مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

واحة الروح في الشهر المبارك‏

الشيخ كاظم ياسين(0)

 



مهما بلغ الإنسان المسلم من القدرة والقوة من خلال الإعداد والتدريب والحصول على الإمكانيات ومهما امتلك من صفات الإقدام والشجاعة والجرأة فإنه محتاج إلى اللَّه لمواجهة الظروف القاسية التي قد يتعرض لها وذلك من خلال أسلوب المقاومة على محور الدعاء، فإن الدعاء سلاح ماضٍ لا يستطيع الظالمون تجريد المظلومين منه مهما بلغوا من القوة. وأهم عنصر من عناصر المقاومة السياسية في الدعاء هو في إعادة أواصر العلاقة مع اللَّه عزَّ وجلَّ، فإن معنى ذلك فوراً هو قطع العلاقة مع الظلم والظالمين، وهو أساس الانطلاق في طريق الثورة والتغيير، و(قطع العلاقة مع الظلم) عنوان متعدد المصاديق، ابتداءاً من العلاقة مع اللَّه والحب لمحمد وآل محمد إلى حقوق الوالدين والجيران والإخوان إلى التمسك بمكارم الأخلاق.

وسوف نتعرض بإيجاز إلى خمسة أدعية مشهورة في شهر رمضان المبارك وهي دعاء الجوشن الكبير، وتسبيح الملائكة، والدعاء عقيب الفريضة كل يوم (يا علي يا عظيم) ودعاء (اللهم أدخل على أهل القبور السرور)، ودعاء السحر.إن هذه الأدعية تتضمن أصول الرسالة الإسلامية، وعناصر بناء الأمة والمجتمع والفرد وإعادة صياغتها، وهي كلمات قد تجردت من ثوب العنف والثورة، ولكنها في واقعها أشد من العنف والثورة، فبدلاً من أن تلبس الكلمات ثوباً من التعبير المباشر، جاءت هذه الأدعية في لباس الشكوى والمناجاة والاعتراف بالذنب، لتضع الإنسان المسلم أمام مسؤولياته حيال نفسه وأمام اللَّه تعالى وأمام المجتمع.

(*)تسبيح الملائكة
وهو مروي عن الإمام الصادق عليه السلام، ويستحب الدعاء به كل يوم من أيام شهر رمضان بعد الفريضة وينقسم إلى قسمين:
1- القسم الأول، وهو عشرة أجزاء، مع مقدمة لازمة، مكررة مع كل جزء، هي: سبحان الله بارئ النَّسَم، سبحان الله المصور، سبحان الله خالق الأزواج كلها، سبحان الله جاعل الظلمات والنور، سبحان الله فالق الحب والنوى، سبحان الله خالق كل شي‏ءٍ، سبحان الله خالق ما يُرى وما لا يُرى، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله ربِّ العالمين...

الجزء الأول: (سبحان الله السميع)، يسبح الملائكة بصفة من صفات الله عز وجل وهي صفة السميع، الذي يسمع حتى السر وأخفى بل ويسمع وساوس الصدور، وبما أن وساوس الصدور ليس لها صوت وصدى، بل هي مشاعر وظنون واعتقادات وأوهام، فالله عز وجل نزّلها منزلة المسموع، وهو يطلع عليها.

الجزء الثاني: (سبحان الله البصير)، يسبح الملائكة بصفة البصير، فالله تعالى يبصر كل شي‏ء، مهما كان وأينما كان، بل هو الذي يرى ويبصر الجنين في بطن أمه ويصوّره وهو نطفة.

الجزء الثالث: (سبحان الله الذي ينشئ السحاب الثقال)، يسبح الملائكة بصفة القدير، فهو تعالى ينشئ السحاب ويسبب الرعد والصواعق ويسيطر على الطبيعة، وكل حركة الوجود وتطورها تحت سيطرته وقدرته، في نظام وقانون وسُنة ثابتة.

الجزء الرابع: (سبحان الله الذي يعلم ما تحمل كل أنثى)، يسبح الملائكة بصفة العليم، ابتداءاً من العلم بالنطفة أهي ذكر أم أنثى؟ إلى العلم بتوازن الطبيعة والوجود وما هو المقدار المطلوب في كل شي‏ء، فلا يرتكب شططاً في شي‏ء من الأشياء، وهذا مبلغ العلم، فالوجود حالة مركبة معقدة، متوازنة، متسقة منسجمة، وأي خلل في جزء منها مهما كان صغيراً سوف يؤدي إلى انهيار النظام، وهكذا فالله تعالى يعلم المقدار المناسب المطلوب لكل جزء ولكل قطعة من هذا الوجود الكبير بل هو العالم بسرائر النفوس.

الجزء الخامس: (سبحان الله مالك الملك)، تسبيح بصفة الربوبية والتدبير، والملكوتية التي هي السيطرة الحقيقية على الأشياء.

الجزء السادس: سبحان اللَّه الذي عنده مفاتح الغيب.

الجزء السابع: (سبحان اللَّه الذي لا يحصي مدحته القائلون). وهو تسبيح بصفة الأهلية للشكر والثناء الذي هو فوق التقدير وحد الإحصاء ولا تكفي عبادة من عبده وشكر من شكره في مجاراة نعمة من نعمه وآلائه.

الجزء الثامن: (سبحان الله الذي يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها)، تسبيح بصفة لا يستطيع العقل البشري إدراكها وتصورها، وهي صفة العلم التام بكل جهة وكل مكان وزمان.

الجزء التاسع: (سبحان الله فاطر السماوات والأرض)، تسبيح لرب الملائكة أيضاً، والناس، بل وغيرهما، فله أن يخلق مكوّناً ثالثاً ورابعاً وخامساً، غير المكونات الموجودة والمعروفة وهي الملائكة والإنس والجن، والعقل البشري لا يستطيع تصوّر تلك القدرة والإحاطة بها.

الجزء العاشر: (سبحان الله الذي يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلاّ وهو رابعهم)، وهو تسبيح الملائكة للذي هو شاهد على البشرية وأفعالها مهما كانت صغيرة وحقيرة بنظرها وغير مهمة.. وسوف يقدم شهادته لكل اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو أكثر وما فعلوا وقالوا..

2 - القسم الثاني من التسبيح:
هو حق النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وحق آله الأطهار في الحب والطاعة والولاية، والالتزام بخطهم المبدئي والسياسي وبمواقفهم التي وقفوها والتمسك بهم، من يوم البعثة إلى يوم الظهور والفرج الأكبر. إن تسبيح الملائكة، الذي تردده الملائكة آناء الليل وأطراف النهار هو نموذج لركني التوحيد، شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله.

(*)دعاء السحر
ويدور الحديث فيه حول نقطتين: راوي الدعاء، أبي حمزة الثمالي، الذي عرف دعاء السحر باسمه، كما عرف دعاء الخضر عليه السلام بحسب رواية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام باسم كميل بن زياد، والنقطة الأخرى هي حول أبواب الدعاء.

1 - أبو حمزة الثمالي‏
ثابت بن دينار: الازدي الكوفي، وكنيته أبو حمزة الثمالي، مولى، ثقة، عدل، توفي سنة 150 هجرية، وكان من خيار أصحابنا الإمامية وثقاتهم، ومعتمديهم، في الرواية والحديث، وروى عنه العامة. استشهد إخوته نوح، ومنصور، وحمزة، مع زيد بن علي حين قام بثورته ضد الطاغية الأموي هشام بن عبد الملك. وروي عن الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام: "أبو حمزة في زمانه، مثل سلمان في زمانه، وذلك أنه خدم أربعة منا: علي بن الحسين، ومحمد بن علي وجعفر بن محمد، عليهم السلام، وبرهة من عصر موسى بن جعفر عليه السلام". كان من الفقهاء والمفسرين للقرآن، فله كتاب في النوادر، والزهد، وتفسير القرآن، وله رسالة الحقوق عن علي بن الحسين عليه السلام، وروى عن الإمام زين العابدين عليه السلام الكثير من الأدعية، وكان يكتبها ويحفظها عن ظهر قلب، بل كما يظهر من كثير من إخباره وادعيته المنقولة أنه كان قريباً جداً من الإمام عليه السلام، بحيث أنه كان يصف الإمام في صلاته ودعائه، وكيف يرفع يديه قدّام وجهه وكيف يطأطئ رأسه ويخضع رقبته حينما يقول: وها أنا ذا بين يديك فخذ لنفسك الرضا من نفسي حتى ترضى، لك العتبى. وفي دعاء رجب يقول: سمعت علي بن الحسين يقول... وكان مستجاب الدعاء، فقد روي عنه أنه قال: كانت صبية لي، سقطت، فانكسرت يدها، فأتيت بها يحيى بن عبد الله المجبر التيمي، فأخذها، فنظر إلى يدها، فقال: منكسرة، فدخل يخرج الجبائر، وأنا على الباب، فدخلتني رقة على الصبية، فبكيت فذكرت في ساعتي تلك دعاء زين العابدين عليه السلام، فدعوت به، فخرج يحيى بالجبائر فتناول يد الصبية، فلم ير بها شيئاً، ثم نظر إلى الاخرى، فقال: ما بها شي‏ء، فقال: سبحان الله أليس عهدي بها كسراً قبيحاً فما هذا؟! أما إنه ليس بعجب من سحركم معاشر الشيعة. فقلت: ثكلتك أمك! ليس هذا بسحر، بل إني ذكرت دعاءاً سمعته من مولاي علي بن الحسين عليه السلام فدعوت به. قال: فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام، فقال يا أبا حمزة، وافق الدعاء الرضا فاستجيب لك، في أسرع من طرفة عين. قال حمران بن أعين: فقلت لأبي حمزة: نشدتك بالله إلا ما أوردتناه، وأفدتناه. فقال: سبحان الله! ما ذكرت ما قلت إلا وأنا أفيدكم، اكتبوا(1)... وعن أبي بصير، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال: ما فعل أبو حمزة الثمالي ؟ قلت: خلفته عليلاً، قال: إذا رجعت إليه فأقرئه مني السلام، وأعلمه أنه يموت في شهر كذا في يوم كذا، فقلت: جعلت فداك، والله لقد كان لكم فيه أنس، وكان لكم شيعة. قال: صدقت، ما عندنا خير له. قلت: شيعتكم معكم؟ قال نعم إن هو خاف الله وراقب نبيه وتوقى الذنوب، فإذا هو فعل كان معنا في درجاتنا، قال: فرجعنا تلك السنة فما لبث أبو حمزة إلا يسيراً حتى توفي (الحديث)(2). عن أبي حمزة الثمالي، قال: كان علي بن الحسين سيد العابدين صلوات الله عليهما يصلي عامة الليل في شهر رمضان، فإذا كان في السحر دعا بهذا الدعاء: إلهي لا تؤدبني بعقوبتك... إلى آخر الدعاء...

2 - في هذا الدعاء أبواب متفرقة:

*أبواب المعارف الإلهية:
ففي معرفة الله (بك عرفتك وأنت دللتني عليك ولولا أنت لم أدر ما أنت)، وفي مناجاة الله والاتكال عليه، واليأس مما في أيدي الناس الباخلين المستأثرين (ولم يكلني إلى الناس فيهينوني)، والاعتراف بمنن الله تعالى (أنا الصغير الذي ربيته وأنا الجاهل الذي علمته...).

*مناظرات بديعة مع الله تعالى:
وهذا الدعاء يتضمّن أنواع الحجج البالغة لاستجلاب عفو الله وغفرانه مثل قوله عليه السلام: (إلهي إن كنت لا تغفر إلا لأوليائك وأهل طاعتك فإلى من يفزع المذنبون؟! وإن كنت لا تُكرِم إلا أهل الوفاء لك فبمن يستغيث المسيئون؟!) وهكذا قوله عليه السلام: (إلهي إني امرؤ حقير وخطري يسير وليس عذابي ممّا يزيد في ملكك مثقال ذرّة..) (وليس من صفاتك يا سيدي أن تأمر بالسؤال وتمنع العطية) (فليس هذا ظننا بك) (لئن طالبتني بذنوبي لأطالبنك بعفوك) (إلهي إن أدخلتني النار ففي ذلك سرور عدوك، وإن أدخلتني الجنة ففي ذلك سرور نبيك، وأنا والله أعلم أن سرور نبيك أحب إليك من سرور عدوك).

الاعتراف بالذنب والتقصير:
(أدعوك يا سيدي بلسان قد أخرسه ذنبه). وفي الدعاء أفانين من التضرّعات والتوسل وإظهار التذلّل والمسكنة لله تعالى. (فلو اطلع على ذنبي غيرك ما فعلته) (وما أنا يا سيدي وما خطري). الإصرار على الإنابة والتوبة (ولو انتهرتني ما برحت من بابك). كذلك يفتح دعاء السحر أبواب الأمل والرجاء برحمة الله الواسعة، ويحض على حج بيت الله الحرام في الدعاء وعلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وارزقنا حج بيتك الحرام في عامنا هذا وفي كل عام وزيارة قبر نبيك والأئمة عليهم السلام). والدعوة إلى بر الوالدين والدعاء لهما وإشراك المؤمنين والمؤمنات بالدعاء الأحياء منهم والأموات.

ثورة على الفساد
ويعد دعاء السحر بركاناً ثائراً على الفساد الفردي والاجتماعي والسياسي في هذا العصر الذي شاع فيه الفساد الأخلاقي والخلاعة والمجون بين المسلمين. فقد تضمن برامج أخلاقية روحية وسلوكية مهمّة لتربية الإنسان ورسم له أصول الفضائل النفسية والكمالات المعنويّة، فأظهر ما للسلوك الخاطئ من آثار على العلاقة مع الله تعالى سلباً وإيجاباً، فالاستخفاف بحق الله تعالى والإعراض عنه ومجالسة الكاذبين والغافلين والبطالين، وعدم شكر الله تعالى وعدم حضور مجالس العلماء يؤدي إلى آثار سلبية سيئة تنعكس على الصلاة والعبادة والتوجه إلى الله تعالى وتُكسب الإنسان مزايا نفاقية. ويربط دعاء السحر الإنسان المسلم بالنبي صلى الله عليه وآله، عبر حب النبي صلى الله عليه وآله الذي هو واسطة الرضا بين الخالق والمخلوق (واجمع بيني وبين المصطفى). كذلك يركز الدعاء على ذكر القبر وسؤاله ويوم القيامة وهوله، بعد أن يضغط بشدة على قلب الداعي حتى يفتته، ثم يندفع نحو جعل الداعي يبكي على نفسه بعد أن يعترف بذنوبه فيقول: (ومالي لا أبكي!! ولا أدري إلى ما يكون مصيري..) (إن أنا نقلت على مثل حالي إلى قبر لم أمهده لرقدتي...) (أبكي لخروجي من قبري عرياناً ذليلاً). وفي الدعاء تكرار الصلاة على محمد وآل محمد، ودعوة إلى مكارم الأخلاق. (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والفشل والهم والحزن والجبن والبخل والغفلة والقسوة...).

التبرؤ من الظالمين‏
ويوظف الإمام زين العابدين عليه السلام الدعاء في الغرض السياسي وهو لا ينفك عن الأغراض الدينية، فيعرّض بالطلقاء من بني أمية وأئمة الجور في كل زمان (فإن أقواماً آمنوا بألسنتهم ليحقنوا به دماءهم فأدركوا ما أملوا). وبعد كل ما ذكرناه، يعتبر دعاء السحر منجماً من مناجم البلاغة والفصاحة وينبوعاً ثرياً للأدب الإسلامي.

دعاء الجوشن الكبير
ويتألف من ألف اسم أو صفة من أسماء وصفات الله عز وجل، وكل عشرة أسماء أو صفات تشكل قطعة متكاملة، تختم بلازمة، هي (سبحانك يا لا إله إلاّ أنت، الغوث الغوث، خلّصنا من النار يا رب). وقد روى الكفعمي في فضل الجوشن الكبير رواية طويلة عظيمة، تدل على الشأن الرفيع لهذا الدعاء، وعلى منزلته العظيمة، وقدره الجليل، وقد روي خبره وفضله وما لقارئه وحامله من الثواب بحذف الإسناد عن الإمام موسى بن جعفر عن أبيه، عن جده السجاد زين العابدين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عن النبي صلوات الله عليهم أجمعين. وقد نزل به جبرائيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وهو في بعض غزواته، في معركة احد، وقد اشتدت، وعليه جوشن، أي درع ثقيل آلمه، فدعا الله تعالى، فهبط جبرائيل عليه السلام، وقال له: يا محمد، ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك: اخلع هذا الجوشن واقرأ هذا الدعاء، فهو أمان لك ولأمتك، وهو هدية من الله تعالى إليك، وإلى أمتك، ومن دعا به بنية خالصة في أول شهر رمضان أعطاه الله تعالى (ثواب) ليلة القدر، وكل من قرأه مات موتة الشهداء، والذي بعثك بالحق نبياً إن ليلة يقرأ الإنسان هذا الدعاء، فان الله يقبل عليه وينظر إليه، ويعطيه جميع ما يسأله من حوائج الدنيا والآخرة، وليلة يقرأ هذا الدعاء يدفع الله عنه شر الشياطين وكيدهم، ويقبل أعماله كلها ويطهر ماله وكذلك بأعمال المؤمنين والمؤمنات، وطوبى لمن صدق به، وأي عبد دعا بهذا الدعاء بنية صادقة خالصة لا يخالطها شك في أول شهر رمضان، أعطاه الله ثواب ليلة القدر. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما من عبد من أمتي دعا بهذا الدعاء في شهر رمضان ثلاث مرات إلا وقد حرم الله جسده على النار ووجبت له الجنة، يا محمد لا تعلم هذا الدعاء إلا لمؤمن يستحقه. وقال النبي صلى الله عليه وآله لعلي بن أبي طالب عليه السلام: يا علي، علمه لأهلك وولدك وحثهم على الدعاء والتوسل إلى الله تعالى به ، وبالاعتراف بنعمته. وفي هذه الرواية الطويلة وردت كيفية الاستشفاء بهذا الدعاء(3). يمثّل دعاء الجوشن الكبير التجرّد التام من عالم المادّة والانقطاع الكامل إلى الله تعالى والاعتصام به والذي هو أثمن ما في الحياة، كما يقدم موسوعة كاملة تفتح الطريق أمام تحصيل كمال المعرفة لله تعالى لتأسيس الإيمان العميق به.

(*)التعقيبات اليومية للفرائض‏
وهي عديدة، والمذكور منها في كتب الدعاء المتداولة المشهورة خمسة، اخترنا منها اثنين:
الدعاء الأول: أورده الكفعمي في المصباح كما رواه الشيخ الشهيد في مجموعته عن النبي صلى الله عليه وآله وأن من دعا به في شهر رمضان بعد المكتوبة (كل فريضة) غفر الله له ذنوبه إلى يوم القيامة، وهو مشتمل على مضامين عالية ودعوات جامعة، فهو يربط أولاً بين عالمي الدنيا والبرزخ، ويفتح باباً للخيرات من الأحياء إلى الأموات (اللهم أدخل على أهل القبور السرور)(4)، إمّا برفع العذاب عنهم في هذا الشهر المبارك أو بقبول هدايا ذويهم فيهم، أو بغفران ذنوبهم. ثم يلتفت إلى أهل الدنيا مطلقاً، مهما كانوا ومهما كانت أديانهم ومذاهبهم ومشاربهم وأهواؤهم، إشعاراً بالأبعاد الإنسانية لهذا الدعاء العظيم، ولعل هذا ما أراده صاحب مفتاح الجنات السيد محسن الأمين قدس سره بقوله (وهو مشتمل على مضامين عالية ودعوات جامعة)(5)، فيقول: (أللهم أغن كل فقير، أللهم أشبع كل جائع، أللهم اكسُ كل عريان، اللهم اقض دين كل مدين، اللهم فرج عن كل مكروب، اللهم رد كل غريب، اللهم فك كل أسير). إن الله عز وجل لن يغني هو مباشرة كل فقير أو يشبع كل جائع أو يكسو كل عريان إلى آخر الدعاء، بل هذا الدعاء يعتبر من أنواع الحض غير المباشر للنفس وللآخرين على القيام بهذه الأعمال في هذا الشهر المبارك في نوع من صناعة نسيج اجتماعي إيجابي بين الفرد وسائر الأفراد في المجتمع الإنساني، مهما كان عليه أولئك الأفراد من حالة ثقافية مختلفة. وينقسم هذا الدعاء إلى قسمين، قسم عام يشمل كل إنسان وقسم خاص بمجتمع المسلمين. فالقسم الأول يكشف أن الإسلام هو دين المستضعفين، وأن الداعية الإسلامي ابتداءاً من النبي الأعظم صلى الله عليه وآله إلى آخر داعية في هذا الزمان وإلى يوم القيامة، إنما هو داعية إنساني عام، شفوق، محب للإنسانية ولخيرها، وأنه في مجال محاربة الفقر والجوع وإزالة الكربات والأزمات ومواجهة نزعة الحروب (اللهم فك كل أسير) من أول المهتمين والداعين إلى زوال ذلك من حياة الإنسانية. وأما القسم الثاني فيقول: (أللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين، أللهم اشف كل مريض، أللهم سدّ فقرنا بغناك، أللهم غيّر سوء حالنا بحسن حالك،أللهم اقض عنا الدين وأغننا من الفقر، إنك على كل شي‏ء قدير).

فهو لا يختلف عن القسم الأول إلا في أمرين:
1 - في الدعوة إلى إصلاح المجتمع الإسلامي ابتداءاً من أمر الحكومة، وانتهاءاً بكل فاسد مهما صغر من أمور المسلمين.
2 - استعمال ضمير المتكلم، فإن النبي صلى الله عليه وآله يدعو لأمته بالصلاح والغنى والانتقال من الحال السي‏ء إلى الحال الأحسن دائماً، وهو إشعار بروح الانتماء إلى الجماعة وإلى الأمة ودعوة إلى صلاح أمة الإسلام، فإن في صلاحها صلاحَ العالم والإنسانية، وفي فسادها فسادَ العالم والإنسانية. والدعاء الثاني، هو مناجاة بين الإنسان وربه، وهو يبتدئ بالثناء (يا علي يا عظيم، يا غفور يا رحيم، أنت الرب العظيم الذي ليس كمثله شي‏ء وهو السميع البصير)، والثناء مع العظماء يكفي، قبل الطلب، فها هو الشاعر يقول لممدوحه:
 

كفاه من تعرضه الثناء

إذا ما المرء دعاك يوماً


ولكن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله لا يكتفي بذلك، بل يشير إلى خطورة وأهمية الثناء إذا وقع في مناسبة شريفة وعظيمة وكريمة عند المثني عليه.. فإن ذلك أدعى للاستجابة، فيقول: (وهذا شهر عظّمته وكرّمته وشرّفته وفضلته على الشهور وهو الشهر الذي فرضت صيامه عليّ وهو شهر رمضان الذي أنزلت فيه القرآن هدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان وجعلت فيه ليلة القدر وجعلتها خيراً من ألف شهر). ثم يفرّع أخيراً على الثناء وعلى زمان الثناء وهو شهر رمضان، بالطلب ولكن بلا منّية ولا استحقاق على الله عز وجل، فله المنّ فقط، والطلب هو فقط (أدخلني الجنة) فتحقيقه اختصار لكل الطلبات وتجاوز لكل العقبات، ويتضمن قبول الأعمال والتوبة والمغفرة، فيقول: فيا ذا المن ولا يمن عليك منّ عليّ بفكاك رقبتي من النار فيمن تمنُّ عليه وأدخلني الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين.


(0) أستاذ في الحوزة العلمية.
(1) الصحيفة السجادية، (ابطحي)، الإمام زين العابدين عليه السلام، ص 88.
(2) معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج‏4، ص 292، 293، 294، 295، 296 عن النجاشي والشيخ الطوسي والصدوق في المشيخة والكشي وابن شهر آشوب والبرقي.
(3) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج‏91، ص 382 و383 و384 و398 و399 و400 و401 و402.
(4) مفتاح الجنات، السيد محسن الأمين، ج‏3، ص‏213. مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمي، ص‏228، منشورات مؤسسة الأعلمي، بيروت لبنان.
(5) مفتاح الجنات، ج‏3، ص‏213.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع