مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نور روح الله‏: هكذا تُفتح للإنسان أبواب السعادة

* منشأ الشقاوة
إذا عُلم أن جميع الخيرات تنبع من نور فطرة اللّه ما لم يحتجب بحجب الطبيعة أو يقع في شباك النفس الملتفة، أسيراً لإبليس، وأن الكفيل لسعادة الإنسان المطلقة هو هذه الفطرة الشريفة، وإذا علم أيضاً أن جميع الشرور هي من الفطرة المحجوبة المظلمة بظلمات الطبيعة، وهذه الاحتجابات هي منشأ جميع الشقاوات في الدنيا والآخرة، فلا بد أن يعلم أن الإنسان لو غفل عن نفسه ولم يكن في صدد إصلاحها وتزكيتها، بل أطلق عنانها فهو يزيد في كلِّ يوم، بل في كلِّ ساعة حجاباً على حجبها، ووراء كل حجاب حجاب بل حجب إلى أن ينطفئ نور الفطرة كليّاً، ولا يبقى من المحبّة الإلهيّة أثر. بل ينفر من الحق تعالى، وكل ما يرتبط به من القرآن الشريف ودين اللَّه وملائكته، والأنبياء العظماء والأولياء الكرام عليهم السلام وجميع الفضائل ويستحكم في قلبه جذر العداوة للحق جلَّ وعلا، والقريبين منه، إلى أن تغلق في وجهه جميع أبواب السعادات وتنسدّ طريق الصُّلح مع الحق تعالى والشفعاء عليهم السلام ويخلد في عالم الطبيعة الذي هو في باطنه عالم الآخرة، والخلود فيه خلود في عذاب جهنم. وهذا التزايد في الحجب له سبب طبيعي، وهو أنّ القوى الثلاث وهي قوّة الشَّيطنة، ومن فروعها العجب والكبر وطلب الرِّئاسة والخداع والمكر والنفاق والكذب وأمثالها، والقوة الغضبية ومن فروعها التكبُّر والتجبُّر والافتخار والتمرُّد والقتل والفحش وإيذاء الخلق وأمثالها والقوّة الشهوية ومن فروعها الحرص والطمع والبخل وأمثالها ليست محدودة بحد بمعنى أنه لو وقع لجام الإنسان بيد الشيطان فلن يتوقف عند حد ولن يقتنع بمرتبة، وهو مستعد لأن يخالف جميع النواميس الإلهية ويعاند جميع الشرائع الحقّة من أجل الوصول إلى مقصده، وأن يقتل وينهب من أجل تحصيل رئاسة جزئيّة أفواجاً من الأنبياء والأولياء والصلحاء والعارفين باللَّه. وهكذا تلك القوتان الأخريان إذا انقطع لجامهما.

* أي خسران أكبر من هذا!
ومن المعلوم أن كلّ مرتبة من هذه اللّذات الإنسانية التي ترجع إلى القوى الثلاث لو حصلت للإنسان فسيتعلّق قلبه بالدنيا بمقدارها ويغفل عن الروحانية والحق والحقيقة. مثلاً كل لذة يتذوقها أي إنسان من هذا العالم، لو لم تكن محدودة بالحدود الإلهيّة لقرّبته إلى الدنيا ولزادت علاقته القلبيَّة بها، فتقل بمقدارها علاقته من الروحانية والحق وتزول المحبّة الإلهية من قلبه وحيث إن النفس تطلب بعد كلِّ لذّة لذة أخرى بل لذّات أخرى، والنَّفس الأمَّارة ترغّب القوى الخاصة لهذا الأمر، فوراء كلِّ حجاب تحصل حجب ظلمانيَّة، ومن كلّ واحدة من هذه القوى الحسيَّة التي تجلّى منها شعاع النفس إلى عالم الطبيعة والدنيا، تقع حجب على القلب والروح فتمنع الإنسان من السَّير إلى اللَّه وطلب الحق جلّ جلاله. والخسران والحسرة بل العجب والحيرة في أن الفطرة التي كانت براقاً لعروج الأولياء إلى قرب اللَّه جلَّ وعلا ورأس المال للوصول إلى الكمال المطلق، هي ذاتها توصل الإنسان اللاَّمبالي إلى نهاية الشقاوة والبعد عن ساحة قدس الكبرياء وهذا على مراتب الخسران كما قال الحق تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْر (العصر: 2 - 1) وأي خسران أكبر من أن يصرف الإنسان رأس مال السعادة الأبدية في سبيل تحصيل الشقاوة الأبديّة، وما أعطاه الحق ليوصله إلى أوج الكمال يجره إلى حضيض النقص. أيُّها الإنسان المسكين كم ستكون حسرتك يوم يرفع حجاب الطبيعة عن بصرك وتعاين أنَّ كل ما مشيت له في العالم، وسعيت فيه كان في طريق مسكنتك وشقاوتك وقد انسد طريق العلاج والجبران وانقطعت يدك عن كل شي‏ء، وليس لك مجال للفرار من السلطة الإلهية القاهرة ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا (الرحمن: 33) ولا سبيل لجبران النقائص الماضية والاعتذار عن المعاصي الإلهية ﴿آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْل (يونس: 91).

* هلاّ تصالحت مع الحق تعالى‏
أيها العزيز ما لم تُزِل الآن حجُب الطبيعة الغليظة نورَ الفطرة بالكامل، ولم تَذْهَب كدورات المعاصي بصفاء القلب الباطني، ولم تنقطع يدك عن دار الدُّنيا، وهي مزرعة الآخرة، وبما أن الإنسان يستطيع أن يجبر كل نقص، ويستغفر من كلِّ ذنب، فشمر ذيل الهمة، وافتح أمامك باباً إلى طريق السعادة. واعلم أنَّك لو خطوت فيه خطوة واحدة وتصالحت مع الحق تعالى مجده، واعتذرت عمَّا سبق، فستفتح لك أبواب السعادة وتأتيك الإمدادات من عالم الغيب. وتَخْتَرقَ حجب الطبيعة واحداً بعد آخر، ويغلب نور الفطرة على الظُّلمات المكتسبة، ويبرز صفاء القلب، وجلاء الباطن، وتنفتح أبواب رحمة اللَّه تعالى في وجهك، وتجذبك الجاذبة الإلهية إلى عالم الروحانية، وتتجلّى محبَّة اللَّه في قلبك وتحرق محبة كل شي‏ء سواه. فإذا رأى اللَّه تبارك وتعالى منك الإخلاص والصدق فسيهديك إلى السلوك الحقيقي ويُظلم بصرك بالتدريج عن العالم ويضيئه بنفسه ويقطع قلبك عن غيره ويوصله إلى نفسه. "يا رب" هل يمكن أن توقظ هذا القلب المحجوب والمنكوس، وتجر هذا الغافل المستغرق في ظلمات الطبيعة إلى عالم النور وتكسر بيد قدرتك الأصنام الموجودة في القلب، وتزيل غبار الجسم عن البصر. "إلهي" قد خنَّا أمانتك وجعلنا فطرة اللَّه في تصرف الشيطان اللَّعين وحجبنا عن الفطرة الإلهيَّة، وأخاف أن أخرج كلياً بهذا السَّير الطبيعي والسلوك الشيطاني عن الفطرة الإلهيَّة وأجعل الدّار كلَّها في تصرُّف الشيطان وجنوده، والجهل وجنوده. "يا رب" خذ أنت بيدنا حيث لا طاقة لنا على المقاومة إلاّ أن يأخذ بيدنا لطفك إنَّك ذو الفضل العظيم.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع