مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

كشكول الأدب

إبراهيم منصور


*قصّة وعبرة
إنّ قوماً خرجوا إلى الصيد في يوم حارّ، فبينما هُم كذلك إذ عرضَتْ لهم أُمُّ عامرٍ وهي الضَّبُع، فطردوها فأتعبتهم حتى ألجأوها إلى خيمة أعرابي فاقتحمتها، فخرج إليهم الأعرابي شاهراً سيفه فطردهم وحمى الضَّبُعَ ثم قدَّم لها الحليب والماء والطعام حتى عاشَتْ واستراحت.
فبينما الأعرابيُّ نائم في جوف الليل إذ وثبتْ عليه فبقرَتْ بطنه وشربَتْ دمه وأكلت من جسده وتركته. فجاء ابن عمٍّ له فوجده على تلك الصورة، فعلمَ أنَّها فِعلةُ الضبُع، فتبعها فلم يزَلْ حتى أدركها فقتلها وأنشأ يقول:

 ومَنْ يَصْنَعِ المعروفَ معْ غيرِ أهلِهِ

  يُلاقِ الذي لاقى مُجيرُ أُمِّ عامرِ

 أَدامَ لها حين استجارَتْ بقُربهِ

  قَراها بألبانِ اللِّقاحِ الغَزائرِ

 وأشبَعَها حتى إذا ما تملَّأَتْ

  فَرَتْهُ بأنيابٍ لها وأظافرِ

 فقُلْ لذوي المعروفِ هذا جزاءُ مَنْ

  غدا يصنعُ المعروفَ مع غير شاكرِ1


*من أسماء سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
"الحاشِرُ"، قال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لي خمسة أسماء: أنا محمَّد وأحمدُ والماحي يمحو اللهُ بيَ الكُفْرَ، والحاشِرُ أحشِرُ الناس على قدمي، والعاقبُ". وقولُه: "أنا الحاشرُ أحشِرُ الناسَ على قدمي" يعني: أنّه صلى الله عليه وآله وسلم يحشرُ خَلْفَه وعلى ملَّته دون ملَّةِ غيره. أراد صلى الله عليه وآله وسلم أنّ هذه الأسماء التي عدَّها مذكورةٌ في كُتب الله تعالى المُنْزلَةِ على الأُمم التي كذَّبَتْ بنبوَّته حُجَّةً عليهم 2.

 


*من أجمل الشعر
أبياتٌ نَيِّراتٌ قالها الشاعر المُلْهم بولس سلامة في فضائل أهل البيت عليهم السلام، قال:

 لا تسألي يا ابنةَ الإسلامِ عن قلمي

  إنْ راحَ يَشْدُو بأهلِ البيتِ مثلَ فمي

 الهاشميُّ أنا من طِيبِ دوحتهِمْ

   دَمُ السلالةِ يجري في عروقِ دمي

 أللهُ طهَّرَهُمْ، بالوَحْيِ كلَّلَهُمْ

  بالبِرِّ جلَّلَهُمْ، بالأعرقِ الشِّيَمِ

 وأَذْهَبَ الرِّجْسَ عنهم، إنّ عِصمتهُمْ

  معقودةٌ لكتابِ اللهِ والقِيَمِ

 ما أَزْهَرَتْ سِدْرَةُ الرحمنِ واكتَمَلَتْ

  شريعةُ الدينِ لو لم تعتصِمْ بهِمِ 3


*من أمثال العرب
"إذا كنتَ ذا طِبٍّ فطِبَّ لِنفْسِك"؛ أي إذا كنتَ طبيباً أو عالماً بالطبّ فعالجْ نفسك، أي ابدأ أوّلاً بإصلاح نفسك، وبهذا المعنى قال أبو الأسْوَد الدُّؤلي:

 يا أيُّها الرجُلُ المعلِّمُ غيرَهُ

 

 

  هلاَّ لِنفسِكَ كان ذا التعليمُ

 

*فائدة لغويّة
"الطِّيَرَةُ والخِيَرَةُ"، الطِّيَرَةُ هي التطيُّر والتشاؤم، والخِيَرَةُ: التفاؤل أو الفَأْلُ الحسَن. والطِّيَرَةُ والخِيَرَةُ هما على وزن فِعَلَة، وقيل: لم يجئ من المصادر هكذا غيرهما. ويُروَى أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أثْبَتَ الفألَ واستحسنَه، وأبطلَ الطِّيَرَةَ ونهى عنها.

*اللاَّزم والمتعدِّي معاً
الأفعال صنفان:
إمّا لازم يكتفي بفاعله، أو متعدٍّ يتعدّى فاعله إلى نصب مفعول به. ولكنّ بعض الأفعال يأتي لازماً مرَّةً ومتعدِّياً مرَّةً أخرى، ومنها: رَجبَ، فنقول: رَجِبَ الرجلُ، بمعنى فزِعَ، ورجِبَ ورجَبَ يرجُبُ إذا استحيا، فهو – هنا – فعلٌ لازم، ونقول كذلك: رَجِبَ الرجُلُ ربَّه، بمعنى هابَهُ وعظَّمَه، ومنه سُمِّيَ شهر رَجَب لتعظيمهم إيّاهُ في الجاهلية عن القتال فيه.

*عاميّ أصلُه فصيح
يا حَسْرتي عليك! نقول لشخص نُكِبَ بمصيبةٍ أو تُوُفِّي: "يا حسرتي عليك"، وهو تعبيرٌ عاميّ أصلُه فصيحٌ بليغ، إذ جاء في التنزيل العزيز:
﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُول... (يس: 30) قيل: هذه أصعب مسألة في القرآن، إذ قال القائل: ما الفائدة من مناداة الحسرة والحسرةُ ممَّا لا يعقِلُ ولا يُجيب؟ والجوابُ أنَّك تقول للشخص: "أنا أعجبُ ممّا فعلتَ"، فقد أَفَدْته أنّك متعجّب، ولو قلت: "واعجباه ممّا فعلتَ"، و"يا عجباً أن تفعلَ كذا"، كانَ دُعاؤكَ العجبَ أبلغ في الفائدة، والمعنى: "يا عَجَباً أَقْبِلْ فإنه من أوقاتك"، وإنّما النداءُ تنبيهٌ للمتعجُّبِ منه لا للعَجَب. والحسرةُ: أشدُّ الندم، وقال الله عزَّ وجلّ: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ (فاطر: 8)، أي حسرةً وتحسُّراً 4.


*من بلاغة الإيجاز
"حَسْبي من سؤالي علمُه بحالي": عندما ألقى المشركون النبيَّ إبراهيم عليه السلام، بالمنجنيق، في النار، هبط إليه الملاك جبرائيل عليه السلام، مواسياً، فسأله: أَلَكَ حاجة؟ فأجابه النبي إبراهيم عليه السلام: أمَّا إليكَ فلا. فطلب إليه جبرائيل أن يدعو ربَّه سائلاً إياه أن ينجِّيه من النار: فقال خليل الله: "حَسْبي من سؤالي علمُه بحالي". فكانت هذه العبارة من أجمل الإيجاز وأبلغه.
وقديماً، قالت العرب: "البلاغةُ الإيجاز"، فكانت هذه من أبلغ العبائر عن بلاغة الإيجاز، بإيجازٍ بليغ.

*من غريب اللغة
"السِّخاب"، أي القلادة تُتَّخَذُ من القرنفل؛ وفي الحديث أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حضَّ النساءَ على الصدقة، فجعلت المرأة تُلقي السِّخابَ، يعني القلادة، وهي خَيْطٌ يُنظَمُ فيه خَرَزٌ؛ وفي حديث السيِّدة فاطمة عليها السلام: "فأَلْبَسَتْهُ سِخاباً"، يعني ابنها الحسين عليه السلام. وفي الحديث الشريف في ذِكر المنافقين: "خُشُبٌ بالليلِ سُخُبٌ بالنهار"؛ يقول صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا جَنَّ عليهم الليلُ سقطوا نياماً كأنّهم خُشُبٌ، فإذا أصبحوا تساخبوا على الدنيا شُحّاً وحرصاً". والسَّخَبُ – هنا – بمعنى الصَّخَبِ والصِّياح 5.


*من جذور الكلام
"شَغَرَ"، نقول: شَغَرَ المنصبُ أو المركز، أي خلا ممّن يتولّاه، وأصلهُ من شَغَرَ البلدُ أو الموقع، أي خلا من الناس ولم يبقَ به أحدٌ يحميه ويضبطه، فهو شاغرٌ أي خالٍ ممَّن يتولّى أمره حمايةً وضبطاً. ولفعلِ شَغَرَ معنًى آخر، تقولُ العرب: شَغَرَ الكلبُ، أي رفَعَ إحدى قوائمه ليبوّل، وبه شبَّه الإمامُ عليّ عليه السلام الفتنةَ محذِّراً منها فقال: "قَبْلَ أن تَشْغَرَ برِجْلها فتنةٌ تطأُ في خِطامها"، والخِطامُ: حَبْلٌ يُجْعَلُ في عُنُقِ البعير ليُقادَ به 6.

*من أجمل الصُّوَر الرمزية
من أطرف ما جاء في كتاب التائه لجبران خليل جبران، تمجيدُ الألم الذي يفجِّر ينابيع الحسّ ويولّد الروائع. المحارة السليمة التي اتخذها جبران مثلاً لا ينبثقُ عنها إلّا العُقم، بينما المحارة العليلة يولّد فيها الألم لؤلؤة باهرة.
وقد عانى جبران نفسه هذه التجربة فكان معظم نتاجه وليد ألمه الجسديّ والمعنويّ، بقدر ما كان وليد أحلامه الغريبة وخياله 7.


* عضو نقابة الكتّاب اللبنانيين.
1- عالم الحيوان، د. سمير كبريت، ص68 – 69.
2- لسان العرب، م.س، ج4، ص190، مادة حشر.
3- عليّ والحسين في الشعر المسيحي، بولس سلامة، ص361.
4- م.ن، مادة حسر، ص189.
5- م. ن، ج1، ص461، مادة سخب.
6- م.ن، ج4، ص417، مادة شغر.
7- جبران خليل جبران، المجموعة الكاملة العربية، مقدّمة للدكتور جميل جبر، ص 52.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع