مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مشاركات القراء: أطفالنا بين الحياء المحمود والخجل المذموم‏

دلال فخر الدين‏

 



من نِعم اللَّه سبحانه على الإنسان، أن خلق فيه فطرة الحياء، والتي هي ذات فائدة اجتماعية عظيمة فهي تمنع الإنسان من ارتكاب الجرائم وتحفظه من التلوّث بالذنوب والأعمال المنافية للآداب(1). وقد ذُكر الحياء في روايات وأدعية وأحاديث عديدة منها ما ذُكر عن الإمام الصادق عليه السلام: "فلولاه لم يُقرَ ضيف ولم يوفَ بالعداة، ولم تُقضَ الحوائج ولم يُثمر الجميل... فإنّ من النّاس من لولا الحياء لم يرعَ حق والديه ولم يصل ذا رحم، ولم يؤدّ أمانة ولم يعفُ عن فاقة"(2). وفي حديث آخر: "من لا حياء له لا دين له"، وعليه يظهر جلياً حثّ الدين الإسلامي على الحياء لما له من آثار إيجابية على المجتمع. ولكن هذا الحياء الذي هو فضيلة قد يسبّب مشكلة كبيرة إذا تفاقم وازداد وخصوصاً عند الأطفال.

* مظاهر الخجل الزائد عن الأطفال:
من المظاهر ذات الدلالة على الخجل عند الأطفال فهي: عدم الثقة بالنفس، عدم القدرة على مواجهة مشاكل الحياة منفرداً، الافتقار إلى المهارات الاجتماعية، تجنّب الاتصال الاجتماعي، الميل إلى الصمت والتحدّث بصوت منخفض، إيجاد صعوبة في إقامة الصداقات السريعة، الشعور بالدونية والنقص، الخوف، التردد، حبّ العزلة والوحدة. وعندما يتعرّض الطفل لموقف يخجل فيه تظهر عليه الأعراض التالية(3):
- الإحساس بارتفاع الحرارة واحمرار الوجه والأذنين.
- هروب الكلام منه.
- جفاف الحلق وارتعاش اليدين وسرعة نبضات القلب.
ومن خلال هذه الخصائص والأعراض تبدو حالة الخجول سيّئة وشخصيّته مضطربة وتكيّفه الاجتماعي مريراً، لذا كانت الحاجة إلى مساعدته على الخروج من هذا الوضع الأليم ويكون ذلك بالبحث عن الأسباب الدافعة والمساهمة في بناء هكذا شخصية(4).

* أسباب خجل الأطفال:
1- الشعور بعدم الأمن: فالطفل الذي لا يشعر بالطمأنينة الكافية لا يغامر بتعريض نفسه للآخرين خوفاً من التعرّض للأذى وسبب هذا الشعور:
أ - الحماية الزائدة من الأهل فيصبح الولد اتّكالياً، طفولي التصرّف لأنّه لم يكتسب الثقة بنفسه في التعامل الفعّال مع المحيطين به.
ب- إهمال الأهل بسبب اعتقادهم الخاطئ أنّ عدم الاهتمام بأطفالهم يساعد على تنمية استقلالهم.
ج- النقد والإغاظة والتهديد من الآخرين فيتجنّب الطفل الاتصال الاجتماعي خوفاً من استجابات الراشدين السلبية هرباً من التهديدات.
د- عدم الثبات في مواقف الأهل فهم أحياناً حازمون جداً وأحياناً متساهلون جداً فيعيش الطفل حالة من التردّد والخوف من موقف أهله المجهول.
2- تسمية الذات كخجول: فيتقبّل الطفل نفسه كخجول ويشكّ في صحّة المديح الموجّه إليه وتصبح قناعته: "أنا مجرّد شخص خجول، هذه هي شخصيتي".
3- الإعاقة الجسمية: فالظاهرة منها تجعل الطفل حسّاساً جداً فيتجنّب الآخرين كي لا يحدّقوا به أو ينظروا إليه أما الإعاقات الخفية كعدم القدرة على التعلّم فقد تؤدّي إلى الانسحاب الاجتماعي.
4- التأثّر بالوالدين: فالطفل المولود من أهل خجلين لا بدّ أن يتأثر بهما وحتى في الحالات التي لا يكون فيها الأهل خجلين قد يتّصف طفلهما بالخجل بسبب خلافاتهم المستمرة أو قسوتهم وسيطرتهم ونقدهم وسخريتهم منه.

* علاج الخجل عند الأطفال:
تتعدد أساليب علاج الخجل كتعدّد أسبابه وهي تكمن في الأساس على إعادة ثقة الطفل بنفسه وتعويده على الاستقلالية وذلك عبر:
1- تشجيع الطفل على النشاطات الاجتماعية ومكافأته عليها(ابتسامة، كلمة طيبة، الإمساك باليد...) كالزيارات والرحلات والمخيمات الكشفية واللعب مع أقرانه...
2- تعزيز ثقة الطفل بنفسه والاعتماد على ذاته تدريجياً بالسماح له باتّخاذ بعض القرارات الخاصّة به منفرداً ويجب الإشارة إلى جوانب القوّة والإنجاز لدى الطفل والافتخار بها.
3- تشجيعه على بعض المهارات والتمكّن منها ليشعر بالكفاءة والمقدرة والأهمية مع محاولة تأمين الأجواء الملائمة لنجاحه.
4- إحاطة الطفل بجو من الحب والدف‏ء ليشعر بالأمان فيجد أهله بانتظاره للاستماع لأحاديثه والإجابة عن تساؤلاته وهم مع ذلك يلتزمون بمعايير ثابتة في سلوكهم معه.
5- تشجيع الجرأة ليطلب الطفل ما يريد بصراحة وليقول "لا" عندما لا يكون راغباً في عمل فعلٍ ما، وتعليمه أن يفكّر بإنجازاته عندما يكون بين مجموعة بدلاً من التفكير كيف أنّ كل واحد منهم أفضل منه(5).

وعليه يتّضح لنا أن الخجل ليس مشكلة بسيطة وعابرة بل إنّها من أصعب المشاكل النفسية التي قد يعاني منها أطفالنا حيث يبتعد عنهم الآخرون وينظرون إليهم على أنّهم مضجرون ينبغي تجنبهم. ومما يزيد الأمر سوءاً أن الخجول يعاني من مشاكله دون أن يلحظه أحد لعدم اتصاله بمحيطه ما يزيد هذه المشاكل ويجعلها تتراكم لينتج عنها إنسان قد يفشل دراسياً ومهنياً واجتماعياً في حياته، وخير كلام لسيد البلغاء عليه السلام: "خير الأمور أوسطها" فيجب أن نكون حذرين كل الحذر في التعامل مع أطفالنا لتنمية روح الحياء في داخلهم والحذر من المبالغة فيها كي لا يصيروا خجلين فتتحول الفضيلة إلى مشكلة حينئذٍ.


(1) و(2) السيد بسام خضرة: الاختلاط إلى أيّ مدى - دار المجتبى، ص‏38.
(3) و(4) د. محمد رضا فضل اللَّه: المعلّم والتربية، دار المصطفى صلى الله عليه وآله، ص‏457.
(5) هوارد ميلمان - شيفر شارلز: مشكلات الأطفال والمراهقين وأساليب المساعدة فيها، ش.م الطبعة الأولى، عمان 1989، ص‏209 - 200.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع