إعداد: محمود دبوق
الكتاب: حياة الإمام العسكري عليه السلام.
الكاتب: الشيخ محمد جواد الطبسي.
الناشر: مركز النشر مكتب الاعلام الإسلامي.
"حياة الإمام العسكري" عليه السلام و ليس كتاباً فقط بين أيدينا، إنما هو سيرة متكاملة لإمام مظلوم كغيره من الأئمة الأطهار عليهم صلوات اللَّه، حاول الكثيرون طمسها، فيما أعطاها آخرون بعداً آخر ككاتبنا فضيلة الشيخ محمد جواد الطبسي أيده المولى، محاولاً تسليط الضوء على حياة هذا الإمام المعصوم قدر الإمكان.
* شخصية الإمام العسكري عليه السلام:
حول سيرة حياته عليه السلام نوجز القول بقلم الكاتب حيث يقول: "لم يحفظ التاريخ لنا من حياة الإمام الحسن العسكري عليه السلام في ظل حياة أبيه الإمام الهادي عليه السلام إلا النزر القليل مما سجلته الروايات متجسداً بشكل أساسي في أربعة أحداث هي: ولادته عليه السلام، ووفاة أخيه محمد بن علي عليه السلام ثم قصة زواجه ووفاة أبيه الهادي عليه السلام. من هنا فإن الغموض ألقى بظلاله على معظم مساحة الاثنين والعشرين عاماً من حياة الإمام عليه السلام التي كان قد قضاها في ظل أبيه الهادي عليه السلام". ويعود فضيلة الشيخ الطبسي بذلك لأسباب عامّة وأخرى خاصة كان يحرص الإمام الهادي عليه السلام على الحفاظ على حياة الإمام العسكري عليه السلام من طواغيت السلطة العباسية آنذاك. وفي ولادته عليه السلام يؤيد الكاتب القول أنه ولد في سنة 232 وإن لم يُتفق على المكان. وفي قصة زواجه عليه السلام من نرجس جارية حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام وأم الإمام الحجّة عجل الله فرجه يظهر في الكتاب أربعة أقوال في كل منها قصة ملفتة يتوقف عندها المرء حقيقة لما يرى في ذلك من أسرار إلهية عظيمة. وفي الكتاب فصول عديدة حول الأقوال في عدد أولاده، وسمو مقامه ومنزلته في عصره وأخرى في مناقبه ومعالي أموره عليه السلام، إضافة للمأثور عنه في أصول الاعتقاد والفقه والتفسير.
* من معجزاته ودلائل إمامته عليه السلام:
عن أبي حمزة عن نصير الخادم قال: سمعت أبا محمد عليه السلام غير مرّة يكلم غلمانه وغيرهم بلغاتهم، وفيهم روم وترك وصقالبة، فتعجبّت وقلت: هذا ولد هنا ولم يظهر لأحد حتى مضى أبو الحسن ولا رآه أحدٌ فكيف هذا؟ أحدّث بهذا نفسي، فأقبل عليَّ، فقال: إن اللَّه بيَّن حجته من بين ساير خلقه، وأعطاه معرفة كل شيء، فهو يعرف اللغات والأسباب والحوادث، ولولا ذلك لم يكن بين الحجّة والمحجوج فرق (الخرايج والجرايح، ج1، ص436).
* رعايته عليه السلام لشيعته:
يقول الكاتب في تحذير الإمام عليه السلام لشيعته في السلام عليه: "ومما حذر شيعته أيضاً حفظاً على حياتهم: أنه أمرهم عليه السلام في يوم من الأيام قبل خروجه إلى لقاء المعتمد أن لا يسلم عليه أحد، بل ولا يشير إليه بيده، كيلا يُعرفوا فيقعوا في المهالك والأخطار، فقد روى المجلسي، عن علي بن جعفر، عن الحلبي قال: اجتمعنا بالعسكر وترصدنا لأبي محمد عليه السلام، يوم ركوبه، فخرج توقيعه: "ألا لا يسلّمن عليّ أحد ولا يشير إليَّ بيده ولا يومئ، فإنكم تؤمنون على أنفسكم" (البحار، ج50، ص269) هذه صورة ونموذج عن الحالة التي كان يعيشها الإمام وشيعته وتظهر شيئاً من المعاناة التي تعرضوا لها جميعاً على مر التاريخ.
* ثورات العلويين في عصره عليه السلام:
ثار الكثير من العلويين في عصر الإمام العسكري عليه السلام على النظام العباسي؛ إيماناً بأنه نظام غاصب للحق، ونتيجة للظلم والضغط الشديد، ومنهم: الحسين بن محمد بن حمزة المعروف بالحسين الحرون وقد حبسه المعتمد حتى توفي في سجنه، وعلي بن زيد بن الحسين وله قصّة ملفتة مع عسكر المهتدي بن المكيال في عسكره الضخم في ناحية من سواد الكوفة ويعتبر مثالاً للبطولة والشجاعة، ومنهم أحمد بن محمد بن عبد اللَّه الذي قتله أحمد بن طولون على باب أسوان، وحمل رأسه إلى المعتمد، وانتفاضة عيسى بن جعفر، وألقي القبض على آخرين وقضوا صبراً في سجونهم.
* موقفه عليه السلام من الانحرافات والبدع:
عملاً بقول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "إذا رأيتم أهل الرّيب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبّهم والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام" فقد استطاع الإمام العسكري وبالرغم من احتجازه أن يؤدي دوره كاملاً في الوقوف بوجه تلك الانحرافات والمبتدعات من العقائد والآراء الفاسدة، ومن مصاديق موقفه عليه السلام على هذا الصعيد: موقفه من الصوفية التي تبرأ منها وقد أغرت البسطاء من المسلمين تحت ستار الإسلام ومبدعها ومؤسسها هو أبو هاشم الكوفي، وكذلك موقفه من الواقفة وهي من الطوائف الضالّة المنحرفة وقد وقفوا عند إمامة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام. وأيضاً موقفه عليه السلام من الثنوية الذين يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان، ومن المفوّضة كان له عليه السلام موقفٌ، وهم الذين يعتبرون أن اللَّه خلق محمداً وفوّض إليه خلق الدنيا، وهو بهذا كغيره من الأئمة المعصومين في التصدي لكل البدع والانحرافات التي تهدد الإسلام وعقيدته الثابتة.
* الدور الخاص:
إضافة إلى المهمات والمسؤوليات العامّة للإمامة التي نهض بها الإمام عليه السلام كان له دورٌ متميز اختص به عليه السلام، وهو دور الإعداد العملي لمرحلة إمامة ابنه الحجّة عجل الله فرجه، وكان من هذا الدور ما يرتبط بالتمويه على السلطان الجائر، الذي يرصد كل حركة وسكنة في مراقبة بيت الإمامة، حذراً من الوالد وخوفاً من الوليد، وقد أخفى الإمام عليه السلام كل دلائل ولادة الحجّة عجل الله فرجه ولم يورد له ذكراً في أي وثيقة قانونية رسمية، ومن أطراف هذا الدور وأبعاده ما يرتبط بالأمّة وبالشيعة خاصة، في التأكيد على ولادته والتصريح بإمامته وتهيئة لمرحلة الغيبة، والمعلوم أنه لم يمضِ على ولادة الحجّة عجل الله فرجه ثلاثة أيام إلا وقد عرضه على الخلّص من أصحابه، بعد أخذ التعهد منهم بالكتمان.
* على فراش المرض:
مرض أبو محمد الحسن عليه السلام في أول شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين وقد اختلف في شهر شهادته ويومها من السنة المذكورة، وهناك أقوال عديدة في ذلك، وقد اتفق كلّ من الشيخ الصدوق والكفعمي أن الإمام عليه السلام قتل مسموماً، وقد قتله المعتمد، وبانتشار خبر ارتحال الإمام العسكري، دخل قلوب الناس حزنٌ وغم شديد من ذلك، وعطلوا الدكاكين والأسواق، وخرجوا باكين لاطمين على رؤوسهم وصدورهم مسرعين إلى بيت الإمام، لتشييع جثمان إمامهم الغريب، حيث مثواه الأخير.
* الإمام الحجّة عجل الله فرجه يصلي على أبيه:
"روى المجلسي... عن أحمد بن عبد اللَّه الهاشمي من ولد العباس قال: حضرت دار أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام بسرّ من رأى، يوم توفي، وأخرجت جنازته ووضعت، ونحن تسعة وثلاثون رجلاً قعود ننتظر، حتى خرج علينا غلام عشاري، حاف، عليه رداء قد تقنع به، فلّما أن خرج قمنا هيبة له من غير أن نعرفه، فتقدم وقام الناس فاصطفوا خلفه، فصلى عليه ومشى، فدخل بيتاً غير الذي خرج منه" (البحار، ج2، ص5).
* الحوادث المؤلمة بعد استشهاد الإمام عليه السلام:
يذكر الكاتب حوادث مفجعة ومؤلمة بعد استشهاد الإمام العسكري عليه السلام تقشعر منها الجلود ومنها: تفتيش بيت الإمام، إذ لم تمضِ لحظات على ارتحال الإمام عليه السلام إلا وحوصرت الدار من قبل رجال المعتمد فحاصروها وأخذوا يفتشون حُجَر البيت وزواياه طالبين أثر ولده، وجاءوا بنساء يعرفن الحبّل بغية معرفة وليده الذي يهدّد عروش الطواغيت، أضف لمسألة تنازع جعفر الكذاب مع الجدّة حول الميراث، وقال المفيد في الإرشاد: "وتولى جعفر بن علي، أخو أبي محمد عليه السلام، أخذ تركته، وسعى في حبس جواري أبي محمد عليه السلام، واعتقال حلائله، وشنع على أصحابه بانتظارهم ولده وقطعهم بوجوده والقول بإمامته، وأغرى بالقوم حتى أخافهم وشردهم وجرى على مخلّفي أبي محمد عليه السلام بسبب ذلك كل عظيمة من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذل، ولم يظفر السلطان منهم بطائل..." (الإرشاد، ص325 وعنه البحار، ج50، ص334). يقع الكتاب في 428 صفحة من القطع الكبير يحتوي السيرة في نحو من التحقيق لهذا الإمام المظلوم. فالسلام عليك يا مولانا يا أبا محمد الحسن بن علي العسكري، وما أحوجنا إلى الاعتبار من سيرتك وسيرة آبائك الطاهرين في هذه الأيام العصيبة والمقبلة التي يتعرض فيها ضريحك الشريف لأبشع اعتداء وضريح مولانا الإمام الهادي، وعسى اللَّه أن يرحمنا بكم فأنتم الملاذ أحياءاً وشهداءاً.