نغمة على شفاه الوطن
مهداة إلى شهيد الاستقلال علي بهيج شمس الدين
على صهوة الليل أتيت، أكفكف الدموع، ألوّن صفحات الزمن بأقحوانة حمراء
هي الزغاريد، هي عنادل بنادق المقاومين تُطلق نغمة أملٍ ندي على شفاه الوطن لترسمها عزاً جنوبياً ونصراً تشرينياً..
آنستك روحاً هائمة فوق شطآن الزمن.. خلدت ذكراك رمزاً للأباة في تحدي المحن..
قلبك عطر فاح من أريجه الزهر... يعبق كالريحان أقحوانة للدهر
كالنور مكتملاً في ليلة البدر
نظرتك من بعيد أتلمس رسمك وجدت النور يشع من مقلتيك
وذابت روحي وهمست همتي بلؤلؤ وجنتيك
فأنت الوسام ونعم الوسام موشحاً يكلله الغمام ويضعه النصر عليك
يا بهجة القلب المؤنسة في عتمة الليل الدامي
يا شعاعاً خطه النحر بالدم الأحمر القاني
إليك يا علي... إليك أسرج كلماتي
إليك.. إليك أهدي كل تحياتي
فسلام لجسدك الذي تمايل وتأرجح على مدار الأزمنة
سلام لقلبك الوهاج الذي رفض الذل وأبى الموت ﴿أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾
سلام لروحك التي طلقت الدنيا وذابت في الشهادة وحلقت في جنان الخلد حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر...
وإلى الملتقى...
أحمد حسين حمادي
*****
مشتاقة إلى زينب
سيّدتي يا زينب الحوراء..
سلامٌ من الباري عليكِ..
ها أنا ذا أراكِ في أرض كربلاء..
تُظلمين.. بين أنظار الأعداء..
أراكِ مفجوعةً بسيد الشهداء..
حزينةً مهمومة في دنيا الشقاء..
فأناديكِ.. والقلب يتفطّر..
شوقاً إليكِ..
وألماً عليكِ..
يا زينب.. يا زينب.. يا زينب..
خذيني إليكِ..
اجعليني بين يديكِ..
يا سيدتي..
إنّ الفراق عنكِ يُنعت بالقاسي..
والبعد عن عينيك يزيد المآسي..
أهواكِ يا ابنة حيدر
أهواكِ يا ريحانة الوجود..
يا ألماً بالدموع يجود..
مولاتي.. وسيدتي..
الحنين إليكِ.. في ازدياد..
والجسد عنكِ.. في ابتعاد..
متى الفرج؟ متى اللقاء؟
يا غالية.. يا ابنة الزهراء..
يا مَن رفضت المصائب..
إلا أن تكون لها أُمّا..
يا من أبت النوائب...
إلا أن تعشقها عشقاً جمّا..
سيدتي يا زينب..
تقبّلي سلام محبةٍ لكِ..
هي حقاً مشتاقة..
لحضنكِ الحنون..
لصوتكِ العطوف..
لقلبكِ الطاهر..
ولعينيكِ الدامعتين..
فسلامٌ عليكِ..
يا عزيزة عليّ والزهراء..
يا عيون العباس يا حوراء..
فسلامٌ عليكِ..
يوم ولدتِ.. ويوم استشهدتِ..
يا زينب..
فاطمة بحسون ملاّح
******
أنتم تغزلون النّور... حكاية
مهداة إلى شهداء الاستقلال و الشهيد ملحم سلهب
أنتم تغزلون النّور حكاية
تحبكون قصّة عزّنا المتألّقة
تبهروننا رغم عتم ليالينا
تمزّقون سكوننا الرّديء في زمنٍ تاه بنا في سراديب الفناء
تخترقون جمودنا المذهول فتعلون وترتفعون...
تقهرون الموت وتسحقون العدم لترتفعوا منارات عزّ وإباء
تشرّعون بسواعدكم منافذ الضّوء على دهاليز ضاقت بنا وتدانت فَعَلَت بكم أجنحة تسبح بآفاق الخلود، تجذّف في لجّة أيّامنا الآسنة نحو ضفاف النجاة...
أسطورة المجد أنتم في زمنٍ عزّ فيه الرّجال
أمراء تتربّعون على عرش القلوب...
هامت الأرض بفوارس امتطت أحصنة الشّوق إلى العلا
تماهت الأغصان مع ألوان بزّاتكم وانحنت لتتلمّس قبضاتكم التي أشرق العزّ من بين أصابعها، إذ خطّت للزمن الآتي ملاحم البقاء...
تغنّى الليل بمسراكم فيه وتنعّم بأنفاسكم المكتومة بين أستاره المسدولة على رؤاكم المجبولة بالنّور...
ترتادون الحلم
يلتحم بالأرض فينصهر... وترحلون، تخطّون
الحرف الأوّل من أبجديّة الخلود
تعزفون ترنيمة العشق للمعبود
تعرشون شتائل مجدٍ وغار
تنبتون في ذاكرتنا المتصدّعة، لتقرع في كل لحظةٍ:
"حيّ على خير العمل"
تغادرون بلا مراسم، ترحلون في كلّ المواسم
تودّعون... لتلجوا بطن الأرض التي عشقتم
فلتهنأوا ولترقدوا عميقاً...
حسبكم أنّكم لبّيتم دعوة الداعي إلى اللَّه.
أمّ عزيزة
*****
أنت كل الشهداء
مهداة إلى الشهيد القائد رضا الشاعر وأبطال ملحمة الغجر الأخيرة..
ما زلنا أوفياء لنهجك يا أبا محمد
يا دعوة الحقّ التي جاء بها دين محمّد..
يا نفحة القربانِ عند سيفِ إبراهيم لم تتردّد..
يا نداء يوسف من بئر آلام توسّد..
في أي دواةٍ أغرس ريشة النور إذا رسمتك!؟
وأين أعيدُ ترتيبَ روحي إذا لقيتك!؟
وكيف أُلملمُ أجزائي عند مقام كلك!؟
يا سيد قلبي وعمامة أفكاري! أسيرةٌ أنا لنظرةٍ من عينيك..
فقم أسرج قناديل العمر بالزيتِ الأحمر، أنسج ظلال العزّ بالعلم الأصفر...
ليصير النور بوزن الخلود.. وقدس القضية..
أسبغ من شفاهك نشوة كلام قراحٍ خالصٍ..
ونجوى تخلق السمع في الآذان..
لو أني عرفتك ما كتبت عنك.. لأن هذا الحبرَ لا يليق..
وهذا النسيج لا يصنع إلا ثوباً عتيقاً..
وهذا القلم لا يجرؤ على سبر أغوار الحكاية..
لأنها خاصةٌ خصوص العروج.. ودقيقة دقة الصراط..
تتجلى أنت في عيني مع كل شهيد جديد.. أراك فيهم... أناديك، أناغيك، أغسل ذنب البعد عنك بدموع الهيام..
وشوقٍ يمزّق النوم في عيني..
شيّعتك من جديد وودعتك من جديد.. لأني آمنت بأنكم نورٌ واحد بأسماء متعددة..
فالشهداء كلهم أنت.. وأنت كل الشهداء.. وكلكم من حسين وحسين من محمد..
مقررون أنتم متى تأتون ومتى تغادرون..
متى تسلبون النوم من عيون عدوّكم؟ ومتى ترسلونه في نوم عميق لا رجعة منه!
تحدّدون أنتم متى يقلقون ومتى يهدأون..
لأن قطب الرحى بأيديكم والعشق رائدُ مسيرتكم.. والليل كهف أسراركم.. والفجر قالب دعائكم..
فمن أركان صلاتكم ركوعٌ وسجود.. وعينٌ على الغراب إذا فكر بالنعيق فوق أرضكم..
واليد على الزناد يحرّكها أمر قائدكم..
تحددون أنتم لون الشروق ولون الغروب... والشمس مذعنة راضية..
فالذي جعلها تشرق وتغيب هو الذي أوحى: "أن للَّه رجالاً إذا أرادوا أرادَ".
فاطمة رضا الشاعر
*****
زينب العَلَوية عليها السلام
منذ متى وأوهام السادرين ترقى لوصف عابدة آل علي عليه السلام!؟
ومن أين لعقول المغترين، أن تتلمس همسات بضعة الزهراء عليها السلام؟
وأنّى يجد القلم الجرأة ليحصي كلمات خطّت ودم الحسين عليه السلام معالم الوجود؟
إن القلم لو لم يعيه الحياء، لأعجزته حبات التراب الحاملة ظلاً للعقيلة ثقيلاً في خفته موتِّداً ميدان كربلاء في التاريخ.
وجرى النداء الإلهي، من دم سبط الرسول محمد صلى الله عليه وآله، عام ستين للهجرة: "ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منّا الذلة، يأبى اللَّه لنا ذلك ورسوله والمؤمنون".
ومنذ تلك اللحظة استعمل الحق سلاحاً جديداً في معركته ضد الباطل، وألقت يد اللَّه عصاها على رمضاء كربلاء، فتوكأت عليها يد الإسلام لتتقي شر السقوط... هذا السلاح سمّته إرادة اللَّه من قَبْلُ زينب عليها السلام. عندما وُلدت كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في سفر، فانتظر علي عليه السلام عودته ليسميها هو، وعندما عاد صلى الله عليه وآله وضعها بين يديه في القماط وانتظر جبرائيل عليه السلام، الذي نزل حاملاً إرادة اللَّه: زينب... يُروى أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قبّلها، حين ذاك، ووضع خده على خدها فانهمرت الدموع من عينيه المباركتين على وجنتها وقال: "هذه شريكة الحسين في المصائب". وتربت... كشجرة طوبى في بيت علي عليه السلام تتنشق ريح الوحي في كل نفس، وتُحس يد اللَّه في كل نبضة قلب، رأت الدنيا سافرة الوجه قد خطفت صوت الوحي، وأسكتت لسان الصدق. رأت الدنيا تُلزم أباها بيته، وتعصر صدر أمها بالباب وتقتل أخاها محسناً، ورأتها تدمي محراب علي عليه السلام ثم تُفتت كبد الحسن عليه السلام. كل هذا لتتهيأ على يد اللطف الإلهية. أرومة الرقة والحنان وقلعة الإصرار والصبر كانت تُعد بيد القدرة الإلهية للمهمة الآتية.
ولتستطيع حمل النداء رأت الحقيقة تُتهم بالهجر في رزية الخميس، وتُقمع دموعها في بيت الأحزان ورأتها تُخذل وتُقتل وتُسمّ وتُظلم!... لكن يوم العاشر كان مختلفاً؛ السماء تبكي دماً، والأرض تكاد تبيد، والوجود يخسر كيانه، رأت آنذاك رأس الحسين عليه السلام على القنا مرفوعاً ونحر الحسين مقطوعاً، وصدر الحسين ! رأت بأم عينها خزانة الأسرار تدوسها حوافر الخيول، غير آبهة بموضع خد الكرار وشفة المختار وآمال الزهراء البتول عليها السلام! ومع ذلك وقفت بنت علي عليها السلام لتنادي على مسمع الكائنات: "ما رأيت إلا جميلاً". لأنه قربان إلى الحبيب ورسالة عشق من منتهى عشق القلوب. حملت ثالثة الحسنين بصبرها وشموخها وحجابها وعفافها وعزمها وقوة منطقها وإيمانها حملت نداء الحسين عليه السلام لتكمل الطريق. لقد قامت بما كان سيبذل زين العابدين صلوات اللَّه عليه دمه ونفسه في سبيله. نسيت نفسها، مشاعرها، آلامها، مصائبها، وانكسار قلبها، ووقفت تواسي الحسين عليه السلام بفقد علي الأكبر، ثم تواسيه بفقد إخوته، ثم تقدم له جواد المنيِّة... ثم تحدوه بعينين جمعتا في حدقتيهما كل الأضداد، ثم... لماذا كانت آخر عطشان في مخيم الحسين عليه السلام يشرب؟ ولماذا كانت آخر مسبية ظهرت على ظهر الناقة؟ لماذا لم تشق جيباً ولم تقف موقف ذل أو ضعف أو هوان واحد؟ لأنها كانت في حياتها "الحسين" في شهادته: هو كربلاء الصارخة بالدم، وهي كربلاء الناطقة برباطة جأش علوية، وحجاب أسود من فولاذ، ولسان من عزم، وقلب من إرادة.
راية الحسين عليه السلام، عندما قُطعت كفا أبا الفضل، لم تسقط، حملتها زينب. وعزة الحسين أشمخ من أن يدانيها التراب، ولئن بقي الجسد الشريف على الرمضاء، فقد سكنت في رفعة جبين زينب... فيها طويت كل الآيات، كل المعاجز، كل الجبروت، كل القوى، كل الكرامة، صارت شريكة للحسين عليه السلام في كربلاء... ووقفة الحوراء في وجه ابن زياد وفي وجه ابن آكلة الأكباد، أعلنت انتصار الحسين عليه السلام، المنطق الزينبي كشف عن حقيقة الوجود القناعَ، وكشف الأستار عن عالم الغيب، لقد أرت العقيلة كل الناس معدن العظمة. ادخر علي عليه السلام ظلها ليوم العاشر لتظلل به درب الإسلام، للسالكين طريق العزة إلى محضر القدس. فسلام على العزم في قلبها، عرش اللَّه...وعلى الصبر في صدرها، موضع سر اللَّه... وعلى العشق في كربلائها، مظهر العزة الإلهية...
وسيم شريف*
*طالب في حوزة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله