مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

التلفاز: استعمار ثقافي لعقول المشاهدين‏

فاطمة مصطفى‏

 



الإعلام بكافة أنواعه المرئية والمسموعة والمقروءة ضرورة حتمية من ضرورات التواصل الفكري والحضاري بين الأمم، خصوصاً في زمن اشتدت فيه الصراعات الفكرية وتنوعت فيه الإيديولوجيات المختلفة. ويعتبر الإعلام من مظاهر التكنولوجيا التي هي أداة رقينا وتطورنا عبر الزمن والتي يمكن أن تلعب دوراً سلبياً إذا ما سي‏ء استخدامها، فالطاقة الذرية على سبيل المثال التي صنعت وطورت لاستعمالها في أغراض سلمية تعود بالفائدة على بني البشر، أصبحت أداة الدمار الأولى والعصا التي تحملها الدول الكبرى في وجه المعارضين والخارجين على سياستها، وكذلك الأمر بالنسبة لوسائل الإعلام التي باتت على درجة من الأهمية لا يمكن تجاهلها أو تجاهل الدور الذي يمكن أن تقوم به لا سيما الإعلام المرئي الذي يمتاز بقدرته الفائقة على جذب الكبار والصغار بما يعتمده من التجسيم صوتاً وصورةً فيضفي على الفكرة التي يريد إيصالها واقعية تجعلها تنفذ بسهولة إلى قلب وعقل المشاهد وخصوصاً جهاز التلفاز الذي أصبح جزءاً من أثاث أي منزل وهو ذو تأثير كبير في توجيه سلوكيات الناس نحو الخير أو الشر.

من هنا إذا أردنا أن نطرح البرامج التي تعرضها القنوات التلفزيونية على بساط البحث لنتبيّن الغث من السمين نجد أن هناك بعض البرامج التي تثري معلوماتنا وتغني معرفتنا بشتى أنواع المعارف التي تتصل بنا وبالموجودات من حولنا وفي نفس الوقت نجد أن هناك برامجاً تبثها تلك القنوات وهي فارغة المضمون والمحتوى أو حبلى بأنواع السموم والأوبئة الثقافية الموجهة. موجز القول أن الإعلام المرئي يمكن أن يكون آلة فاعلة في جمع الناس على الخير، أو بث روح الانحراف والفساد، إذاً هو سلاح ذو حدين يوظفه كل حسب أهوائه وتطلعاته.

* برامج مخصصة لإشاعة الفساد
تضاعفت في الآونة الأخيرة فاعلية الإعلام المرئي وتأثيره مع تطور الخدمات التقنية الحديثة، وقد تنبهت الدول الاستعمارية لهذا التأثير وأدركت أن الهيمنة الاستعمارية لا تتجسد فقط بقوة السلاح بل يمكن خوض حروب إعلامية غير معلنة تسير بالتوازي مع الحروب العسكرية. من هنا نجد كيف يحاول الغرب جاهداً أن يسيطر على أفكار الجمهور مستغلاً الغرائز من خلال التركيز على عرض الأفلام الإباحية وبرامج العنف والإجرام إضافة إلى الإعلانات التي ولأسباب تجارية جعلت من جسد المرأة سلعة رخيصة للترويج للمنتوجات والبضائع وغيرها، ومن نافلة القول أن الرقص والأغاني المصورة فيديو كليب التي تضع المرأة تحت الكاميرات لساعات أصبحت تشكل نسبة كبيرة من مجمل ما تبثه القنوات العربية. والأدهى من ذلك هي البرامج المستحدثة والتي اصطلح على تسميتها بتلفزيون الواقع Real Tv حيث تدخل الكاميرا لتنقل بالصوت والصورة تفاصيل مملة لحياة بعض الشبان من الجنسين جمعوا معاً وهم يتصرفون بطريقة تخرج عن الإطار الاجتماعي والأخلاقي المتعارف عليه في مجتمعاتنا علماً بأن مثل هذه البرامج هي أبعد ما تكون عن واقعنا وهمومنا فهي لا تنقل الصورة الحقيقية لمجتمعنا بل تنقل صورة مصطنعة يمليها تأثير الكاميرا على المشتركين فيها وهي أولاً وآخراً مأخوذة من الغرب حيث فصّلت وحيكت بما يتناسب مع أفكار المجتمعات الغربية وتقاليدها، ولعله من السذاجة أن نتوهم براءة هذه البرامج من الأهداف والغايات الدفينة، فهذه البرامج تشكل جزءاً من الحملة الإعلامية المنظمة ضد العرب والمسلمين هدفها الحد من المد الثقافي الإسلامي، وإشاعة الفساد والفجور في أوساطنا. وقد قيل "حسبك من شر سماعه فما بالك برؤيته". إن عرض مثل هذه البرامج هو فتنة تفسد المجتمع، والفتنة أشد من القتل، ولا يزال المربّون في مختلف أصقاع العالم يشكون الويلات من جراء ما أفسدت بعض البرامج التلفزيونية من أخلاق الناشئة، هذه البرامج تتضاعف مفاسدها يوماً تلو يوم، وحسبنا لنعرف عظم مضارها ومفاسدها أن ننظر إلى التحلل الخلقي والشذوذ الجنسي الرائجَين في المجتمعات الغربية.

* ماذا عن برامج الأطفال؟
وكذلك فإن هذه الحملة الواسعة تجسدت بأخطر وسائلها في برامج الأطفال الموجهة توجيهاً ذكياً يستوعبه الطفل ويقلده لأن الطفل بطبيعته يحاكي غيره ويقلده خاصة من يعتبره بطلاً، هذه البرامج والأفلام خصوصاً الأجنبية منها وهي ليست بقليلة التي يتم إما ترجمتها أو دبلجتها إلى العربية نقلت الطفل من موقع المشاهد إلى موقع المتلقف لتلك المفاهيم والثقافات التي تخدش براءته وتلوث طهارته. فكم سمعنا عن أطفال حاولوا تقليد "سوبرمان" بالقفز من على الشرفة! وكم من أطفال يحاولون القيام بما يقوم به بعض المخلوقات الرقمية أبطال الديجيتال وكم رأينا فتيات صغيرات شغلت "باربي" كل حياتهن فرحن يقلدن ثيابها وأزياءها وصفاتها! إن أطفالنا اليوم يتعرضون لمشاهد متلاحقة من العنف والقتل والصراخ والضجيج، كل هذه المشاهد تؤثر سلباً على نفسية الطفل وشخصيته بحيث تميل إلى السادية والإجرام بعكس ما هي عليه طبيعة الطفل وفطرته الميالة إلى الاستقرار والتسامح والبراءة المطلقة. إذاً أصبحت العادات الغربية تطبع نفوس أطفالنا وأذهانهم. ويبقى السؤال الأهم: من المسؤول عن التصدي لهذه الحملة؟

* المواجهة مسؤولية مَن؟
إن الأهل والمدرسة والمجتمع بأكمله عوامل تتضافر لتنتج هذه الشخصية الإنسانية المتجسدة بالفرد، فهل مجتمعنا واع لخطورة ما نؤول إليه؟ وهل هو على قدر كاف من المسؤولية والوعي تقابلان قوة وضخامة الحملة التي تقام ضدنا؟ إن الأسرة هي المدرسة الأولى، وهي الصورة المصغّرة للمجتمع الكبير، إذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت وانحلت فسد المجتمع، وعلى كاهل الأهل بالدرجة الأولى يقع العب‏ء الأكبر من تحمل هذه المسؤولية. والغريب في الأمر أنه وإزاء هذا السيل الجارف من الثقافة المشوهة التي ينقلها التلفاز، نجد بعض الأهل غائبين عن مراقبة أولادهم تاركين لهم الحبل على الغارب يشاهدون ما يحلو لهم دون رقيب أو حسيب، حتى لو كان ما يشاهدونه هو برامج للأطفال. أما أصحاب المحطات الموزعة لخدمة الستلايت فشأنهم شأن الكثير من التجار مبدأهم الأساس جني الأموال ولو على حساب دينهم وأمتهم، مع علمهم أن أطفالاً وشباناً كأبنائهم وإخوانهم يشاهدون هذه البرامج لكنهم يصمون آذانهم ويعمون أعينهم ويتنصلون من حمل المسؤولية لا سيما في ظل غياب الرقابة الرسمية من قبل الدولة. وهنا توجد علامة استفهام كبيرة حول جدوى بث عبارة "ينصح بوجود الأهل" قبل عرض بعض الأفلام التي تتضمن مشاهد تسي‏ء إلى القيم الإنسانية وإلى مبادئنا ومعتقداتنا، ومع أهمية الدور الذي يلعبه الأهل والمجتمع فإن المسؤولية الأهم تقع على الفرد نفسه الذي يجب أن يتمتع بالحصانة الإيمانية والأخلاقية التي تجنبه الوقوع في الخطأ، هذه الحصانة تنمو بترويض النفس وكبح جماحها "أما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى" وكما قال رسول الرحمة صلى الله عليه وآله: "أعدى عدويك نفسك التي بين جنبيك".

* كيفية توظيف الشاشة الصغيرة
أيضاً إن ما علينا فعله في مواجهة هذه الحملات أن نسعى أولاً لإقامة حملات التوعية الثقافية والتربوية التي تسلط الضوء على مكامن الخلل وتبيّن المخاطر ومن ثم تصف أساليب الوقاية وطرق العلاج، هذه الحملات التي يمكن إن أحسّنا استغلالها أن توقظ الجميع من سباتهم فالوقت ليس في صالحنا، وأن تحيي فينا روح المسؤولية وواجب التبليغ، فإذا كان ما يعرض غثاءً فلا بد وأن يكون الناتج كذلك. ثانياً والأهم علينا توظيف الإعلام المسلم توظيفاً يجعل من الشاشة الصغيرة منبراً للإسلام ومبادئه، هذا التوظيف يتجسد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يقوم عليه ديننا "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" وأن تكون البرامج في خدمة التبليغ والتذكير والحث على التمسك بمبادئ شريعتنا "فذكر إنما أنت مذكر". وهنا نتساءل ألا يجدر بوسائل إعلامنا العربي بأن تكون في خدمة مصالحنا وقضايانا؟ أوَليس من الواجب عليها أن تركز على مشاكلنا وأفكارنا وأهدافنا بدل تقليد الآخرين؟ إن أهم ما يمكن أن تقوم به هذه المحطات هو المحافظة على الفضيلة وإحياء الحس الديني لدى الناس، والتحذير من اللهث وراء متع الدنيا والانبهار بالثقافة الغربية، فبدل الترويج لمفهوم الثقافة المستحدث الذي يتمثل بالإحاطة بآخر صيحات الموضة وتسليط الضوء على حياة الفنانين ورصد هفواتهم يتوجب عليها التركيز على عرض البرامج التثقيفية والوثائقية التي تغذي معرفتنا وتغنينا وتنزع من مجتمعاتنا عوامل الانحراف والتخلف، وبدل عرض أفلام الإباحية الجنسية والعنف والجريمة التي تجعل من القتل والإجرام أمراً مقبولاً، يجدر بها إنتاج بعض المسلسلات الدينية التي تحكي سيرة أنبيائنا وأئمتنا لنستلهم من سيرتهم نهجاً ودستوراً يكفل لنا عبور هذه الفانية بسلام إلى الباقية حيث الخلد والنعيم.

إن هذه البرامج تطبعنا بطبائع غيرنا وتصِمنا بعاداتهم وتقاليدهم التي لا تتناسب مع تقاليدنا الشرقية ولا مع طهارتنا الدينية، عوضاً عن كل ذلك علينا متابعة ما يجري من حولنا من أحداث خطيرة يمكن أن تفسد مستقبلنا وتشوه ماضينا، علينا أن نعي كل هذه الأخطار وأن نرفع الصوت مدوياً بوجه الظلم حيث وجد، علينا أن لا نسمح بجعل هذه الوسيلة أداة للتفرقة والتشرذم بل للحمة والتوحد، علينا أن نحسن استغلال هذه الوسيلة لمواجهة مخططات الدول الكبرى التي فشلت في استعمارنا عسكرياً وتريد هذه الأيام أن تستعمرنا فكرياً وثقافياً.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع