ايفا علوية ناصر الدين
يدخل إلى الاستديو بخطوات واثقة بعيدة عن أي شعور بالخوف والارتباك، يقف بهندامه المتأنق في المكان المخصص له أمام لجنة التحكيم كاشفاً عن بسمة عريضة تزيّن ملامح وجهه المتألق بنظرات ملؤها الجرأة والاستعداد، يأخذ نفساً عميقاً ويحرك يديه في إشارة ذكية لجلب أنظار أفراد اللجنة الثلاثة القابعين خلف الطاولة في انتظار لسماع الأغنية التي قد تؤهِّله للالتحاق بمباريات المراحل النهائية، وقد تُتوّجُهُ لاحقاً كسوبر ستار لهذه السنة.
وما إن يبدأ بأداء ترنيمات موسيقية تسبق مباشرته بأداء كلمات الأغنية حتى تبدأ الانطباعات الأولية بالظهور على تعابير وجوه لجنة الحكم المترنحين بين مبتسم كمن يتهيأ لكشف كنز دفين لم يسبقه إليه أحد، ومنبهر يومئ برأسه إعجاباً وهو يطقطق أصابعه على سطح الطاولة مسترسلاً، ومنسجم يحاول تركيز سمعه وهو يحاول التقاط ذبذبات الصوت بأذنيه الاثنتين حتى لا تضيع جماليتها سدى. لحظات تمر وعدسات الكاميرا المثبتة في زوايا الاستديو تصب جهدها في توزيع لقطاتها القريبة والبعيدة يميناً وشمالاً لتسجيل كل حركة وصوت للمشترك المسترسل في إخراج نوتاته ولأعضاء اللجنة الذين يعبِّرون عن إعجابهم الكامل بهذا الصوت الرائع الذي لم يسمعوا مثله من قبل وبهذه الوقفة المميزة التي تنمّ عن شخصية متمكِّنة من الأداء ثم يستتبعون عبارات الإعجاب بطلبٍ مُلحّ إلى المشترك للبدء بأداء الأغنية التي جاء ليلقيها على مسامعهم لكنه سرعان ما يعاود تكرار ترنيماته مرّات ومرّات.
هنا تتبدل ملامح وجوههم بعدما يسيطر عليهم جو من الاستغراب يقطعه رئيسهم بطلبٍ حاسم للبدء بالأغنية على الفور. يقف المشترك عندها صامتاً غارقاً في نظرات الحيرة والوجوم، مشيراً بيده إلى لسانه العاجز عن إطلاق مخارج الحروف والكلمات. "الأخرس بدو يغني" يعلّق أحد القائمين على البرنامج في عبارات جدِّية بعيدة عن أي استهزاء، محاولاً استثمار هذا الموقف لمصلحة الترويج للبرنامج. مشهدٌ حدثَ أم لم يحدثْ ليس مهماً. المهم أنه قد يحدث في يوم صار فيه الغناء عملة رائجة لجني الأرباح بل طُعماً لاستلاب العقول في مهمة غير مستحيلة، لدرجة بتنا نرى فيها صفوفاً وطوابير من الشباب الواقفين في انتظار دورهم للمشاركة التي قد تنتهي بهم إلى الفوز »المرتهن« أو تحطّ بهم إلى أدنى درجات السخرية والمهانة والازدراء... والعبرة لمن يعتبر.