الشيخ محمد كرنيب
بينما كنت جالساً أقوم بعملية تحضير لدرس في الأخلاق حول النفس... لفتتني رواية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول فيها: "عجبت لمن ينشد ضالته وقد أضل نفسه فلا يطلبها"... فأخذت رشفة من كوب الشاي... وفي لحظات رأيتني امتطي طائر خيالي محلقاً في فضاء هذه الرواية... رشفة أخرى... وإذا بي أتصور أني ممن أضل نفسه وأضاعها وأراد بعد اكتشاف ذلك البحث عنها لاسترجاعها... إذ إن أمير المؤمنين عليه السلام نفسه يقول: "إن النفس لجوهرة ثمينة من صانها رفعها ومن ابتذلها وضعها" ولذا فإن الخسارة الحقيقية هي خسارتها.
يقول تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِين﴾(الزمر:15) ، وفهمت أن من أضاع نفسه وأضلها في الدنيا سيخسرها في الآخرة... رشفة...ورأيتني كأني أتخير في عملية البحث عن نفسي بين الإعلان في صحيفة...أو الطلب إلى المؤذن أن يعلن عن نفسٍ ضالة ضائعة بـ علامات كذا وكذا فالرجاء ممن يعرف عنها شيئاً المجيء إلى المسجد وإخبار خادمه بذلك...أو أن استأجر منادياً يمشي في الأسواق ينادي على النفس الضائعة... وفجأة التفت فكففتُ عندما ضبطُني أكاد أطلق قهقهات على هذه الصور...تجعلني مصدر تعجب من يسمع من زملائي.
وعدت إلى حلمي لأجد أني قد اخترت أن أستعين بشخص في عملية البحث عن نفسي وأخاله يسألني عن العلامات الفارقة لنفسي عن باقي النفوس... والجواب توقف على كوني أعرف نفسي... ولكني لو كنت أعرف نفسي لما أضعتها... وعثرت في الكتاب عل قول للإمام علي عليه السلام: "من عرف نفسه جل أمره".. وعلى قول للإمام الحسين عليه السلام: "ماذا وجد من فقدك". وعدت... فإذا بي أتصور مساعدي في البحث عن نفسي يسألني أين وضعتها آخر مرة... فإذا بي أقرأ قوله عليه السلام: "المرء حيث وضع نفسه برياضته وطاعته فإن نزهها تنـزّهت وإن دنسها تدنست" وفجأة التفت... فإذا بي أراني مضطراً لسؤال هذا المعين.
هل هو واجد لنفسه؟ إذ "كيف يهدي غيره من يضل نفسه" وتصورته مثلي... وها أنا أدعوه لنبحث معاً عمن يساعد كلاً منا على إيجاد نفسه، ولكن الدوامة ستتكرر. سيتكرر السؤال ويستجد الدور... ولذا فقد تصورتني... أقول لهذا الصاحب تعال بدلاً من أن نبحث عمن أضل نفسه مثلنا... لنبحث عمن وجد نفسه... لعله يساعدنا بخبرية... والتفت فإذا أنا أرشف هواءً من كوب فرغ من الشاي... وهل بقي في وعاء العمر رشفة... لقد كان حلم... حلم يقظة... مضحك... لكنه مبكٍ...أرجو أن يكون يقظة من منام لا حلم يقظان...