لقاء مع المجاهد الجريح محمّد نسر "أبو حسن"
داليا فنيش
تشكّلت عقيدته الجهاديّة مع اندلاع الثورة الإسلاميّة في إيران بقيادة الإمام الخمينيّ قدس سره، وهو في الحادية عشرة من العمر، فكانت هي الدافع الذي أمدّه بالشجاعة، وزرعت فيه حبّ المقاومة والنضال. إنّه الجريح محمّد حسين نسر (أبو حسن)، ابن المقاومة الذي التحق بصفوفها عبر التعبئة التربويّة، ثمّ مضى للجهاد نحو الجنوب. شارك في معارك عدّة في منطقة الإقليم، وأشهرها: سُجد، واللويزة، وجبل صافي.
•المهمّة الأخيرة
انطلق "أبو حسن" ذات يوم في مهمّة ضدّ العدوّ الإسرائيليّ، وكان قائداً لمجموعة من خمسة مجاهدين. وبينما هم يتسلّلون إلى موقع العمليّة، تفاجأوا بحقل ألغام انفجرت بهم بعض ألغامه، فأصيب "أبو حسن". حاول الرّفاق سحبه إلّا أنّ طيران العدوّ الصهيونيّ منعهم من ذلك، وقد أُمطروا بوابل من الرصاص من الجوانب كلّها. بعد أن سكت صوت الرصاص، تمّ سحب الجريح إلى مستشفى ميدانيّ، وقد تعرّض المجاهدون لمشقّات خلال المسير، خاصّة وأنّ الجريح نزف ساعاتٍ طويلة، وهو محمول على أكتافهم من قريةٍ إلى أخرى.
•"خذ حتّى ترضى"
كان بانتظاره طاقم طبّيّ، أشهرهم فقيد الجهاد الدكتور محسن الخنسا الذي أخبر الجريح أنّ ساقه اليمنى يجب أن تُبتر، فما كان من الأخير إلّا أن واجه الموقف بصلابة: "أرضيتَ يا رب! خذ حتّى ترضى".
تعرّض الجريح في فترة علاجه إلى الكثير من المضاعفات والوعكات الصحّيّة، مضافاً إلى خضوعه للعديد من العمليّات الجراحيّة.
•جهادٌ آخر
بعد مدّة، غادر "أبو حسن" المستشفى بمعنويّات عالية وفخر كبير. يقول "أبو حسن": "وقفتُ للحظات أفكّر في حالتي وحياتي الجديدة التي سأعيشها وكيفيّة مساعدة المقاومة في العمل الجهاديّ".
لذا، دفعته عقيدته وثباته وإرادته إلى التوجّه نحو جهادٍ آخر، عبر العمل الثقافيّ، والاجتماعيّ ومجالات أخرى، مدعوماً من رفاق الدرب والجهاد.
•بناء الأسرة
أحبّ "أبو حسن" أن يبني حياةً عائليّة، فتزوّج عام 1994م من امرأة صالحة قدّمت له المساعدة. تقول زوجته: "أنا أفتخر أن زوجي جريح، فهذا وسام شرف أحمله مدى الحياة. لقد رزقنا الله أربعة فوارس من خيرة الشباب المجاهدين على الخطّ الحسينيّ الكربلائيّ".
•لا للاستسلام
استقرّ وضع "أبي حسن" بعد فترة العلاج والمعاناة التي كانت تحمل في طيّاتها الصبر والعزم، وقرّر بدء حياة ومرحلة جديدة عنوانها "لا للاستسلام والجلوس في المنزل"، فتغلّب -بفضل الله- على الحياة الروتينيّة اليوميّة التي كان يمضيها، وبدأ العمل في المجال الإداريّ الثقافيّ.
•"ما السرُّ فيك؟!"
كان "أبو حسن" يمشي يوميّاً ساعتين، على طريق المشاة قرب صخرة الروشة، وكان هناك امرأة مسنّة تراقبه منذ مدّة، فاقتربت منه ذات يوم وقالت: "ما السرّ الذي تحمله في داخلك؟ فأنا أراك رغم معاناتك سعيداً، وتمشي باستمرار مسافاتٍ طويلة، وأنت برجل واحدة، أمّا زوجي فقد تعرّض لحادث وبُترت رجله وهو يشعر باليأس ولا يحبّ الحياة. هل تستطيع أن تتكلّم معه علّه يتغيّر؟".
وبالفعل، تعرّف "أبو حسن" إلى ذلك الرجل، وبدأ يقصده صباحاً، وخلال يومين فقط، خلع الرجل رداء الحزن والكآبة، وعادت إليه الحياة من جديد، وصار يستشير "أبو حسن" في أموره كلّها، ويعتبره نعمة قدّمها الله له.
•نافذة الأمل
أخذ الكثير من الإخوة يتكلّمون عن الأنشطة الرياضيّة التي يقوم بها "أبو حسن"، ولفت نظر العديد من الأشخاص كيف أنّه يمتلك روحاً مليئة بالأمل والسعادة، وقد تلقّى اتّصالاً من مؤسسة الجرحى للعمل معها، وتسلّم ملف الأنشطة الرياضيّة والترفيهيّة للجرحى وعوائلهم. يقول: "عندما عُرض عليّ هذا العمل لم يهمّني سوى أنّني سأقدّم جزءاً من الأمل لجرحانا". نشّط الرياضة بطريقة أدهشت الجميع، وبدأ بالتحضير لتأسيس فريق من المجاهدين الجرحى لكلّ لعبة: كرة السلّة، كرة الطاولة، السباحة، كرة القدم، كرة الطائرة، المشي... وشاركوا في العديد من المسابقات، وحصلوا على ميداليّات وكؤوس عدّة في المراتب الأولى. هذا العمل عزّز بناء علاقات وطيدة بالجرحى، وأعطاهم الأمل بالعودة إلى الحياة.
•المرشد والرفيق
كان "أبو حسن"، بحماسه وهمّته العالية، الدافع الأساس لبعض الجرحى للخوض في الأنشطة والمباريات، لما له من تأثير إيجابيّ في حياتهم. يقول أحد الجرحى عنه: "هو ملجأ أسرارنا، نخبره بمشاكلنا وهمومنا. ينظر إلينا بابتسامة جميلة فيها الكثير من المعاني والكلمات التي تطلب منّا أن لا نيأس، ونرضى بقضاء الله. بعضهم يعتبره الأب الذي يرشدهم إلى الطريق الصحيح، وبعضهم الآخر يعتبره المرشد والصديق والرفيق".
•رافع المعنويّات
يقول "أبو حسن": "عندما بدأت الحرب على مقدّساتنا في سوريا، شعرتُ بحزن كبير؛ لأنّني لم أشارك مع هؤلاء المجاهدين في الدفاع عنها". لذا، أخذ على عاتقه مهمّة متابعة الجرحى وزيارتهم باستمرار في المستشفيات. فكان يتفقّد كلّ جريح، ويقدّم له الدعم المعنويّ من أجل تخطّي مرحلته الصعبة، وكان الجرحى بدورهم يستأنسون بكلامه العذب.
•على الخُطى نفسها
لأنّه لم يستطع مواصلة درب الجهاد العسكريّ، طلب "أبو حسن" من أبنائه الانضمام إلى صفوف المقاومة، وحول ذلك يقول: "كانت فرحتي لا توصف حين تقدّم أحد أولادي وقال: (سأشارك في معركة الدفاع عن المقدّسات)، فقمتُ بتحضير أغراضه بنفسي".
هويّة الجريح
الاسم: محمّد حسين نسر (أبو حسن).
مكان الولادة وتاريخها: البازوريّة 3/5/1969م.
الوضع الاجتماعيّ: متأهّل ولديه 4 أولاد.
تاريخ الإصابة: 1/11/1990م.
نوع الإصابة: بتر الساق اليمنى.