اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

قصة: لن أعود(*)

هلا ضاهر


فتح أحدهم شقّاً ضيّقاً من نافذة الـ(jeep) العسكريّ وصاح:
- إنَّه غضبُ الطبيعة!
- تحوُّل مفاجئ من طقسٍ مُشمسٍ إلى هطول المطر.
- يبدو أنَّنا سنقاتل الطبيعة.
- لن نقاتلها، بل سنعود أدراجنا من حيث أتينا!


كان السيّد يستمع بانتباه إلى حديث الإخوة المرافقين له، وقد اكتفى بالإنصات دون أيّ تعليق، ثمّ وضع على عينيه نظّارتين سميكتَين وراح يراقب ما ترسمه الطبيعة من لوحات على جبال أفغانستان الوعرة.

تشكَّلت بحيرات نتيجة المياه التي تسرَّبت من شقوق الجبال، وانجرفت التربة من أعالي الجبال، فكوَّنت هذه الترسّبات سدوداً طبيعيَّة، وصل ارتفاع بعضها إلى ثلاثة أمتار.

لعلَّ أوَّل ما تبادر إلى ذهن السيّد هو الهدف الذي حضر لأجله. فبعد مشاركته في "المؤتمر الإسلاميّ في أفغانستان"، يوم أمس، رفض العودة إلى لبنان قبل أن يزور المجاهدين الأفغان المرابطين على الحدود الشماليّة، خلف الجبال الوعرة بجوار الصحاري الجرداء، فانصرف كلّ تفكيره إلى مَنْ يسكن هذه البقاع نفسها.

أمضى السيّد ومَنْ معه ثلاث ساعات على تلك الحالة إلى أنْ حسم الأمر أحد الإخوة بقوله:
- علينا العودة من أجل الحيلولة دون وقوع ما هو غير مرغوب فيه إذا غَرقت العجلات في التربة، فضلاً عن بدء تسرّب المياه إلى داخل الـ(jeep) وهذا يعني...

قاطعه السيّد بهدوء:
- سوف نتابع المشي سيراً على الأقدام بمحاذاة كَعْب الجبل.
- هذا محال! لقد قطعنا حوالي ثُلثي المسافة!
- سوف أُتابع السير وحْدي وبإمكانكم العودة.

خيّمت لحظات من الصمت على المكان. نظر كلّ من السيّد ورفيقيه إلى الآخر من دون أن ينبسا ببنْتِ شفَة. لم يطُل الأمر، فسرعان ما شرع السيّد في المسير عبر ممرّ ترابيّ بين صفّين من الصخور، وكأنّه يحفظ تضاريس المنطقة، ومضى الرجلان خلفه... إنّهما يعرفانه جيّداً، لن يعود حتّى يستنفد وسائل المعالجة الأخرى كلّها للوصول، والتجربة قيد البرهان!

فوجئت الجموع بوصول السيّد ومَنْ معه. وكان الأفراد يصطدمون بعضهم ببعض، وهم يتهافتون لعناق السيّد وتبادل القبلات، الكثير من القبلات، رغم أنّهم مذهولون أو يحلمون. إنّه سيّد المقاومة يقف بينهم.. في ذاك المكان الوعر، وفي ذلك المناخ القاسي.

دبَّت الحيويّة مجدّداً في أجساد المجاهدين المنهكة، فتسابقوا لإخباره عن الإنجازات الباهرة على أرض المعركة، وأصغوا بحرص واهتمام إلى كلّ كلمة ينطق بها، في محاولة منه لنقل خِبرته القتاليّة التي صدّعت استراتيجيّة العدوّ العسكريّة، وأدَّت إلى هزيمته تدريجيّاً مرّة بعد مرّة، ثم راح يشرف بنفسه على تعزيز المواقع الجبليَّة الحصينة قبل أن يودِّعهم وهو يعلم أنَّ هذه اللحظات لن تتكرَّر...

- إنَّ حضورك قد أدَّى غرضه، لقد شعروا بالبأس والقوّة. ثمّ انحنى أرضاً، جمع عدداً من الحصى الصغيرة ووضعها في جيبه وهو يقول:
- هذه الحصى المباركة جُبلت بدماء وعرق المجاهدين الصابرين، سوف أحتفظ بها للذكرى.


(*) مقتبسة من أحداث زيارة الشهيد السيّد عباس الموسوي (رضوان الله عليه) إلى أفغانستان ومشاركته في المؤتمر الإسلامي، في تاريخ 21/3/1990م.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع