مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

صوت وصورة: كوفية عربية على حلبة مصارعة!

 

 

ايفا شعيتو


رياضتان شعبيَّتان، لربما كان للنساء الحق في الهرب منهما إلى الطرف الآخر من الكرة الأرضية: المصارعة وكرة القدم. ولكن من "محاسن الصدف" ومن المفيد أحياناً أيضاً أن يلفت نظرك منظر غير مألوف في إحدى هاتين الرياضتين وهي المصارعة. تتوقف فجأة عن تقليب المحطات لأن مشهد كوفيّة عربية على حلبة مصارعة يشدّ انتباهك. وترى "المسرحية الهزلية" المنقولة بأكملها بدون أي اقتطاع على شاشة الـART، من إحدى حلبات المصارعة الكندية.

على الجانب الأول يقف مصارع يرتدي كوفيّة عربية مع "العقال" طبعاً وبذلة رسمية مع ربطة عنق. ملامحة عربية بدون أدنى شك ويتكلم الإنكليزية "الفصحى" بطلاقة ولعلّ ذلك من مستلزمات "الدور" الذي سيقوم بتأديته أمام جمهور يتكلم الانكليزية . ويقف إلى جانبه رجل آخر بملامح إيرانية وبذلة رسمية مع ربطة عنق أيضاً ولكنه يتكلم الفارسية ولربما كان هذا مدرّبه. في الطرف المقابل يقف مصارع أمريكي "وحيداً" في مواجهة "اعتداءات" الاثنين الكلامية ضمن خطاب التحدّي الذي يسبق عادة بداية المباراة ولكن... فجأة، ينقلب الخطاب إلى خطاب سياسي عام يلقيه المصارع صاحب الكوفية باسم العرب و"دفاعاً" عنهم أجمعين: "أنتم تعتبروننا دونكم... نحن المظلومون... الخ".

وطبعاً يتّخذ المصارع الأمريكي هنا موقف "السياسي الحذق" الذي يردّ التهم بكل رحابة صدر وببسمة عريضة وصوت جهوري عالٍ لما لا يتوافق عادة مع ردة فعل مصارع يُستفزّ، ويحتدّ "النقاش" ليصبح الحوار هجوماً من صاحب الكوفية العربية يحوّله ناحية الجمهور بأكمله! "أنتم الكنديون والأمريكيون تتهموننا بالإرهاب" ثم تتوالى الإهانات للجمهور بأكمله على لسان ذلك "المسلم" ليجيب المصارع الأمريكي الذي بدأ صبره ينفذ بكلمة واحدة: "اخرس" ليتدّخل بعدها الإيراني غاضباً مهاجماً بلغة فارسية ويجيبه الأمريكي بضحكة ساخرة مستخفاً مشيراً بإصبعه نحوه مديراً وجهه إلى الجمهور متهكماً وكأنه يقول: انظروا إلى هذا.. من يفهم ماذا يقول؟ طبعاً.. الجمهور هنا، أصبح في أعلى قمم الحماس مطلقاً صرخات الرفض كلما تكلم العربي، ضاحكاً باستهزاء واستخفاف كلما تدخّل الإيراني ومصفقاً كلما تكلم الأمريكي أو قام بالرد أو بالهجوم. وكخاتمة لهذه المسرحية المهزلة، يحتدّ التلاسن بين الطرفين فيقوم العربي بضرب الأمريكي وهزيمته أمام استهجان الجمهور وصيحات استنكاره ومن ثم يخرج من الحلبة مع صاحبه الإيراني يهزجان أمام الجميع بالنصر الساحق الذي حققاه؛ "فالحق" هنا ينتصر على "الباطل".

مما لا شك فيه أن مشهد النصر هذا سيبقى غصّة في قلب من حضر المباراة وشاهدها من الجمهور الأوروبي والأمريكي إلى أن يتم الانتقام من "الإرهاب" الذي مثّله هذان الاثنان باحتراف. لم يكن صعباً أبداً استباق نتيجة المباراة سلفاً، إذ أنه كان لزاماً وفق منطق ذلك السيناريو أن يُهزم الأمريكي باعتداء ليكسب تعاطف الجمهور الغربي. سيناريو لم يعد غريباً، إذ أنه جزء من البروباغاندا (السياسة) الإعلامية لنظام بوش الجديد في الحرب على "الإرهاب" و"أعداء الأمة". ولم يعد غريباً على حدّ سواء تقديم تلك الصورة النمطية Stereotype للعربي الذي يرتدي الكوفية، ذلك العربي الإرهابي الهجومي، العنيف كلاماً وفعلاً.

الجديد في الموضوع هو استغلال وإقحام لعبة شعبية كالمصارعة ذات الجمهور الواسع في الغرب في البروباغاندا الإعلامية وتجييرها كمفردة من مفردات إعلام الحرب لاغتصاب عقول الجماهير الغربية وكسب تعاطفها مع المشروع الجديد للسيطرة على العالم بحجة "تخليصه من الإرهاب". الجديد في الأمر أيضاً لباس العربي العصري نوعاً ما وكلامه الانكليزية بطلاقة مما يجعل صورته مفصّلة تماماً على قياس ما تريد البروباغاندا الجديدة قوله "احذروا فالعربي الإرهابي صار يلبس الثياب العصرية كما تلبسون ويتكلّم بلغتكم" وكأنه هذه هي الرسالة التي أريد للجمهور الغربي تلقّفها، المؤسف في الموضوع برمّته، هو أنه كيف تسمح شاشة كالART لنفسها بنقل مثل هذه المباراة وهي من المفترض أنها شاشة عربية؟ كيف تسمح لنفسها بنقل مثل هذه المباراة التي تنطوي على إهانة العرب وصورة الإنسان العربي من دون أي تعليق؟ ما المقصود من نقل مباراة تقدّم صورة العربي كإرهابي والإيراني كإرهابي لجمهور عربي؟ هل هو لكسب تعاطف الجمهور العربي مع الأمريكي الذي يذبح أبناء أمّته أم هو لخلق الهوَّة بين العرب والإيرانيين؟ ما السبب في عرضها على جمهور عربي؟ وكيف تسمح لنفسها وهي قناة عربية بأن تكون جزءاً من الآلة الإعلامية الأمريكية الحربية التي تشن هجومها على جمهورنا العريض مبرّرة هجوم جيشها على أمتنا العربية؟ هل بهذه الطريقة نحارب "الإرهاب" في دولنا؟ أم نعيد أمجاد "السلام"؟ إنه لمن الغباء حينها أن نعمد إلى الاستعانة بالرسالة الإعلامية الغربية لمحاربة "الإرهاب" لأن مفردات الرسالة الإعلامية تلك قائمة على صورة نمطية للعربي استخلصها واصفوها من نظرة الغربي الذي يعتبر العرب كلهم على هذه الشاكلة ويصرّ على تقديم العربي لجمهوره على هذه الشاكلة فكيف نكون نحن تلك العين التي ترى نفسها بهذا الشكل؟

إنه لمن الغباء الإعلامي أن نهاجم أنفسنا بإعلامنا. لأن ذلك سيكون إقراراً منا بعقدة الدونيَّة والتخلّف، وإقراراً بصورة العربي الغبي، وهي كلها مفردات تزرعها تلك البروباغاندا وتلك الصورة النمطية في أذهاننا. وأين الردّ؟ أين تلك الصورة النمطية للأمريكي التي من المفترض أن تُعْتَمَد كرد طالما أن العرب متفقون على أن ما يفعله الأمريكي اليوم هو أمرٌ مستنكر؟ لماذا تغيب تلك الصورة عن شاشاتنا؟

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع