مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مشاركات القراء: لماذا اختار الإمام الحسن عليه السلام الصلح بدل الثورة؟

حسين عبد اللَّه خليل/ البحرين‏

 



حينما ينطلق الحديث عن صلح الإمام الحسن عليه السلام تبرز بعض التحليلات القائمة على دراسة وتناول سيرة الإمام من زاوية سياسية تتمثل في صلحه مع معاوية وتحجيم الإمام في هذه الزاوية بصورة منفصلة عن موضوع الإمامة، فمثلاً البعض اتجه لمقارنة صلح الإمام بثورة الإمام الحسين معتبراً أنهما اتبعا منهجين متناقضين. ومن هنا تبرز الكتابات التي تصف الإمام الحسن عليه السلام بأنه أقل شجاعة من الإمام الحسين عليه السلام وأن روحية الإمام الحسن المائلة للصلح تختلف عن روحية الإمام الحسين عليه السلام الذي هو رجل حرب وثورة.

وتوصل البعض إلى تخطئة الإمام الحسن عليه السلام والعياذ باللَّه في ذلك وكانت المحصلة النهائية التي توصل لها هؤلاء الباحثون والكتّاب هي أن الإمام لا خبرة له بالعمل السياسي. وهذا ناتج كما قلنا عن تغييب أهم الصفات لدى الإمام ألا وهي الإمامة التي تعني في أبرز مصاديقها استلهام الموقف من معين السماء لمعالجة الواقع الحياتي للبشرية أضف إلى ذلك أن البعض يربط الإمامة باستلام زمام قيادة المسلمين وخلافتهم السياسية فقط والتي تعتبر إحدى وظائف الإمامة كما توضحه الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة. فعمل الإمام هو عمل رسول اللَّه وهو التبليغ كما في قوله تعالى: ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ فالإمام مكلف بالإبلاغ وحفظ تراث النبي صلى الله عليه وآله ومن هنا نجد أن الإمام نجح نجاحاً تاماً في هذا الجانب من حيث استطاعته إيجاد شريحة من أمة جده تسير على منهجه الحقيقي.

ولكي تتضح الرؤية لا بد من توضيح بعض النقاط:
* الصلح في الفقه الشيعي يعني المهادنة أي الاتفاق على عدم الاعتداء مدة معينة لضمان مصلحة المسلمين كما في صلح الحديبية الذي أبرمه النبي صلى الله عليه وآله لمدة عشر سنين حيث كانت مصلحة المسلمين تقتضي وقف الحرب لقلتهم وهذه النقطة توضح أن الإمام الحسن عليه السلام لم يصالح معاوية بصورة مطلقة.

* من وجهة نظر الفقه الشيعي إن الصلح جائز للمسلمين في ظروف خاصة بل قد يكون لازماً واجباً حيث نجد أن النبي صلى الله عليه وآله في موارد متعددة عقد الصلح مع أهل الكتاب بل عقده مع المشركين، وحارب في مواقع الحرب.

* صلح الإمام كان سبيلاً وفرصة لحرب الإمام الحسين وهذا يمكن استنتاجه من خلال بنود الصلح التي كانت في أغلبها مصاغة بدقة لامتناهية في كشف معاوية وإبراز الوجه الحقيقي لحزبه وفضح ادعاءاته بالالتزام بالشريعة وتمثيل قيم السماء، فمثلاً النقطة الثالثة منها والتي تشير إلى أن (الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللَّه) وعند التدقيق في هذا البند نجد أن الواقع الحياتي للناس هو الاضطهاد والملاحقة وهذا يخالف قيم السماء.

* اختلاف ظروف الإمام الحسن والإمام الحسين:
1- الإمام الحسن عليه السلام كان خليفة ومعاوية والٍ طاغٍ معارض للخلافة فلو اختار الإمام الحرب وقُتل فهذا يعني مقتل خليفة المسلمين وهزيمة لمقام الخلافة أما مقتل الإمام الحسين فهو مقتل رجل ثائر.

2- قوات الإمام الحسن كان بإمكانها أن تواجه معاوية وتطول الحرب لكن وجود الخوارج تلك الفئة التي تتقيد بأصول أخلاقية وإنسانية لا ترتبط إلا بظواهر الأمور من الدين إضافة إلى خيانة بعض أصحابه ووجود فئة المنافقين كان سيشكل مجزرة رهيبة تقودها هذه الفئات باسم الإمام الحسن ولكنها بعيدة عن المبادئ والأخلاق الإسلامية فهذه الفئات لم تتعرف على عمق التعاليم الإسلامية.

3- الإمام الحسن لم يبايع معاوية ولم يُكنّه بإمرة المؤمنين ولم يطلب منه معاوية ذلك على عكس الإمام الحسين فإن الحكومة الظالمة آنذاك قررت أخذ البيعة منه أخذاً شديداً لا تساهل فيه.

4- كان وضع الكوفة مغايراً لوضعه حين ثورة الحسين عليه السلام حيث أن دعوة أهل الكوفة للإمام الحسين عليه السلام للقدوم وإلقاء الحجة عليه بعد شعورهم بالأذى وتحمل الظلم حيث كانت هناك 17 ألف رسالة تعلن استعداد أصحابها الكامل للوقوف بجانب الإمام عليه السلام والاستعداد للتضحية على عكس الحال في عهد الإمام الحسن: فالكوفة كانت مرهقة مشتتة، كانت كوفة العقائد المختلفة من منافقين وخوارج وغيرهم إضافة للحروب التي أنهكتهم بينما وُجِدت مع الإمام الحسين قوة إيمانية هائلة قاومت الشدائد دون وجود الفئات التي واجهها الإمام الحسن.

5- ثورة الإمام الحسين قامت على أساس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما أتاه معاوية وابنه يزيد من جورٍ وظلم وتغييرٍ لأحكام الدين وإراقةٍ للدماء المحترمة وهي محصلة مدة الصلح التي أظهرت زيفه حيث إنه في عهد الإمام الحسن كان يدعي أخذه للخلافة لأجل تطبيق أحكام وتعاليم الدين الإسلامي على اعتبار أن الصلح مجرد تفويض له من أجل إقامة الحكم الإسلامي.

6- المجتمع في عهد الإمام الحسن كان يرى أن معاوية رجل مقبول وانبثقت هذه الصورة من خلال تعامله مع رعيته أثناء ولايته في حكم أمير المؤمنين الذي قضاه بالخبث والدهاء والاستجلاب بالمال والتظاهر بالشريعة الإسلامية وأبرز مثال يوضح ذلك رفعه شعار الثأر من قتلة عثمان وواقع الحال يكذب هذا الادعاء بينما في عهد الإمام الحسين تجلى فسق وفجور يزيد بوضوح لم يدع مجالاً للشك.

7- من أهم أسباب قيام الإمام الحسين بالثورة هو صلح الإمام الحسن عليه السلام فحينما نتأمل في تلك البنود نجد أن معاوية أخلفها جميعاً وكان آخرها أن جعل ابنه شارب الخمر لاعب القمار اللاهي مع الكلاب ولياً للعهد بذلك نجد أن الصلح قد ألقى الحجة على المسلمين وأوضح لهم بما لا يتطرق إليه الشك خبث معاوية وزيف ادعائه.

8- التسليم التام والموافقة التامة من قبل الإمام الحسين للإمام الحسن في الصلح أي أنه لم تصدر منه أدنى مخالفة لهذا الصلح حتى أن جمعاً من رافضي الصلح جاؤوا إليه يعلنون رفضهم للصلح معلنين البيعة له فرفض مبيناً لهم تبعيته التامة لما يقوم به الإمام الحسن.

9- من أقوى الأدلة على صحة موقف الإمام الحسن في صلحه هو استمرار الإمام الحسين من بعده أثناء خلافة معاوية بالصلح المبرم بين الإمام الحسن ومعاوية وعدم ثورته عليه وهذا يوضح أن الظروف كانت تحتّم ذلك حتى تغيرت هذه الظروف بتولية يزيد الفاجر فكان لزاماً المواجهة والتضحية من الإمام.


- الأئمة الإثنا عشر دراسة تحليلة في المنهج، راشد الراشد.
- سيرة الأئمة الأطهار، مرتضى المطهري.
- سيرة رسول اللَّه وأهل بيته، لجنة التأليف (مؤسسة البلاغ).

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع