مريم حمود
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لا تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي"(1). وكتاب الله ما هو إلا القرآن الكريم...
* معنى القرآن:
القرآن في اللغة مرادف للقراءة ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَه فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ﴾(القيامة/17 - 18). ويقال للقران الفرقان لأنه يفرق بين الحق والباطل، قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ (الفرقان/1).
تصريح القرآن بأنه كلام الله والتأكيد على نبوة الرسولا:
القرآن بذاته يصرح بأنه كلام الله وليس كلاماً بشرياً وقد تحدى الإنس والجن على أن يأتوا بمثله من خلال الآية الكريمة قوله عزَّ وجلَّ: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾(الإسراء/18). ولم تقتصر آيات القرآن على التعريف بأنه كلام الله عزَّ وجلَّ بل وأكد وعرّف بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو نبي الله ورسوله وأنه سند لنبوته، قوله تعالى وهو خير دليل على تصريح القرآن بنبوة الرسول: ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ (النساء/166).
* صفاته ومنزلته:
القرآن الكريم، وصية الرسول الأولى والثقل الأكبر يصفه الإمام علي عليه السلام ويبين منزلته بقوله: "ثم أنزل الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه، وسراجاً لا يخبو توقده، وبحراً لا يدرك قعره، ومنهاجاً لا يضل نهجه وشعاعاً لا يظلم ضوؤه، وفرقاناً لا يخمد برهانه، وتبياناً لا تهدم أركانه وشفاء لا تخشى أسقامه وعزاً لا تهزم أنصاره، وحقاً لا تخذل أعوانه. فهو معدن الإيمان وبحبوته، وينابيع العلم وبحوره،... جعله الله رياً لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومحاج لطرق الصلحاء، ودواء ليس بعده داء، ونوراً ليس معه ظلمة..."(2).
* ظهوره في عالم الدنيا:
القرآن الكريم له مقام رفيع، فهو الكمال المطلق اللامتناهي ظهر في عالم الدنيا بصورة الألفاظ والحروف. والقرآن الكريم يمثل عالم التجلي والمظهر الكامل لأسماء الله وصفاته... يقول الإمام الخميني قدس سره(3): "الحمد لله وسبحانك، اللهم صلِّ على محمد واله مظاهر جمالك وجلالك، وخزائن أسرار كتابك الذي تجلت(*) فيه الأحدية(*) بجميع أسمائك(*)، حتى المستأثر منها الذي لا يعلمه غيرك...".
* حقيقة القرآن:
ورد عن الإمام الصادق عليه السلامأنه قال: "عليكم بتلاوة القرآن فإن درجات الجنة على عدد آيات القرآن فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن إقرأ وارق فكلما قرأ آية رقي درجة"(4). حقيقة القرآن هي مقام الإنسان الكامل الذي هو في حقيقته القرآن الناطق فقد ورد عن أهل بيت العصمة في وصفهم الرسولا قالوا: "كان خلقه القرآن".
* قراءة القرآن:
سورة المزمل تبين لنا ضرورة قراءة القرآن المجيد، قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ...أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا﴾ . تكرار الأمر بقراءة القرآن يدل على عظمة هذا العمل لا بل على عظمة هذه العبادة الإلهية، فالقرآن يضفي على باقي العبادات قيمتها الحقيقية. في الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "من قرأ القرآن وهو شاب اختلط القرآن بلحمه ودمه". يتبين من هذا الحديث أن المطلوب من تلاوة القرآن هو تأثيره في أعماق قلب الإنسان وصيرورة باطنه صورة كلام الله المجيد وتحويل ما هو ملكة القلب من القرآن الكريم إلى التحقق والفعلية وذلك حسب ما ورد في الحديث المذكور حيث يكون كناية عن استقرار صورة القرآن في فؤاده بدرجة يتحول باطن الإنسان حسب استعداده وأهليته إلى كلام الله المجيد والقرآن الكريم"(5). إضافة إلى مراعاة الآداب المعنوية والقلبية لقراءة القرآن، ينبغي أن نفهم مقاصد القرآن، وهذا الفهم يُشكل المقدمة لأدب التدبر والتأمل ملياً في هذه السور والآيات الكريمة... عن الإمام علي عليه السلام قال: "ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر"(6).
* آداب التلاوة:
لتلاوة القرآن آداب يحسُن مراعاتها وهي:
الطهارة: ظاهرياً: الوضوء باطنياً: التوجه بالقلب نحو الله. تنظيف الفم لأن اللسان هو مجرى لكلمات الله سبحانه وتعالى.
استقبال القبلة: قبلة القلب: الله. قبلة البدن: الكعبة.
الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
أيضاً من الآداب اللازمة لقراءة القرآن الإخلاص. عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: "من قرأ القرآن ابتغاء وجه الله تفقهاً في الدين كان له من الثواب مثل جميع ما أُعطي الملائكة والأنبياء والمرسلون"(7).
* أهميته بالنسبة للإنسان:
القرآن وعترة الرسول صلى الله عليه وآله هما أساس الشريعة الإلهية التي تشكل للإنسان طريقاً ومنهجاً عليه اتباعه، وهو يشتمل على برنامج حياة البشر ككل، لم يختص بأمة دون غيرها بل هو يخاطب جميع البشر "إن هو إلا ذكر للعالمين". يقول الإمام الخميني قدس سره: "هذا الكتاب الشريف هو الكتاب الوحيد في السلوك إلى الله والكتاب الأحدي في تهذيب النفوس وفي الآداب والسنن الإلهية وهو أعظم وسيلة للربط بين الخالق والمخلوق"(8).
(1) عبقات الأنوار الجزء الأول والثاني، حديث متواتر. يراجع مصطفى قصير العاملي الوجيز في علوم القرآن وتاريخه، الدار الإسلامية، بيروت 1998م، ص6.
(2) نهج البلاغة، خطبة 198.
(3) الإمام الخميني قدس سره، القرآن في كلام الإمام الخميني، ط2، مركز الإمام الخميني الثقافي، بيروت 2003م، ص11.
(4) الحر العاملي، وسائل الشيعة 6/ب189، ط. آل البيت.
(5) الإمام الخميني قدس سره، الأربعون حديثاً، ص555 556.
(6) المجلسي، بحار الأنوار، مج92، ص211.
(7) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ح7 و11، ص727.
(8) الإمام الخميني قدس سره، الآداب المعنوية للصلاة، الباب الرابع، ص334.
(ء) التجلي: إن العرفاء والفلاسفة الإسلاميين يسمون انكشاف حقائق أنوار الغيب على القلوب الصافية النقية بالتجلي.
(ء) الأحدية: يعبر العرفاء عن المستعين الأول في المراتب الإلهية بالحضرة الأحدية ثم تكون مرتبة الألوهية والواحدية.
(ء) الأسماء: عالم الأسماء هو عالم الحقائق التي تلازم واجب الوجود. فالمقصود من الأسماء ليس هو لفظ العالم والقادر بل المسمى بالعالم والقادر، وأما الألفاظ هذه فهي أسماء الأسماء.
ملاحظة: (التجلي، الأحدية، الأسماء، يراجع المرجع رقم 3، ص11).