التنفيذ لمجلس الإنماء والإعمار.
وهناك مجال تجدر الإشارة إليه يتعلق بعملية بناء المساجد والحسينيات في مختلف المناطق اللبنانية فقد أخذت مؤسسة جهاد البناء على عاتقها بناء مساجد وحسينيات كما ترميم قسم آخر منها فهي فضلاً عن تأهيل عشرات المساجد والحسينيات وترميم مائة مسجد وحسينية إثر حرب تموز عام 93 فقد أنجزت المؤسسة:
- ستة عشر مسجداً في منطقة بعلبك الهرمل.
- عشرة مساجد في منطقة البقاع.
- ثلاثة مساجد في منطقة البقاع الغربي.
- ستة مساجد في منطقتي جبيل والشمال.
- أربعة مساجد في منطقة بيروت.
- خمسة عشر حسينية في المناطق اللبنانية كافة.
أمام كل هذه الإنجازات التي تمت وتستمر مؤسسة جهاد البناء في تقديم المشاريع المتعددة والمتنوعة مستفيدة من تجاربها والخبرات التي حصلت عليها، أمام هذا الحجم من التقديمات والمشاريع يطرح تساؤل حول كيفية دعم هذه المشاريع وسبل استمرار هذه المؤسسة التي تساهم في بناء وتحصين مجتمع المقاومة عن سبل الدعم يقول الحاج علي الزين ليس لدينا مداخيل ثابتة هناك مداخيل تأتي من قبل بعض المتبرعين لبعض المشاريع، كما دفع بعض الحقوق الشرعية من قبيل الخمس والزكاة كما هناك مساعدات من بعض المؤسسات الإسلامية والجهات الخيرية بالإضافة إلى مساهمات من الجمهورية الإسلامية في إيران.
في الختام، لا يمكن أن تحيط هذه العجالة بكل ما أنجزته وتنجزه مؤسسة جهاد البناء، إلا أنها كما أشرنا في البدء تلقي ضوءاً على بعض إنجازاتها لتشير إلى أهمية ما أنجزت وأهمية الخط الذي سلكته، والذي يشكل فتحاً جديداً من فتوحات المقاومة، وتعبيراً عن حيوية هذا المجتمع الذي يقاوم الاحتلال بالاستشهاد والقتال والإيمان والبناء والتنمية، أنها مقومات أساسية من مقومات المجتمع الحر، المجتمع المقاوم.