هدى مرمر(*)
من اللافت اعتناء الشرع المقدس بلباس المرأة على وجه الخصوص وتناول القرآن الكريم بشكل مفصّل لحدوده على غير عادة في الأسلوب القرآني في تناول المسائل الجزئية بالتفصيل وما ذلك إلاّ لحفظ مكانة المرأة في الإسلام وقيمتها الإنسانية ونظراً للدور العظيم الموكل إليها كما الرجل تماماً في خلافة الله تعالى، وأن تتحرك للقيام بهذا الدور كإنسان وليس كأنثى في المجتمع وخارج إطار أسرتها ومحارمها، وما فرْضُه الحجاب عليها إلاّ ليكون هالة من القداسة يطوق بها رأسها وجسدها، فما بالنا نرى بعض نسائنا وفتياتنا يسئن إلى هذه الهالة ويضيعنها بثمن بخس؟
ومن خلال نظرة على واقعنا اليوم نلاحظ وجود ظاهرة غريبة عن المجتمع الإسلامي الملتزم، وهي ظاهرة الحجاب "على الموضة" والذي لا يخلو من أنواع الزينة اللافتة للنظر والمبرزة لمفاتن المرأة من خلال موديلات الثياب الضيقة والمزخرفة وذات الألوان الفاقعة، مع ما يعلو الوجه من المساحيق التجميلية والتزين بالحلي والذهب أو ما يعرف بالإكسسوارات وما إلى ذلك... فما محل هذا "الحجاب" في القرآن الكريم الذي فيه (الحجاب) إخفاء الزينة لا إظهارها، وستر المفاتن لا إبرازها؟ وما هو حكم تبرج المرأة في الإسلام وإبراز زينتها؟
* التبرج: ورد في لسان العرب عن معنى التبرج، أنه إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرجال، وإذا أبدت المرأة محاسن جِيدها ووجهها قيل تبرجت. ويدخل تحت هذا العنوان كل ما ذكرناه سابقاً والموجود عند معظم النساء هذه الأيام. أما الزينة فقد ورد في لسان العرب "والزينة في لغة العرب شاملة لألوان التجمل التي تلتصق بالبدن كالخضاب والكحل والتي تنفصل عنه كالمجوهرات والذهب"(1). وللوقوف على موضوع الزينة ومتى يجوز أن تبدي المرأة زينتها ومتى يجب أن تخفيها، نذكر الآية الكريمة في القرآن الكريم حيث يقول تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾ (النور: 31). فإلى جانب ذكر الخمار أي المقنع أو غطاء الرأس المنسدل على الصدر، ذكرت الآية الزينة في ثلاثة مواضع وهي على قسمين: زينة ظاهرة، وزينة باطنة.
الموضع الأول: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ وهي الزينة الظاهرة التي يجوز للمرأة أن تظهرها وهي كما جاء في التفسير: الوجه والكفان. وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه سئل عمّا تظهر المرأة من زينتها؟ فقال عليه السلام: "الوجه والكفين"(2).
الموضع الثاني: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ.....﴾، فحددت الآية المحارم أي الأشخاص الذين يجوز للمرأة أن تبرز زينتها أمامهم. ومن البديهي أنّ هذه الزينة محرّم إظهارُها أمام غير هؤلاء الذين شملتهم الآية الكريمة.
الموضع الثالث: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ...﴾ حيث كانت المرأة في الجاهلية إذا مشت في الطريق وفي رجلها خلخال، وضربت برجلها الأرض سمع الرجال طنينه ولفتت أنظارهم، فنهى الله تعالى عنه. وهذه من الزينة الباطنة أيضاً لأنها مخفية لا ترى إلاّ إذا لفتت المرأة نفسها الأسماع والأنظار إليها فأوقعتهم في الفتنة. إذاً التبرج هو إظهار ما يجب إخفاؤه من المحاسن. والزينة أمام الرجال الأجانب ما يوجب الشرع على المرأة أن تستره منها وهو محرم شرعاً، وبالتالي المرأة التي لا تراعي مسألة الحجاب الذي يريده الله تعالى لها تتحمل إثم تبرجها وفسادها وإفسادها للآخرين في المجتمع. واللافت أنّه في مجتمعنا يعد البعض أمور الزينة والتبرج للمرأة من التحضر والتمدن، بينما يصفها الله تعالى في معرض خطابه إلى نساء النبي صلى الله عليه وآله بأنها من العادات الجاهلية: يقول تعالى: ﴿... وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ (الأحزاب: 33)، حيث كانت المرأة في الجاهلية تبرز محاسنها أمام الرجال الأجانب.
* التقليد الأعمى:
إذاً، ما الذي يدفع بعض النساء المحجبات إلى التبرج بأنواع الزينة واتباع الموضة؟ وكيف يمكن فهم هذه الازدواجية؟ إذ كيف تكون المرأة محجبة وفي نفس الوقت متبرجة؟ فهي من جهة تريد تطبيق هذه الفريضة، لكن بالمقابل تريد الالتحاق بركب الموضة وأدواتها الفاسدة! وهي بذلك من حيث تدري أو لا تدري تؤدي خدمة جليلة لأعداء الإسلام الذين يهمهم إبعادها شيئاً فشيئاً عن التزامها الديني حتى يتمكنوا من نزع حجابها كلياً، ولربما لو أدركت هذا الأمر لأعادت النظر في حجابها ولباسها. وهنا إلى جانب غفلتها عن أمور الدين لا ننفي قوة الغزو الثقافي والإعلامي الموجَّه نحو مجتمعنا والمحاولات التغريبية الخبيثة والحثيثة التي تعمل لحرف المرأة المسلمة عن إسلامها وحجابها. ولوسائل الإعلام خصوصاً صورة المرأة فيها التي يدّعون تحضرها وتحررها تأثير كبير في نفوس الضعيفات من النساء اللواتي يحاولن تقليد الغرب تقليداً أعمى، خصوصاً ما يتعلق بأمور الموضة والتبرج، حتى باتت الموضة تدخل في أدق التفاصيل (النظارات، الأحذية، الجزادين، العدسات اللاصقة..)، إضافة إلى التقصير أو القصور في التصدي لهذه الظاهرة وإحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي مسؤولية كل القادرين عليها والعارفين بها ولا تقتصر فقط على العلماء الأفاضل.
* من آثار التبرج واتباع الموضة:
للمرأة دور هام في صون نفسها وحفظها وعفتها وصلاح المجتمع من حولها. ولذا، يكون التزامها باللباس الشرعي صائناً لنفسها ودينها ومجتمعها، وإذا انحرفت والعياذ بالله سينعكس ذلك أيضاً على نفسها ومجتمعها. إذ إنّ الحجاب رغم أنه مقدمة لأمور أسمى، لكنه بحدّ ذاته قيمة، وحفظ الحجاب يساعد المرأة ومن حولها على الوصول إلى مستويات معنوية عالية ويصونهم من الانزلاق في منزلقات الطريق. من هنا كان للتبرج آثاره السيئة، إذ إنه إضافة إلى أنه يوقعها في الإثم والمعصية، فإنّه يؤدي إلى الفساد والإفساد والوقوع في المشاكل الأخلاقية والاجتماعية والتربوية الخطيرة التي تعاني منها المجتمعات الغربية. إضافة إلى ذلك، فإنّ تفشي ظاهرة الحجاب غير الشرعي أو حجاب الموضة لها تأثيراتها السلبية على انحسار ظاهرة اللباس الشرعي، لأنّ أيّ ظاهرة طارئة ستكون على حساب الظاهرة الأصيلة. وهذا يستدعي معالجة جذرية، لأنّ هذا الأمر لا يعبر عن ظاهرة صحية في المجتمع الإسلامي، ومن المعلوم أنّ هوية مجتمع ما تعرف من خلال ثقافته وشعائره.
والحجاب بما هو شعيرة من شعائر الله تعالى إضافة إلى أنّه فريضة إلهية يعبر عن هوية المجتمع الإسلامي بشكل صريح وواضح، فلا ينبغي للمرأة المسلمة أن تكون عنصراً مساعداً لأعداء الإسلام على طمس وتغيير هويته الإسلامية. لذلك نطلقها دعوة إلى كل امرأة مسلمة أن تعي دورها جيداً وأن تأخذ من السيدة الزهراء عليها السلام قدوة لها، لا أن تستبدل بهذا النموذج العظيم، النماذج المشوهة الساقطة التي لن تأخذها إلاّ إلى الهاوية.
(*) مديرة معهد سيدة نساء العالمين.
(1) مختصر تفسير الميزان، ص426.
(2) الوسائل، ج14، من أبواب مقدمات النكاح، ص146، ب109.
(3) أجوبة استفتاءات الإمام الخامنئي 1999، الطبعة الأولى.