من وصايا الشيخ البهائي(1) قدس سره
الشيخ حسي كوراني
اعلم أنه قد ورد قسمة النهار إلى اثنتي عشرة ساعة ونسبة كل واحدة منها إلى واحد من الأئمة الإثني عشر سلام الله عليهم، وتخصيصها بدعاء يدعى به فيها وأنا أذكر كلاً منها مع دعائها في محلها إن شاء اللَّه تعالى. واعلم أن نسخ أدعية الساعات كثيرة الاختلاف بالزيادة والنقصان، والذي أوردته في هذا الكتاب هو الذي أثق به وأعتمد عليه واللَّه ولي التوفيق(2).
* ساعة أمير المؤمنين عليه السلام
(فالساعة الأولى) ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وهي منسوبة إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام وهذا دعاؤها: اللهم رب الظلام والفلق، والفجر والشفق، والليل وما وسق والقمر إذا إتسق(3) أسألك اللهم بمحمد خاتم النبيين وبالقرآن الذي نزل به الروح الأمين على قلبه ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين، وبأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ابن عم الرسول وبعل البتول الذي فرضت ولايته على الخلق، وكان يدور حيث دار الحق، أن تصلي على محمد وآل محمد فقد جعلتهم وسيلتي وقدمتهم أمامي وبين يدي حوائجي(4).
* ساعة الحسن عليه السلام
الساعة الثانية، من طلوع الشمس إلى ذهاب حمرتها، وهي للحسن عليه السلام وتدعو فيها بهذا الدعاء: اللهم يا خالق السماوات والأرض، ومالك البسط والقبض، ومدبر الإبرام والنقض أسألك يا عالم سري وجهري يا من لا يقدر سواه على كشف ضري أن تصلي على محمد رسولك المختار، وحجتك على الأبرار والفجار، وعلى أهل بيته الطاهرين الأخيار، وأتوسل إليك بالأنزع البطين علماً، وبالإمام الزكي الحسن المقتول سمّاً فقد استشفعت بهم إليك وقدمتهم أمامي وبين يدي حوائجي..(5)
* ساعة الحسين عليه السلام
والساعة الثالثة، من ذهاب حمرة الشمس إلى ارتفاع النهار، للحسين عليه السلام وتدعو فيها بهذا الدعاء: اللهم رب الأرباب، ومسبب الأسباب، ومالك الرقاب، ومسخر السحاب، ومسهل الصعاب، يا حليم يا تواب، يا كريم يا وهاب، أللهم انقطع الرجاء إلا من فضلك، وخاب الأمل إلا من كرمك، فاسألك بمحمد رسولك، وبعلي بن أبي طالب صفيك، وبالحسين الإمام التقي، الذي اشترى نفسه ابتغاء مرضاتك، وجاهد الناكثين عن صراط طاعتك، فقتلوه ساغباً ظمآناً، وهتكوا حرمته بغياً وعدواناً، وحملوا رأسه في الآفاق، وأحلوه محل أهل العناد والشقاق. أللهم فصل على محمد وآله، وجدد على الباغي عليه مخزيات لعنتك وانتقامك، ومرديات سخطك ونكالك. إني أسألك بمحمد وآله وأستشفع بهم إليك وأقدمهم أمامي وبين يدي حوائجي..(6).
* ساعة السجاد عليه السلام
والساعة الرابعة من ارتفاع النهار إلى الزوال، وهي لسيد العابدين عليه السلام، وتدعو فيها بهذا الدعاء: اللهم أنت الملك المليك المالك، وكل شيء سوى وجهك الكريم هالك، سخرت بقدرتك النجوم السوالك أسألك سؤال البائس الحسير، وأتضرع إليك تضرع الضالع الكسير، وأتوكل عليك توكل الخاشع المستجير، وأقف ببابك وقوف المؤمل الفقير، وأتوسل إليك بالبشير النذير، والسراج المنير محمد خاتم النبيين، وابن عمه أمير المؤمنين، وبالإمام علي بن الحسين زين العابدين، وإمام المتقين، المُخفي للصدقات، والخاشع في الصلوات، والدائب المجتهد في المجاهدات، الساجد ذي الثفنات، أن تصلي على محمد وآل محمد فقد توسلت بهم إليك وقدمتهم أمامي وبين يدي حوائجي..(7).
* ساعة الباقر عليه السلام
وأما الساعة الخامسة، فهي من زوال الشمس إلى مضي مقدار أربع ركعات وهي للباقر عليه السلام، وهذا دعاؤها والأحسن أن تدعو به بعد الركعة (الرابعة)(8) من نوافل الزوال: اللهم أنت اللَّه الذي لا إله إلا أنت الحي القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، هو اللَّه الذي لا إله هو عالم الغيب والشهادة، هو الرحمن الرحيم وأتوسل إليك بخيرتك وصفوتك من العالمين، الذي جاء بالصدق وصدق المرسلين، محمدٍ عبدك ورسولك النذير المبين، وبوليك وعبدك علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وبالإمام محمد بن علي باقر علوم الأولين والآخرين، والعالم بتأويل الكتاب المستبين، وأسألك بمكانهم عندك وأقدِّمهم أمامي وبين يدي حوائجي..(9).
* ساعة الصادق عليه السلام
وأما الساعة السادسة فهي من مضي مقدار أربع ركعات من الزوال إلى صلاة الظهر (لعل المقصود هو انقضاء وقت فضيلة الظهر). وهي للصادق عليه السلام وهذا دعاؤها ويحسن أن تدعو به بعد السادسة من نافلة الزوال : اللهم أنت أنزلت الغيث برحمتك لا يعزب عنك في الأرض ولا في السماء مثقال ذرة، أتوسل إليك بالنبي الأمي محمد رسولك العربي المكي المدني الهاشمي، الذي أخرجتنا به من الظلمات إلى النور، وبأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الذي شرحت بولايته الصدور، وبالإمام جعفر بن محمد الصادق في الأخبار، المؤتمن على مكنون الأسرار، صلى الله عليه وعلى أهل بيته بالعشي والإبكار، أللهم إني أسألك بهم وأستشفع بمكانهم لديك وأقدمهم أمامي وبين يدي حوائجي..(10).
* ساعة الكاظم عليه السلام
وأما الساعة السابعة، فمن صلاة الظهر (لعله من انقضاء وقت فضيلة الظهر إلى الوقت المذكور) إلى مضي مقدار أربع ركعات قبل العصر وهي للكاظم عليه السلام وهذا دعاؤها: اللهم أنت المرجو إذا اشتد الأمر، وأنت المدعو إذا مس الضر، أسألك بحق محمد خاتم النبيين وبأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي جعلت ولايته مفروضة مع ولايتك ومحبته مقرونة برضاك ومحبتك، وبالإمام الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام الذي سألك أن تفرغه لعبادتك وتخليه لطاعتك فأجبت دعوته أن تصلي على محمد وآله صلاة تقضي بها عني واجب حقوقهم وترضى بها في أداء فروضهم وأتوسل إليك بهم وأستشفع بمنزلتهم وأقدمهم أمامي وبين يدي حوائجي..(11).
* ساعة الرضا عليه السلام
وأما الساعة الثامنة فمن مضي أربع ركعات قبل العصر إلى صلاة العصر وهي للرضا عليه السلام، وهذا دعاؤها: اللهم أنت الكاشف للملمات، والكافي للمهمات، والمفرج للكربات أسألك بمحمد المصطفى من الخلق، المبعوث بالحق، وبأمير الؤمنين الذي أوليته فألفيته شاكراً، وابتليته فوجدته صابراً، وبالإمام الرضا علي بن موسى الذي أوفى بعهدك، ووثق بوعدك وأعرض عن الدنيا وقد أقبلت إليه، ورغب عن زينتها وقد رغبت فيه، أن تصلي على محمد وآل محمد، فقد توسلت بهم إليك وقدمتهم أمامي وبين يدي حوائجي..(12).
* ساعة الجواد عليه السلام
وأما الساعة التاسعة، فمن صلاة العصر إلى أن تمضي ساعتان وهي للجواد عليه السلام وهذا دعاؤها: أللهم يا خالق الأنوار ومقدر الليل والنهار أسألك بحق النبي الأواب، الذي أنزلت عليه الكتاب، ونصرته على الأحزاب، وهديتنا به إلى دار المآب، وبأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وبالإمام الفاضل محمد بن علي عليه السلام، الذي سئل فوفقته لرد الجواب، وامتُحن فعضدته بالتوفيق والصواب(13) صلى الله عليه وعلى أهل بيته الأطهار، أن تجعل موالاتي لهم عصمة من النار، ومحجة إلى دار القرار، فقد توسلت بهم إليك وقدمتهم أمامي وبين يدي حوائجي..(14).
* ساعة الهادي عليه السلام
وأما الساعة العاشرة فمن ساعتين بعد صلاة العصر إلى قبل اصفرار الشمس وهي منسوبة إلى الهادي عليه السلام، وهذا دعاؤها: اللهم أنت الولي الحميد الغفور أسألك بجلالك وبنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك وبرسولك الذي رحمت به العباد، وهديت به إلى سبل الرشاد، وبأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، أول من آمن برسولك وبالإمام البر علي بن محمد عليه السلام الذي كفيته حيلة الأعداء، وأريتهم عجيب الآية إذ توسلوا به في الدعاء(15) أن تصلي على محمد وآل محمد، فقد استشفعت بهم إليك وقدمتهم أمامي وبين يدي حوائجي..(16).
* ساعة العسكري عليه السلام
وأما الساعة الحادية عشرة، فمن قبل اصفرار الشمس إلى اصفرارها وهي للعسكري عليه السلام، وهذا دعاؤها: اللهم إنك منزل القرآن وخالق الإنس والجان وجاعل الشمس والقمر بحسبان أسألك بمحمد صلى الله عليه وآله رسولك إلى الكافة، وأمينِك المبعوثِ بالرحمة والرأفة، وبأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، المفترض طاعته على القريب والبعيد، المؤيد بنصرك في كل موقف مشهود، والإمام الحسن بن علي الذي طُرح للسباع فخلصته من مرابضها وامتُحن بالدواب الصعاب فذلت له مراكبها(17) أن تصلي على محمد وآل محمد فقد توسلت بهم إليك وقدمتهم أمامي وبين يدي حوائجي..(18).
* ساعة المهدي عجل الله فرجه
وأما الساعة الثانية عشرة، فمن اصفرار الشمس إلى غروبها للخلف الحجة عجل الله فرجه وهذا دعاؤها: اللهم يا خالق السقف المرفوع والمهاد الموضوع أسألك بأسمائك التي إذا ذكرت على القلوب وجِلَتْ خشوعاً، وإذا قرعت الأسماع فاضت العيون دموعاً، أسألك بمحمد رسولك المؤيد بالمعجزات، المبعوث بحكم الآيات وبأمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي اخترته لمؤاخاته، ووصيته واصطفيته لمصافاته ومصاهرته، وبصاحب الزمان المهدي الذي تجمع على طاعته الآراء المتفرقة، وتؤلف به بين الأهواء المختلفة وتستخلص به حقوق أوليائك وتنتقم به من شر أعدائك وتملأ به الأرض عدلاً وإحساناً، وتوسع على العباد بظهوره فضلاً وامتناناً، وتعيد الحق إلى مكانه عزيزاً حميداً، وترجع الدين على يديه غضاً جديداً، أن تصلي على محمد وآل محمد، فقد استشفعت بهم إليك، وقدمتهم أمامي وبين يدي حوائجي، وأن توزعني شكر نعمتك في التوفيق لمعرفته، والهداية إلى طاعته، وتزيدني قوة في التمسك بعصمته، والإقتداء بسنته، والكون في زمرته، إنك سميع الدعاء برحمتك يا أرحم الراحمين.
(1) الشيخ الثقة المؤتمن بهاء الملة والدين محمد بن الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي الجبعي، نسبة إلى جبع بالجيم والباء المنقطة تحتها نقطة ، وهي قرية من قرى جبل عامل، والحارثي نسبة إلى الحارث الهمداني الذي كان من خواص مولانا أمير المؤمنين عليه السلام. كان علامة وفهامة محققاً دقيق النظر، جامعاً لجميع العلوم حتى الجفر والرمل والهيئة، حسن التقرير جيد التحري، بديع التصنيف أنيق التأليف، يؤدي المطالب بلفظ موجز عرية عن الإطناب مع رعاية السجع والقافية. حتى نقل عن كتاب سلافة العصر فقال: وما مثله ممن تقدمه من الأفاضل والأعيان إلا كالملة المحمدية المتأخرة عن الملل والأديان جاءت آخراً ففاقت مفاخراً. وكان رئيساً في دار السلطنة أصبهان وشيخ الإسلام فيها وقد نقل عنه حكايات عجيبة بعضها يشبه بالكرامات الجزيلة. وكان مولده ببعلبك غروب شمس يوم الخميس لثلاث عشر بقين من شهر محرم الحرام السنة الثالثة والخمسين وتسعمائة، وتوفي لاثنتي عشرة خلون من شوال السنة الحادية والثلاثين بعد الألف وقيل: سنة الثلاثين بعد الألف، وكان موته بأصبهان. ونقل جسده الشريف قبل الدفن إلى المشهد المقدس الرضوي، وقبره هناك معروف مزار للخواص، ولأهل المشهد المقدس اعتقاد تام في طلب الاستشفاء ببركة قبره الشريف. (السيد علي البروجردي - طرائف المقال - ج2، ص391).
(2) البهائي العاملي، مفتاح الفلاح 124- 125.
(3) لم أورد أدعية الساعات هنا بتمامها، حيث لا يتسع لها المجال، ولأن الهدف توكيد ارتباط الساعات الإثني عشر بالأئمة عليهم السلام، بالإضافة إلى التوسل فيها على مدار اليوم والدهر.
(4) الشيخ البهائي، مفتاح الفلاح 111-110 وهو كتاب نوعيٌّ في باب عمل اليوم والليلة، وقد قامت بطبعه - مؤخراً دار الأضواء في بيروت في نسختين كبيرة وصغيرة.
(5) المصدر 120- 119.
(6) المصدر 122-120.
(7) المصدر 124- 122.
(8) جاء في الهامش: هذا إن صليت الأربع مخففة وإلا فبعد الأوليين، يقع الدعاء في أثناء الساعة (منه) أي من المؤلف قدس سره، أي تقرأ الدعاء بعد الرابعة إن صليت الأربع مخففة، وإلا فبعد الركعتين الأوليين ليقع الدعاء في الوقت.
(9) المصدر 160-158.
(10) المصدر 162-160.
(11) المصدر 163- 162.
(12) المصدر 165- 163.
(13) أشار الشيخ البهائي في تفسير مفردات الدعاء إلى أن المراد ما اشتهر من مسائل وجهها علماء البلاط ومنهم يحيى بن أكثم، إلى الإمام الجواد عليه السلام في الثامنة من عمره، في حضور المأمون، فأجاب عليه السلام بما ألزمهم بالإذعان لعظيم منزلته عليه السلام. أنظر المصدر: 173 172.
(14) الشيخ البهائي، مفتاح الفلاح 168- 167.
(15) أورد الشيخ البهائي قدس سره حول فقرة (كفيته حيلة الأعداء) قوله: فيه إشارة إلى ما رواه أصحاب السير من الخاصة والعامة من أن المتوكل أمر بعض السحرة أن يعمل ما يوجب خجل الهادي عليه السلام فلما أراد الساحر فعل ذلك أشار عليه السلام إلى صورة أسد منقوشة على بعض وسائد المتوكل وأمرها بافتراس الساحر فصارت بإذن اللَّه أسداً وافترست الساحر ثم عادت إلى ما كانت. وحول فقرة. (وأريتهم عجيب الآية إذ توسلوا به في الدعاء) قال رحمه الله تعالى: المراد بالآية المعجزة والذي يناسب ذلك أن يكونوا توسلوا به في الدعاء لبعض الأمور كنزول المطر مثلاً فوقع ما دعا به في الحال كما جرى للرضا عليه السلام مع المأمون على ما أورده رئيس المحدثين في عيون الأخبار. المصدر 174 173.
(16) المصدر 170- 168.
(17) حول عبارة "طُرح للسباع" قال الشيخ البهائي في شرح مفردات الدعاء: (وقد ذكر) أصحاب السير من الخاصة والعامة انه كان للخليفة في سامراء بركة عظيمة مملوءة بالسباع الضواري تسمى بركة السباع وكان يلقي من أراد قتله إليها فتفترسه في آن واحد فأمر أتباعه بإلقاء الحسن العسكري عليه السلام فيها ليلاً فلما أصبحوا وجدوه عليه السلام قائماً يصلي سالماً من السباع وهي خاضعة حوله متواضعة لديه. المصدر 180-179 وحول عبارة: "وامتُحن بالدواب الصعاب" قال عليه الرحمة: وفي هذه الفقرة إشارة إلى ما شاع وذاع من أنه كان للخليفة بغل صعب شموس لا يقدر أحد على إلجامه ولا على إسراجه ولا على ركوبه فجاء العسكري عليه السلام يوماً إلى رؤية الخليفة فقال له التمس منك يا أبا محمد إلجام هذا البغل وإسراجه فقام عليه السلام ووضع يده على كِفل البغل فتصبب عرقه وصار في غاية التذلل فأسرجه عليه السلام وألجمه ثم ركبه وأركضه في الدار فتعجب الخليفة مما رأى ووهبه للإمام عليه السلام. المصدر 180.
(18) المصدر 176-175.