مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قراءة في كتاب‏: شرح دعاء السحر

 

إعداد: محمود دبوق‏


الكتاب: شرح دعاء السحر
الكاتب: الإمام الخميني قدس سره
الناشر: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس سره

من الملاحظ أنه عندما يُراد التعريف بكتاب معيّن أو بدراسة ما، فإنّ‏َ لذلك التعريف أو القراءة منهجاً أو أسلوباً خاصاً، يستطيع القارئ من خلاله أن يُطلّ‏َ على هذا المتن أو المادة، لكن من المؤكد أنك عندما تحاول أن تفهم ما يرمي إليه فيلسوف وعارف وقائد ومرجع عظيم كالإمام الخميني قدس سره، يلزمك حينئذٍ الاستعداد النفسي والحماسة والاندفاع ليصل الأمر بك إلى حد الشوق للاطلاع على مقاصد الإمام قدس سره، ولا يعود الأمر لصعوبة أو تعقيدات في نصوص الإمام الراحل، إنما لدقّة في التعبير وسموٍ في الغاية، تدل على هذه الروح العالية والنفس المنكبّة على التهذيب لنيل رضا الخالق وحسب.

* الإمام وشرح دعاء السحر:
جاء في المقدمة التي صدرت عن قسم التحقيق بمؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني"قده" أن هذا الكتاب هو أول ما رشح به قلم الإمام الشريف وله من العمر آنذاك سبعة وعشرون عاماً. ومما قيل ونذكره لأهميته عند المحبّين: "أن الإمام لما جاء إلى قم سنة 1340ه (1916م) كطالب شاب، واصل دروسه في المقدمات والسطوح، ولم يغفل عن دراسة الحكمة والحساب والهيئة وبعض المباحث الأخلاقية، ومن ذاك مزج العلوم الظاهرية بالباطنية منها، وتعلّقت خواطره بالمباحث العرفانية، ونضجت خصائصه على مرويات أهل بيت العصمة وتعاليم الإلهيين من الحكماء المسلمين، وبرز كعالم ذي فنون وإلى جانب هذا، أخلاقي كبير يهتم بشؤون نفسه قبل تدريب الآخرين، ويحافظ دائماً على الأوراد والآداب القلبية والمعنوية. فلا بد أن نجده يبدأ بتأليف كتاب عرفاني خدم به إحدى المرويات من الأئمة المعصومين عليهم السلام...". هذا الكتاب قبس من علم الإمام وكان لا يزال في ريعان شبابه، وجدير أن تُطالع مثل هذه النفائس كونها تمثل إطلالة على عرفان الإمام الخميني قدس سره الذي ينطلق من الشرع وصميم الدين، لتقديمه في أجمل صورة متزنة ودقيقة. ونحن إذ نتناول هذه القراءة في كتاب الإمام، نحاول أن نجمع رؤية عامة له مع الدخول في بعض التفاصيل والعناوين مع العلم أن المجال أو القلم لا يملك قدرة التعقيب على كلمات الإمام وشروحاته، والجدير ذكره أن الكتاب يقع في مئة وأربع وخمسين صفحة عدا التوضيحات الملحقة بمادة شرح الدعاء المذكور.

* قول الداعي "اللهم"
ينقسم هذا الدعاء إلى اثنين وعشرين فقرة أو مقطعاً، وقد ابتدأ كل منها بذكر "اللهم"، ولطالما نسمع هذا الذكر يتردّد على ألسنتنا مرات ومرات، عند كل رجاءٍ أو نائبةٍ، وبلسان العبد المفتقر دائماً لربه ومعبوده. وحيث يعرض الإمام الخميني قدس سره لشرح شي‏ء هام منه في كتابه القيّم هذا، فإننا نقتنص هذه الفرصة لنورد ما قاله الإمام وخطّه بيده المباركة، "قول الداعي "اللهم" أصله (يا اللَّه). واعلم أن الإنسان هو الكون الجامع لجميع المراتب العقلية والمثالية والحسيّة، منطوٍ فيه العوالم الغيبية والشهادنية وما فيها، كما قال اللَّه تعالى: "وعلم ادم الأسماء كلها" وقال مولانا ومولى الموحدين صلوات اللَّه عليه:

أتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر فهو مع الملك ملك، ومع الملكوت ملكوت، ومع الجبروت جبروت، هي أكبر حجج اللَّه على خلقه، وهي الكتاب الذي كتبه بيده وهي الهيكل الذي بناه بحكمته، وهي مجموع صورة العالمين وهي المختصر من اللوح المحفوظ، وهي الشاهد على كل غالب، وهي الطريق المستقيم إلى كل خير والصراط الممدود بين الجنّة والنار". ويضيف الإمام الحديث حول الرابطة بين هذه المقدمة وما يتبعها من شرحٍ، لندرك معاً أيها القارئ بعضاً من هذه المقاصد الرفيعة التي يريد الإمام الخميني قدس سره لنا أن نتلمسها بقلوبنا، فيقول: "فالحضرة الإلهية ربّ الإنسان الجامع الكامل، فينبغي له أن يدعو ربّه بالاسم المناسب لمقامه والحافظ له من منافراته، ولهذا استُعيذ باللَّه من الشيطان الرجيم دون سائر الأسماء، وصار مأموراً بالاستعاذة برب الناس في قوله تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ من شرّ ما ينافر مرتبته وكمالاته، وهو الوسوسةُ في صدره من الموسوس القاطع لطريقه في سلوك المعرفة".

*ماذا يسأل؟
على مدى فقرات الدعاء يتجلّى فيه السؤال بلسان الداعي، فمن سؤال إلى آخر، يدرك العبد مدى ضعفه وحاجته إلى ربّه وخالقه، وقد أتى الإمام رضوان اللَّه تعالى على شرح فقرات الدعاء واحدة تلو الأخرى، فبدأ من الفقرة الأولى "اللهم إني أسألك من بهائك بأبهاه..." وقال فيما قاله عن السؤال في قول الداعي "أسألك": "السؤال بلسان الاستعداد غير مردود والدعاء به مقبول به مستجاب..." ويثنيه على العبد الذي يدعو ربه بإخلاص فيقول: "طوبى لعبد عبد الرب له واخلص للَّه ولم ينظر إلاّ إليه ولم يكن مشترياً للشهوات الدنيوية أو للمقامات الأخروية". ويضرب مثلاً في شرح معنى "البهاء" هو من أجمل الصور لتلك المعاني العالية عندما يتحدث عن طريقة شيخ الأنبياء نبي اللَّه إبراهيم عليه وعليهم الصلاة والسلام، وكيف تدرج من ظلمات عالم الطبيعة، مرتقياً إلى طلوع ربوبية النفس، ويشرح الإمام في تدرج النبي إبراهيم عليه السلام حينما ارتقى من وضعية "فلما جنّ‏َ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي" إلى أن وصل فقال وكما ورد في القران الكريم "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين".

* اللهم إني أسألك...
وهكذا ينطلق الإمام في شرحه لهذا الدعاء العظيم، ونحن في أشهر النور المباركة وعلى أعتاب شهر رمضان، وهو شهر اللَّه عزَّ وجلّ‏َ. فحري بنا أن نتلمس من هذه الشروحات ما يليق بتهذيب نفوسنا، وما أحوجنا إلى ذلك ونحن الساعون لنيل شفاعة محمد وال محمدا. هذا ويطل الإمام قدس سره في شرح الفقرة الثانية من الدعاء على معاني الجمال الإلهي، وفي هذا المجال ينقل ما سمعه عن أحد المشايخ من أرباب المعرفة رضوان اللَّه عليه فيقول: "إن في الجنة شربة من الماء فيها كل اللذات، من المسموعات بفنونها من أنواع الموسيقى والألحان المختلفة؛ ومن المبصرات بأجمعها من أقسام لذات الأوجه الحسان وسائرها، من الأشكال والألوان...". وأما الفقرات الثالثة والرابعة والخامسة، فيتناول في شرحها ما تناولته من عظمة اللَّه ونور اللَّه ورحمته، ويقول في الأخيرة: "الرحمة الرحمانية مقام بسط الوجود، والرحمة الرحيمية مقام بسط كمال الوجود. فبالرحمة الرحمانية ظهر الوجود، وبالرحمة الرحيمية يصل كل موجود إلى كماله المعنوي وهدايته الباطنية". في الفقرة التاسعة يشرح الإمام رضوان اللَّه عليه قول الداعي "اللهم إني أسألك من عزتك بأعزّها..." ويأتي ذلك بعد أن عرض لمعاني كلمات اللَّه تعالى وكماله وأسمائه في الفقرات السادسة، السابعة والثامنة ويقول في العزّة: "العزيز هو الغالب أو القوي أو الفرد الذي لا معادل له. وهو تعالى عزيز بالمعنى الأول...". ويتابع الإمام في شروحاته للفقرات الباقية ففي العاشرة يشرح في المشيئة، ويردفها في الحادية عشر عن القدرة ويليها في الثانية عشر عن علم اللَّه تعالى، وهكذا في الثالثة عشر عن قول اللَّه إلى الرابعة عشر عن المسائل التي أحبُّها إلى اللَّه، ثم ينتقل من الخامسة عشر إلى الثانية والعشرين تباعاً من الشرح في الشرف الإلهي إلى سلطانه ثم إلى ملكه وعلوّه ومنّه وآياته وفي الحادية والعشرين يتكلم الإمام في الشأن والجبروت الإلهي، لينتهي عند الثانية والعشرين والأخيرة إلى قول الداعي "اللهم إني أسألك بما تجيبني حين أسألك، "فأجبني يا اللَّه" بقوله: "فطلب الإجابة من اسم اللَّه الأعظم؛ فإنه مجيبه وحافظ مراتبه ومربيه والمانع من قطّاع طريقه ومن الموسوس في صدره".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع