ايفا علوية ناصر الدين
في عيد أمي، أعود طفلة صغيرة تأنس بلحظات الدفء والحنان التي فاض بها فؤادها فغمر فؤادي بحبها الذي لا يموت. أعود طفلة مولودة لتوّها، يخفق قلبي الرقيق بنداء صامت: أمي، ليديها الملامستين أطرافي، لإشراقة ملامح وجهها الباسم الذي يستقبل عينيّ ويسكب في بريقهما سيلاً من الأمل بالحياة، لقبلة تطبعها على خدي بعدما اختزنت فيها عطفها اللامتناهي ومحبتها الغامرة، لضمّة شديدة تغرقني في حنو صدرها وتقربني إلى نبضات أعماقها في أرقّ المشاعر وأجملها.
أعود أيضاً طفلة في شهورها الأولى، لا أهنأ إلا بقربها ولا أغفو إلا في مهد ذراعيها، ولا يؤنس أوقاتي سوى نغمات صوتها، ولا يُسكت بكائي إلا عنايتها واهتمامها. أعود طفلة في عامها الأول، أتكئ على يديها لألملم خطواتي المتعثرة حتى أمشي بزهو الثقة التي أمدتني بها، وأتعلم من كلماتها كيف أجمع في فمي حروفي المبعثرة حتى أُطلق أول كلمة لي: " ماما" ، وأنا أشعر وكأنني امتلكت الوجود بأسره. أعود طفلة في يومها المدرسي الأول، أتعلق بأطراف ردائها وهي تقف لي مودّعة على باب صف الروضة، فأشدّ على يدها التي سرعان ما تفلت من يدي وكأنها تقول لي: هيّا انطلقي إلى مسارح الحياة وأنا إلى جانبك على الدوام في رعاية اللَّه وحفظه. بعدها أعود إلى نفسي، التي ما عرفت معنى الأمومة وما أدركت حقيقتها وما شعرت بقيمتها إلا عندما صرت أماً يجري في عروقها نبض الأمومة ويعبق كيانها بالعطف والحنان وهي تستلهم من حاجة وليدها القدرة على العطاء والقوة على التفاني في سبيل أمانه وراحته. في عيد أمي تضيع في فمي الكلمات وتتراشق على لساني الحروف ولا أجد سبيلاً إلاّ لنطق كلمتي الأولى: " أمي" ، وأردف بعدها: شكراً لك أمي، شكراً على كل شيء، شكراً لأنك أمي...