مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

حدث معي‏: علّمني أبي درساً

د. حيدر خير الدّين‏

 



كنت في الرابعة عشرة من عمري، وكانت زميلتي في الدراسة بمثل سني، وكنا نلاطف بعضنا ببراءة حتى أخذت جلّ اهتمامي، وبتّ أتأخر في الدراسة شيئاً فشيئاً دون أن أشعر بذلك، وفي يوم من الأيام طلبت مني زميلتي أن أكتب لها شعراً، ومن أين لي ذلك وأنا لا أجيد الأوزان ولا أستطيع السباحة في بحور الشعر؟

فأخذت قلمي وحاولت أن أقلد الشعراء، وطويت ورقتي في حقيبتي المدرسية ونمت أحلم بلقائها في الصباح التالي، ولكنني استيقظت على أبي وهو يقلب بين يديه كتبي، وهالني أن رأيته يتصفح ما كتبته من شعر وغزلٍ، فدعاني إليه وهو يحملق فيّ كأني اقترفت ذنباً كبيراً، وأنا مربك جداً، بم سأبرّر له صنيعي هذا وهو الذي يسهر الليالي لكي أتعلم؟ ولما اقتربت منه بحياءٍ ووجل ربّت على كتفي مبتسماً: "يا ولدي، يؤسفني انك لا تجيد كتابة الشعر، وأنت في المرحلة المتوسطة"، وأخذ يشير إلى أغلاطي الإملائية متأففاً، ثم التفت إليّ، وأنا مذهول مما أراه وأسمعه، سيّما أنه ابتدرني بالسؤال: ما اسم المحروسة؟ فقلت له "منى" فقال لي حسناً، آتني بورقة وقلم، فلما أحضرتهما قال لي اكتب:

عزيزتي منى،
كتبتُ كتاب الشوق مني إليكِ‏
وفي أملي أن أعودُ إليكِ‏

فإن لم تقبليني حبيباً لكِ‏
أموت غريباً والسلام عليكِ‏
أكتب أيضاً يا ولدي:
كتبت إليك يا زين الملاح‏
على ورقٍ يطير مع الرياح‏
وكيف أطير إليك شوقاً
وأنا للأسف مقصوص الجناح‏


ثم أمرني أن أشتري ظرفاً منمقاً ووردة حمراء، وأن أضع رسالتي هذه ضمن كتابٍ أعطيه لها "لأن كل ذي نعمة محسود" فامتثلت للأمر، ولما استفاق إخوتي واستعدوا للذهاب إلى المدرسة، قال لهم اسبقونا، "أنا بدّي وِّصل حيدر"، وفي الطريق وضع أبي يده على كتفي كأنه صديقي وأخذ يقول لي: "يا بني الهوى مرض ليس فيه أجر ولا عوض، يا بني إذا دخل الحب من الباب طار العلم من الشباك، يا بني، أُغدُ عالماً يحتاجه المجتمع لا عائلاً يحتاج المجتمع.عليك بدراستك، ودع ما في الصبا لكونه سراباً. وختم قائلاً: "إتفقنا"؟ فقلت: "إتفقنا" ولما قفل أبي راجعاً وعندما وصلت إلى أول سلّة مهملات رميت الرسالة فيها دون أن التفت إلى الوراء وأخذت أحدث نفسي، بأسلوبه الرائع، وطريقته المقنعة وحواره الهادئ، وتعبيره الحنون، مع أنه لم يقرأ كتب الفلاسفة وإنما كان يردد أمامي: "من فاتته المدارس عليه بالمجالس".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع