الشيخ نعيم قاسم
هل نحن بحاجة لظهور الإمام الحجة عجل الله فرجه لنميِّز الحق من الباطل، ولنعرف سبيل الله من سبل الشيطان؟ هل نقبل تبريرات المنحرفين بإضافة البدع وتعطيل السنن على قاعدة الاجتهاد والرأي؟ هل يمكن أن تبقى البشرية في ضياع بغياب إمامها المنقذ من دون حلٍ أو حسم؟ إنَّ العودة إلى الشريعة الإسلامية الحقَّة تبصِّرنا طريقنا بوضوح، فمعالم الطريق غير معقَّدة، وشريعة اللَّه غير خفيَّة، والصلاح بيِّنٌ يكشف الفساد ويفضحه، وصفات المؤمنين مختلفة عن صفات المنافقين والكافرين، وليس عصيًّا على الناس أن يكتشفوا هذه الفروقات بيسرٍ وسهولة.
أول الطريق إلى الله، أن نسير على صراطه الذي لا عِوجَ فيه، والذي يتمايز عن كل السبل الضَّالة، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (الأنعام: 153). وهذا ما يؤدي إلى موالاتنا لله وولاية الله تعالى لنا، فالمؤمنون يناصرون الحق والله ينصرهم، والكافرون يناصرون الباطل بما يحمل من ظلم وطغيان وفساد، قال تعالى: ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (البقرة: 257).
ولا تكتمل موالاة اللَّه إلاَّ بموالاة أوليائه، إذ لا توجد أي ترجمة عملية صحيحة للالتزام بخط اللَّه تعالى إلاَّ إذا ناصر المرء أولياء اللَّه وعادى أعداء اللَّه، فيكون بذلك قد قَرَن القول بالفعل، وحدَّد سلوكه في هذه الحياة. ففي الحديث القدسي:
قال اللَّه عزَّ وجلَّ لموسى عليه السلام: هل عملت لي عملاً قط؟ قال: إلهي صليتُ لك وصمتُ وتصدقتُ وذكرتُك كثيراً. قال اللَّه تبارك وتعالى: أمَّا الصلاة فلك برهان، والصوم جنة، والصدقة ظل، والزكاة نور، وذكرك لي قصور، فأي عمل عملت لي؟ قال موسى عليه السلام: دُلَّني على العمل الذي هو لك. قال : يا موسى، هل واليت لي ولياً قط؟ أو عاديت لي عدواً قط؟ فعلم موسى أن أفضلَ الأعمال الحبُّ في الله والبغضُ في الله(1).
فالمسار الصحيح دعامته الحب لله وفي الله والتفاعل معه، وذلك بمناصرة أولياء الله ومعاداة أعدائه، مع ما في ذلك من تكاليف وتضحيات، فمغالبة الباطل ومواجهته خطوة ضرورية في هذه الحياة الدنيا لنصرة الحق. ولا خيار للإنسان إلاَّ في احد اتجاهين: إمَّا سبيل الله وإمَّا طريق الشيطان، إمَّا الدنيا بزخرفها وإمَّا الآخرة بحقائقها الثابتة، ولا يمكن الخلط بينهما أو تضييع الاتجاه بالتوفيق بينهما. فالموقف حاسم بين بيع الدنيا بالآخرة و بيع الآخرة بالدنيا، أما المؤمن فهو الذي يبيع دنياه من أجل آخرته بكل ما يحمل من تضحيات وعطاءات، قال تعالى: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيما﴾ (النساء: 74). وأما الكافر فهو الذي استحوذ عليه الشيطان فلم يعد يرى طريق الحق، ولم يعد قابلاً للاستقامة، كل ذلك باختياره وإرادته التي أغرته بزينة الحياة الدنيا ومتاعها. قال تعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (المجادلة: 19). فالذين يعتذرون بغياب الوضوح لسبيل الله مخطئون! والذي يبرِّرون لأنفسهم بعض الفساد بحجة التشويش في الساحة واستعدادهم لإعطاء كل شيء عند الظهور مشتبهون! والذين يشيرون إلى اختلاف الآراء والجماعات فيعذِّرون أنفسهم لذلك فلا يوالون أولياء الله ولا يعادون أعداء الله منحرفون.
سبيل الله لا خفاء فيه، وعلاماته مضيئة، ورايات الهدى التي ترتفع في كل زمان تُعرف من منهجها ومناصريها وطريقة أدائها. نعم، تصبح المعالم أوضح وأصرح ومكشوفة للعيان عند ظهور الحجة عجل الله فرجه. فقد ورد عن الأصبغ بن نباتة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "لما عُرج بي إلى السماء السابعة، ومنها إلى سدرة المنتهى، ومنها إلى حُجب النور، ناداني ربي تعالى: يا محمد، أنت عبدي وأنا ربك، فلي فاخضع، وإياي فاعبد، وعليَّ فتوكَّل، فاني رضيتُ بك عبداً وحبيباً ورسولاً ونبياً، وبأخيك علي خليفة وباباً، فهو حجتي على عبادي وإمامٌ لخلقي، به تعرف أوليائي من أعدائي، وبه يُميَّز حزب الشيطان من حزبي، وبه يُقام ديني وتُنفذ أحكامي وتُحفظ حدودي، وبك وبه وبالأئمة من ولده أرحم عبادي وإمائي، وبالقائم منكم أُعمِّر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي، وبه أُطهِّر الأرض من أعدائي وأورِّثها أوليائي، وبه أجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمتي العليا، وبه أحيي عبادي وبلادي، وبه أُظهر الكنوز والذخائر بمشيئتي، وإياه أُظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي، وأمدُّه بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري وإعلان ديني، ذاك وليي حقاً، ومهديُّ عبادي صدقاً"(2). وكما هو واضح من خلال هذه الرواية، فمن لحق بركب أهل البيت عليهم السلام، وكان من أولياء الله ضد حزب الشيطان نجا وسلك الطريق الموصل إلى راية الإمام المهدي عجل الله فرجه.
(1) الطبرسي، مشكاة الأنوار: ص 222.
(2) الحر العاملي، الجواهر السنية: ص 235.