الشيخ خضر ديب
قال تعالى: ﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾(الأعراف/46--49).
* من هم أصحاب الأعراف؟
نعرض مجموعة من أقوال المفسرين حول هذا السؤال:
1- تفسير الميزان(1):
بعد أن استعرض الأقوال والتي ناهزت الإثني عشر، جمعها في ثلاثة أقوال:
أ - أنهم رجال من أهل المنزلة والكرامة على اختلاف بين القائلين أنهم الأنبياء أو الشهداء على الأعمال، أو العلماء.
ب- أنهم الذين لا رجحان في أعمالهم، الحسنة على السيئة وبالعكس.
ج- أنهم من الملائكة.
وقال: مال الجمهور إلى الثاني. وتبنّى هو الأول وهو ما اعتبر أن السياق يساعد عليه. وفي بحثه الروائي ذكر روايات من طرق السنّة تحدد المعنى الثاني، وروايات من طرق الشيعة تنطبق على الأول والثاني. وهنا أذكر رواية تدل على الأول ورواية تدل على الثاني من طرق الشيعة:
- في كتاب الكافي(2) بإسناده عن حمزة الطيار قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام(3) "الناس على ستة أصناف... إلى أن قال : قلت: وما أصحاب الأعراف؟ قال عليه السلام: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فإن أدخلهم النار فبذنوبهم، وإن أدخلهم الجنة فبرحمته".
- في البصائر بإسناده عن جابر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الأعراف ما هم؟ قال عليه السلام: "هم أكرم الخلق على الله تعالى".
* تفسير الكاشف(4):
قال: "وقد ثبت بالوحي أن في الآخرة مكاناً يقع بين الجنة والنار يسمى الأعراف. وما هو بالنعيم، ولا بالجحيم، ولكن باطنه فيه الرحمة وهو ما يلي الجنة، وظاهره فيه العذاب، وهو ما يلي النار... وعلى هذا المكان المسمى بالأعراف رجال يعرفون جميع أهل الجنة، وجميع أهل النار، يعرفونهم لا بأسمائهم ولا بأشخاصهم، بل بعلامات فارقة تدل عليهم... ثم تنتهي الحال بأهل الأعراف إلى دخول الجنة؛ لأنهم من أهل لا إله إلا اللَّه... وتسأل: من هم رجال الأعراف؟ الجواب: للمفسرين منهم أقوال، أرجحها ذوقاً ما عليه الأكثر: أنهم الذين تساوت كفتا ميزانهم، ولم ترجح حسناتهم على سيئاتهم ولا سيآتهم على حسناتهم". فهنا نراه وبشكلٍ صريح تبنى القول الثاني، والذي نسبه صحاب الميزان للجمهور. ما يدل على أن مسألة الأعراف غير متفق عليها.
* تفسير الأمثل(5):
قال: "... تحدث في هذه الآيات(6) حول الأعراف التي هي منطقة في الحد الفاصل بين الجنة والنار، وفي البداية يشير إلى الحجاب الذي أقيم بين أهل الجنة وأهل النار، إذ يقول: (وبينهما حجاب) ويستفاد من الآيات اللاحقة أن الحجاب المذكور هو الأعراف، وهو مكان مرتفع بين الفريقين يمنع رؤية كل فريق الفريق الآخر... والأعراف في اللغة: جمع عرف بمعنى المحل والموضع المرتفع". ويتابع: من هم أصحاب الأعراف؟ الأعراف في الأصل منطقة مرتفعة ويتضح في ضوء القرائن التي وردت في آيات القرآن وأحاديث أئمة الإسلام أنه مكان خاص بين قطبي السعادة والشقاء، أي الجنة والنار... والآن لنرَ من هم الواقفون على الأعراف؟ ومن هم أصحاب الأعراف؟
دراسة الآيات الأربع في سورة الأعراف تفيد أنه ذكر لهؤلاء الأشخاص نوعين متناقضين مختلفين من الصفات. ففي الآية الأولى والثانية وصف الواقفين على الأعراف بأنهم يتمنون أن يدخلوا الجنة، ولكن ثمة موانع تحول دون ذلك، وعندما ينظرون إلى أهل الجنة يحيونهم ويسلمون عليهم وينظرون إلى أصحاب النار يستوحشون مما آلوا إليه من المصير، ويتعوذون من ذلك المصير، ومن أن يكونوا منهم. ولكن يستفاد من الآيتين الثالثة والرابعة بأنهم أفراد ذوو نفوذ وقدرة... وقد قُسمت الروايات الواردة في مجال الأعراف وأصحاب الأعراف إلى هذين الطريقين المختلفين أيضاً. ففي بعض عبارات الأحاديث عن أئمة أهل البيت عليهم السلام نقرأ: نحن الأعراف، أو عبارة: "آل محمد هم الأعراف" ونقرأ في طائفة أخرى عبارة: "هم أكرم خلق اللَّه تبارك وتعالى" أو "هم الشهداء على الناس، والنبيوّن شهداؤهم" وروايات أخرى تحكي أنهم الأنبياء والأئمة والصلحاء والأولياء. ولكن طائفة أخرى تذكر مثلما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فإن أدخلوا النار فبذنوبهم، وإن أدخلهم الجنة فبرحمته"...
مع التدقيق يتضح أنه لا يوجد أي تناقض لا بين الروايات ولا بين، مثلاديث بل الجميع يشير إلى حقيقة واحدة، وتوضيح ذلك: أنه يستفاد من مجموع الآيات والروايات: أن الأعراف معبر صعب العبور على طريق الجنة والسعادة الأبدية، ومن الطبيعي أن الأقوياء الصالحين والطاهرين هم الذين يعبرون هذا المعبر الصعب العبور بسرعة، أما الضعفاء الذين (خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً) فهم الذين يعجزون عن العبور كما أنه من الطبيعي أيضاً أن تقف قيادات الجموع وسادة القوم في هذه المعابر الصعبة مثل القادة العسكريين الذين يمشون في مثل هذه الحالات في مؤخرة جيوشهم ليعبر الجميع. يقفون هناك ليساعدوا ضعفاء الإيمان فينجّون من يصلح للنجاة في ضوء مساعدتهم ومعونتهم ونجدتهم. وعلى هذا الأساس فأصحاب الأعراف فريقان:
1- ضعفاء الإيمان والمتورطون في الذنوب الذين هم بحاجة للرحمة.
2- الأئمة السادة الذين يساعدون الضعفاء.
وعلى هذا فإن الطائفة الأولى من الآيات والروايات تشير إلى الفريق الأول من الواقفين على الأعراف، وهم الضعفاء والطائفة الثانية تشير إلى الفريق الثاني من أصحاب الأعراف، وهم السادة والأنبياء والأئمة والصالحون. ونرى في بعض الروايات أيضاً شاهداً واضحاً وجلياً على هذا الجمع، مثل الحديث المنقول عن الإمام الصادق عليه السلام الذين قال فيه: "الأعراف كثبان بين الجنة والنار، والرجال الأئمة يقفون على الأعراف مع شيعتهم، وقد سبق المؤمنون إلى الجنة بلا حساب". وقصد من الشيعة الذين يقفون مع الأئمة على الأعراف العصاة منهم. ثم يضيف قائلاً: "فيقول الأئمة لشيعتهم من أصحاب الذنوب انظروا إلى إخوانكم في الجنة قد سبقوا إليها بلا حساب"، وهو قوله تعالى: "سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون" ثم يقال: انظروا إلى أعدائكم في النار، وهو قوله تعالى: "وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين" .
(1) للسيد محمد حسين الطباطبائي، ويعتبر هذا التفسير من التفاسير المهمة عند المسلمين الشيعة.
(2) لمؤلفه محمد بن يعقوب الكليني، وهو من المصادر الروائية المهمة عند الشيعة.
(3) الإمام جعفر الصادق عليه السلام.
(4) للشيخ محمد جواد مغنية.
(5) للشيخ ناصر مكارم الشيرازي.
(6) من الآية: 45 إلى الآية 50 من سورة الأعراف.