مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

من سلمان رشدي إلى "جولاندز بوستن" خطوات منهجية في سياق صِدام الحضارات‏

موسى حسين صفوان‏

 



إنها الحرب... وفي الحرب التي تخوضها الداوئر الإستكبارية، ويكون عنوانها المصالح الإستعمارية، تتنحى القيم والمبادئ الإنسانية جانباً، وتطفو على السطح الطباع الذئبية التي تستبيح كل المحظورات وتسقط كل المحرمات من أجل الفوز بالجولة الأخيرة... الجولة الأخيرة باتت اليوم أقرب من أي وقت مضى، لذا فليس يجدينا كثيراً التحاكم إلى قوانين محكمة العدل الدولية، والضمير العالمي، ومبادئ الليبرالية والأعراف والمبادئ الدبلوماسية، فالعالم اليوم يتجه نحو الأزمة المستعصية... وعلينا أن نتوقع أكثر بكثير مما تعودنا من تجاوزات لتلك المبادئ، وعلى يد من يعتبرون أنفسهم أربابها وواضعيها وأشرس المقاتلين لتعميمها على بقية الشعوب...

*إسقاط المحرمات‏
بعد نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول صلى الله عليه وآله ارتفعت أصوات الاستنكار من مختلف البلدان الإسلامية... ومع ذلك، وبشكل يدعو إلى المزيد من التساؤل، قامت العديد من الصحف في فرنسا وبريطانيا وعامة البلدان الأوروبية بإعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وآله، مما يوحي بوجود دوائر سياسية تهدف إلى تحقيق أغراض خبيثة، تصب في مصلحة المتغيرات السياسية والثقافية في العالم... والحقيقة أن قراءة سلسلة من الوقائع المماثلة ترجح وجود مخطط لإسقاط المحرّمات الدينية خاصة المتعلقة بالمسلمين، فمنذ إصدار المرتد سلمان رشدي كتابه "آيات شيطانية" حصلت الكثير من الإعتداءات على المسلمات الإسلامية، ويكفي أن نذكر منها ما حصل بعد الغزو الأمريكي للمنطقة؛ فقد كانت البداية في امتهان كرامة السجناء في سجن أبو غريب. ثم تعمد تدنيس المصحف الشريف في سجن غوانتانامو وقضية منع الحجاب في فرنسا، إضافة لقضية منع محطة المنار من البث عبر الأقمار الصناعية الأوروبية... والواضح في كل هذه الممارسات أنها تحاول المس بكرامة الإنسان المسلم ومقدساته خلافاً لكل الأعراف الليبرالية المعمول بها في تلك البلدان، ورغم أن دوائر الاستكبار تتوقع موجات عارمة من الاستنكار لهذه الأعمال المتنافية مع أية أعراف ومبادئ حضارية، إلا أنها تصر عليها بحجج واهية. والحقيقة أننا لا يمكن أن نفهم خلفيات وأبعاد هذه الإعتداءات ما لم نعرض ولو بشكل موجز المشهد الثقافي في عالم اليوم، والذي لا ينفك عن حقيقة ما يجري. مما يؤكد على وجود مخطط إستكباري ماكر يهدف إلى إسقاط المحرمات الدينية، تمهيداً لإسقاط المحرمات السياسية فيما يتعلق بالبلدان الإسلامية خاصة.

*المشهد الثقافي‏
في هذا المجال يجدر بنا التأكيد على أن التمازج الثقافي، والحوار بين الحضارات من شأنه أن يكسر الحواجز النفسية المتراكمة، ويمسح ما يمكن أن يطلق عليه رهاب الإسلام (إسلاموفوبيا) أو العداء المسبق للإسلام، وهذا ما شهدته الساحة الثقافية العالمية على أكثر من صعيد... ومن تداعيات هذا التطور الثقافي، أنه يحاصر المشاريع السياسية الاستكبارية كما شاهدنا في المعارضة الشديدة في الشارع العالمي للحرب على العراق، وإذا افترضنا أن المشروع الاستكباري الأمريكي ما يزال بحاجة إلى ضربات عسكرية أخرى في منطقتنا الإسلامية، فإننا نستطيع أن نفهم إلى أي مدى يحتاج المشروع الاستكباري إلى ترسيخ الفرز العنصري وتثبيت الكراهية غير المبررة للإسلام والشعوب الإسلامية في صميم الذوق العام الغربي... وفي إطار التمازج الحضاري يمكن أن نقرأ:

1 - امتداد الجاليات الإسلامية في الدول الأوروبية والولايات الأميركية وتفاعلها بشكل إيجابي وحضاري مع محيطها مما جعلها تخلق أجواءاً ثقافية تعمل لمصلحة الإسلام.

2- توسع الانتشار الإسلامي الثقافي والبشري مما ينذر بتغيرات ديموغرافية على مستوى البلدان الأوروبية، مما جعل بعضهم يصرح بأنه لا يقبل أن يحصل المسلمون بالتوسع الديموغرافي في البلدان الأوروبية على ما عجزوا عنه بالفتوحات العسكرية.

3 - انتشار الفضائيات الإسلامية التي تبث باللغات الحية الأوروبية والتي تظهر بشاعة الإعتداءات الأمريكية والإسرائيلية وتنزع مبررات دعم هذه الاحتلالات.

4- محاولة كسر الثوابت اللامنطقية والقائمة على أساطير وتخرصات تاريخية تهدف إلى تحقيق مصلحة العدوان الصهيوني والأمريكي فيما يتعلق بالمحرقة اليهودية (الهولوكوست) وقد أثارت تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد موجة عارمة في هذا المجال، أدت على الأقل إلى وضع مسألة (الهولوكوست) على طاولة التشريح والنقد، ومهما كانت مواقف الدول والمؤسسات السياسية بهذا الخصوص، فإن فضول الباحثين لن يتوانى عن الغوص في تفاصيل الأحداث ولا يلبث أن يكتشف حقيقة الأمور مما يؤدي إلى تقويض أهم دعائم المشروع الصهيوني.

*ردّات فعل مدروسة
على ضوء ما تقدم، وهو بعض ما تعج به الساحة الدولية من وقائع في هذا المجال، تقوم الدوائر الاستكبارية منذ فترة، وخاصة بعد الاستطلاع الذي قامت به (اليوروميد) العام الماضي والذي أظهر مقدار الاستياء من السياسة الأمريكية والسياسة الإسرائيلية؛ تقوم هذه الدوائر بجملة من السياسات بهدف تثبيت الركائز التي تخدم المشروع الاستكباري، وارساء الحواجز النفسية بين المجتمعات الشرقية عموماً والمجتمعات الغربية، وتضليل الرأي العام العالمي، وأهم الوقائع في هذا المجال:

1- منع الحجاب، ومنع أية شعائر إسلامية من الظهور بحجج واهية تتعارض مع منظومة حقوق الإنسان.
2- منع بث تلفزيون المنار وغيره من المحطات المؤثرة في الجو الثقافي العام، وآخر هذه الإجراءات ما قامت به السلطات الهولندية منذ فترة وجيزة حيث قررت تعليق بث قناة المنار وقناة سحر الإيرانية بحجة أنهما تحثان على الكراهية، وقد أعلن وزير العدل في هذا المجال أن السلطات الهولندية وضعت قناتين أخريين تحت المراقبة للأسباب نفسها، وهما قناة "العالم" الإيرانية، وقناة "إقرأ" التي تبث من السعودية. ومما يؤكد أثر التبادل الثقافي على المشاريع السياسية، ارتفاع أصوات عديدة تستنكر الهمجية الغربية في التعاطي مع قضايا العالم ومنها قضايا الشرق الأوسط، ليس آخرها ما أعلنه المغني الغربي "هاري بيلافونت"، حيث اتهم الرئيس الأمريكي بوش بأنه إرهابي.

*السعي لافساد الذوق العام‏
وخلاصة القول في هذا المجال إن المشاريع الاستكبارية التي تبدأ من أمريكا وتنتهي عند العدو الصهيوني بحاجة إلى حملة ثقافية تبدد المساعي الخيّرة التي أنجزت حتى الآن الكثير من عناصر التلاقي بين الشعوب الغربية والشعوب الشرقية، بهدف الإستمرار بمشاريعها العدوانية في المنطقة، وغير منطقة من العالم... وأهم ما تسعى هذه الدوائر لتحقيقه، هو افساد الذوق العام، وتحويله إلى مزاج عدواني اتجاه المسلمين والشرقيين عموماً أو على الأقل تركيز وإرساء مشاعر اللامبالاة حيال ما يجري في هذه البلدان. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، ترمي هذه الممارسات المقصودة والمدروسة إلى إفساد الذوق الإسلامي... وترويض ردّات الفعل، لدرجة يصبح فيها الاستنكار مجرد وجهة نظر لا تستطيع التأثير في مجريات الأمور، تماماً كما حصل في العديد من الأمثلة السابقة، ليس آخرها إيذاء مشاعر المسلمين لجهة المجازر اليومية في فلسطين والعراق.

*سيناريوهات محتملة ولكن يبقى السؤال: إلى ماذا تهدف أمريكا ومشروعها الإستكباري من هذه الحملة؟..
من السيناريوهات المحتملة استهداف المسجد الأقصى، في إطار خطة رسم حدود إسرائيل النهائية التي صرح بها شاؤول موفاز، ويمكن اعتبار ما نشهده من استهداف للمقدسات مقدمة لتهديم المسجد الأقصى، فليست حرمة المسجد الأقصى بأعظم لدى المسلمين من حرمة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله. هذه ربما تكون بعض الأهداف التي يرمي إليها المشروع الإستكباري الأمريكي والغربي عموماً، ويبقى السؤال: ماذا ينبغي علينا أن نفعل؟ وفي الجواب على هذا السؤال هناك الكثير مما يمكن أن يقال ولكن كلمة واحدة ربما تضعنا على الطريق الصحيح: قال تعالى: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ. وقال سبحانه: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع