إلى عريس الشهداء: هادي نصر الله
عندما أردت القول فيك، خامرني الشوق إليك، فمخرت نفسي في عباب صبابتها تبغي الوصال منك، تنشد غائباً يحضر الوجدان وباطناً يتجلى في آنات الزمان سلوكاً وجهاداً ودماً، تنشد طيفاً يساورها يشحذها عزماً وصبراً. كلماتي همت من يراعي تتراقص على أنغام معناك، يشدها الوجد لمحاكاتك. لله في محراب الشهادة كيف يخشع اللباب ويسمو الفكر وتتواضع الكلمات ويهيم الجنان ولهاً ويتيه الخيال في كنف القداسة مكتنهاً آفاق الملكوتية في سر هداتك؟ لله في محراب الشهادة، كيف يتروحن المرء بين حنايا المادة فإذا بـنشأة أخرى وجوهر آخر تماهٍ في المطلق تناهٍ في التحقق، تماثلٌ لا بالتشابه وتماهٍ لا بالتجانس. شهادتك وإخوانك في قوافل الكرامة والإباء معلمٌ فارق في زمان الانحدار والسقوط، وسراج نيّر في ليل أليل غشّت دياجيره آفاق حياتنا، وصرخة حق تصدّع آذان الطواغيت وتؤرق أحلامهم. شهادتكم هي انبجاس لعظمة الجهاد والعنفوان المتلجلج بين ضلوع الأمة، هي ومضة من بريق نور الحق يكشح ظلمات الباطل، هي محاكاة لماضينا العظيم حيث تتصاغر الأحساب والأمجاد أمام عطاء الدم وسفك المهج رخيصة على مذبح الشهادة. في انتهاجك وإخوانك درب ذات الشوكة، اختزالٌ للمسافات بين الماضي والحاضر، فإذا بحاضرنا يعانق ماضينا وماضينا جهاد وتضحية و...كربلاء. نعم لقد أجاد أبوك قراءة سِفر جده الحسين عليه السلام في كربلاء، وسفر الحسين عليه السلام صعب مستصعب لا يخوض لجاجه إلا الرجال الرجال ولا يغوص عبابه إلا العارفون بسرّه وغياهبه، وهؤلاء هم خاصة أولياء الله وحلية أبراره. وإلى أبيك فقد اهتدت أمّك لمصفّى العسل إذ نذرتك للشهادة تماماً كما أجاد السِفر أبوك وحظه من معينه وافر وفير، فإذا كان الوفي كجده الحسين عليه السلام في جهاده وتضحيته فهو الأمين في تقديم فلذة كبده وحبة فؤاده كما قدم الحسين عليه السلام فلذات كبد بين يديه صرعى على مذبح الإيمان والشهادة. نعم، أيها السيد المجاهد، لقد سجّلت وباستحقاق المفارقة الكبيرة والصارخة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، إذ ولأول مرة وعلى امتداد هذا الصراع الطويل يقدم فيها قائد ولده شهيداً في سبيل ما يؤمن ويعتقد، وما هذا إلا شاهد صارخ لا يقبل التأويل على صدق ما تؤمن به وزيف ما يؤمنون به. هادي، يا عريس الشهادة، يا عرس فتونها، يا نسمة سحرية لامست جفون الزمان برقة ثم ارتحلت. قم أيها الشهيد العريس الخالد في دار البقاء، هناك تزفّك الملائكة والحور العين كلٌ يبغي وصالك في لقاء مهيب عماره الأوصياء والشهداء، قم لملاقاة جدتك الزهراء عليها السلام، قم وعانق طويلاً سيد الشهداء، فكم أنت منه نسباً وجهاداً ودماً . ها أنتم، يا شهداء العقيدة والوطن، جُنّة على درب الزمان يؤوب إليه المنيبون، ومعين مترع بسنن القداسة يحتسي منه العارفون، وشجرة باسقة حياها نوراني يهمع من مزن ملكوتي يتورف ظلالها السالكون وينعم بجناها المسترفدون. هذه نفثات خالجت روعي أرسلها تحية من القلب إلى القلب.
السيّد علي محمد جواد فضل الله
****
منتهى الشوق
مهداة إلى روح الشهيد محمد طحيني
بالله عليك أجبني عماه...
أحار في عينيك، إلى أي مدى سافرت بك الأيام؟!
أغوص في حناياك... أبحث عن قرابة أنسب بها إليك...
محمد، حدثني عن حياة هي أسمى من هذه الفانية...
علمني كيف أعبر طريق الشوك لأصل إلى منتهى الشوق...
محمد... ما لي أناديك فلا تجيبني... خذني أليك فقد سئمت هذه الدنيا البالية و ما فيها... وكم أتوق لأن أكون معك...
محمد... خذني إلى محرابك، اسجد سجدة الخشوع الحقيقي... أقبل تربة تفتتت تحت جبينك السجادي...
محمد، ما لي أناجيك و القلب... كل القلب... يفتقد إلى عالمك الغريب المملوء بشوق الهي لا يصله إلا من أخلص و اتقى...
عماه، عذراً... اعجز عن التعبير عن مخزون أفكاري... و دفائن قلبي الحزين لفراقك... أرجوك عماه... اقبلها و لو كانت يسيرة... هذه الكلمات... أبعثها مع نسائم الليل... وتسبيحات الفجر... و خيوط الشمس الذهبية...
فسلام عليك يوم ولدت... ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً.
غادة طحيني