حسن زعرور
لن ندخل من باب النبوءات، تركناها للخداع اليهودي واستغلاله لغباء القيّمين على "السفارة المسيحية العالمية" التي أقامها الإنجيليون المتعصّبون في القدس، واستغفاله لملايين المغرّر بهم في أوروبا وأمريكا من أتباع "الصهيونية المسيحية" الداعية إلى تدمير العالم وإبادة البشرية لتحقيق عودة المسيح عليه السلام ثانية إلى الأرض، لكننا نسترجع عبرة الماضي ودور اليهود في تحطيم الدول، لنجد أن الخضوع الأميركي المذلَّ لليهود، جعل مصير الولايات المتحدة وبقاءها مرهوناً بالمصلحة اليهودية.
* شيء لا يصدقه عقل
قال الرئيس الأميركي ريغان "هل تعتقد أن المسيح سيأتي في سرعة وما هو مؤشر ذلك"؟ ردّ بيلي غراهام(*): "إن المؤشر هو أن المسيح يقف خلف الباب، وسيأتي في وقت قريب" قال ريغان "إن حزقيال رأى في العهد القديم المذبحة التي ستدمّر عصرنا، لم تعد هار مجدون بعيدة"، واتسع النقاش حول النبوءة في مكتب الرئيس وأن "جيوش الشرق التي تضم الروس والأرمن والليبيّين واليمنيين والإيرانيين سوف تباد" وتابع ريغان "إن جميع النبوءات التي يجب أن تتحقق قبل "هار مجدون" قد حصلت، ففي الفصل 38 من حزقيال أن اللَّه سيعيد أولاد إسرائيل من بين الوثنيين(؟!) إلى الأرض الموعودة، أليس ذلك مدهشاً، لقد تحقق الأمر بعد ألفي سنة، وكل شيء بات بانتظار "هار مجدون" وعودة المسيح ثانية، إن حزقيال يقول أن النار والحجارة المشتعلة سوف تمطر على أعداء شعب اللَّه (اليهود) إن معنى ذلك أنهم سوف يدمرون بالأسلحة النووية". كان ريغان يعيش رغبة بتدمير الكون ليكون مجيء المسيح على أيامه وكثيراً ما سُمع يقول للمقربين منه "إن نهاية العالم قد تكون بين أيدينا"(1)، ولم يكن وحيداً في تلك الأمنية لقد سبقه الرؤساء الأمريكيون ولسن وترومان (الذي حقق أمنيته في هيروشيما) وروزفلت وجونسون وكارتر وبوش الأب وبوش الابن حالياً، وجميع هؤلاء أتباع للعقيدة "التدبيرية"(2) التي تؤمن أن تدمير الأرض بما فيها ضرورة لعودة المسيح ثانية، وإن تلك الضرورة تتطلب اعادة اليهود وإقامة دولة إسرائيل، واحتلال القدس، وإقامة هيكل سليمان ثانية كي تحصل هار مجدون ويحكم يسوع بعدها الأرض لألف عام. ولا نستعجلنّ الحكم وأخذ الأمر بالاسفاف، فآخر إحصاء أجرته مؤسسة باتكيلوفيتش حول هذه المسألة أظهر أن 39% من الشعب الأميركي يؤمنون بضرورة تدمير الأرض نووياً لتحقيق "هار مجدون"(3). فما هي هذه النبوءة؟
* الأصل والفرع
هار مجدون، أو سهل مجدّو في فلسطين، يقول عنه التاريخ أنه المكان الذي انتصر فيه فرعون مصر نخاو على اليهود واستعبدهم، أما تاريخ اليهود فيزعم أنه المكان الذي انتصرت فيه النبيَّة "دبورا" على الكنعانيين، ولقد وردت كلمة هارمجدون مرةً واحدة في الإنجيل في سفر الرؤية 16 المقطع 16، أما أصل النبوءة فيعود إلى الرابي شمعون بن يوحاي الذي عاش في القرن الثاني الميلادي كتبها كردٍّ على حالة اليأس اليهودية عقب فشل ثورة باركوخبا ومما جاء فيها "عدت إلى صلاتي ثانية وصيامي لمدة أربعين يوماً حتى أوحى الملك (الرب) لي وقال اسأل، قلت له، يا رب، ما الذي ستكون عليه نهاية هذه الأشياء، قال "بعد كل هذه الأمور يسود أبناء الغرب بجيوش عظيمة ويعبرون الفرات(!!) ويشنون حرباً على أبناء الشرق الذين في أرضهم ويقتلونهم... ويعبرون إلى فلسطين ناشرين دماراً كاملاً... ولا تنجو إسرائيل، وكل من صودف طعن، وكل من سقط أخذ بالسيف (أي القتل) ثم يقوم ملك يستمر ثلاث سنين ونصف السنة، وكل من يتلو "إسمع يا إسرائيل الرب إلهنا" يقتل، ويكون اضطراب عظيم لإسرائيل حتى يصل القتل في إسرائيل إلى دمشق، في يومه سيكون هناك نزاع وحرب في العالم، سوف تحارب كل بلدة جيرانها، مدينة ضد مدينة وأمة ضد أمة، وسيطرد شعب اللَّه (اليهود) لزمان وزمانين ونصف (ثلاث سنوات ونصف) بعد ذلك يحارب أبناء إسماعيل المسلمون الأدوميين في عكا، ويهرب بنو إسرائيل إلى أريحا ويخوضون حرباً في سهل مجدو (هار مجدون) وفي نهاية تسعة شهور يدمّر بني إسرائيل"(4).
أما سفر الرؤيا فيتحدث عن وحش بقوى شيطانية هائلة تسجد له الأمم، يتمركز في فلسطين ويقيم في القدس، ويعاونه وحش آخر، ويقسم السفر المرحلة إلى ثلاث: ما قبل الحرب حيث يسيطر الوحش، أثناء الحرب حيث تفنى إسرائيل، ومرحلة ما بعد الحرب وقدوم المسيح(5)، وتقول النبوءة "إن الملاك السادس جفف نهر الفرات ليمر الملوك القادمون إلى هارمجدون (رؤيا 12 :16) ويتابع "إذا ما رأيتم أورشليم قد أحاطت بها الجنود فاعلموا أن خرابها قد اقترب وتدوس الأمم أورشليم (لوقا 9 :21)، وما يلفت النظر هو وصف الرؤيا للوحش إذ تقول أنه "يأتي من زوايا الأرض الأربعة (رؤيا 7 :20) يخدمه عشرة ملوك وتسجد له الأمم (رؤيا 3 :13) وللوحش سلطان عالمي عظيم (رؤيا 2 :13) يدعمه وحش آخر، ثم يكون زلزال في هار مجدون يقضي على إسرائيل، وينفخ الملاك السابع بعد القضاء على إسرائيل ويقول "إن مُلْك العالم قد صار لربنا ومسيحه (رؤيا 15 :11) وأما نبوءة "التدبيريين" التي يؤمن بها إضافة إلى الرؤساء الأميركيين معظم أتباع الطائفة الإنجيلية وعددهم أربعون مليوناً (وسبعون مليوناً بحسب تقديرات أخرى) فتؤمن بأن قيام إسرائيل هو أول النبوءة.
* نشوء التدبيرية الأميركية
يعتبر سايروس سكوفيلد (1843) أول مؤسس للدعوة التدبيرية وجون داربي (1880) الموجه الفعلي لها وعاونه جايمس بروكس راعي أكبر كنائس سانت لويس واللذين روجا لمخطط إلهي على الأرض لإقامة إسرائيل وفي السماء لخلاص المسيحيين(6) ويؤمن هؤلاء وبحسب الداعية هول ليندسي مؤلف كتابي "آخر أعظم كرة أرضية" و"العالم الجديد"، "إن اللَّه قضى علينا أن نخوض غمار حرب نووية في هار مجدون، وإن تحقيق وعد عودة يسوع يقضي بإقامة أرض صهيون"، ويقول ليندسي في تفسير النبوءة "أن علينا أن نمر بسبع مراحل واحدة منها نووية" وأيده في ذلك المبشر الانجيلي الذائع الصيت جيري فولويل والذي يعتبر الصديق رقم واحد لإسرائيل، وجيمي سواغارت ويشرح لندسي النبوءة فيقول "إن هار مجدون سوف تحصل عندما يجتمع 400 مليون جندي يقودهم أعداء المسيح، وأن يسوع سوف يضربهم ثم يبيد الجيوش في مجدو وعندما تصل الحرب إلى هذا المستوى تباد البشرية كلها والمدن بما في ذلك "لندن وباريس وطوكيو ونيويورك ولوس أنجلس وشيكاغو"(؟) وتحين اللحظة العظيمة وينقذ المسيح الإنسانية من الاندثار الكامل؟ ويكون حينها أن يذبح اليهود ولا يبقى منهم إلا 144 ألفاً يختبئون في مدينة البتراء (الأردن) لحين قدوم يسوع فيتحولون إلى الدين المسيحي ويكونون جنداً ليسوع". وأما جيري فيلويل فيقول "إن هارمجدون تثير الهلع، سوف يكون هناك احتكاك أخير وسوف يزيل اللَّه الكوكب (الأرض) والنص يخبرنا في المقطعين 22 ،21 أن اللَّه سوف يدمر هذه الأرض، وسيذبح اليهود بالملايين وينجو منهم قلة كما جاء في الاصحاح 3 14 وفيما تقترب هرمجدون من نهايتها وملايين الأموات على الأرض، يقوم الإله المسيح بضرب الوحش والنبي الكذاب ويذبح المسيح كل أعدائه(7)؟ وأما سكوفيلد فيقول: إن المسيحيين المخلصين يجب أن يرحبوا بنهاية العالم لأنه ما أن تبدأ المعركة النهائية، فإن المسيح سوف يرفعهم إليه وينقذهم ولن يعانوا مما يحصل"، ويؤكد سكوفيلد "أن اللَّه لا ينظر إلى جميع أبنائه بطريقة واحدة، وهو يقسمهم إلى قسمين اليهود والعامة، وإن ما يحصل لليهود في هارمجدون هي عملية تطهير لهم للاعتراف بالمسيح كمخلصهم" ويؤكد وليم بلاكستون في كتابه "يسوع قادم" أن الأمم الأخرى تأتي وتذهب، أما إسرائيل فتبقى، في العودة الأولى عاد اليهود وفي العودة الثانية توبتهم وصولاً للبهجة الكبرى، وتاريخ إسرائيل عمل الرب".
* الخداع اليهودي
عند نشوء العقيدة التدبيرية سارعت حاشية هرتزل ومنظمة أحباء صهيون لتبنيها ودعمها مالياً وإعلامياً، وعومل قادتها كرؤساء دول في الدولة العبرية من دون أن يخطر على بال هؤلاء المبشرين أو يلحظوا مأساة مائة ألف مسيحي فلسطيني في الأرض المقدسة نسيهم العالم إكراماً لإسرائيل ونبوءة كاذبة في هارمجدون رأينا أصلها مع الرابي شمعون، وتهجمات أخرى لأكثر من حاخام يهودي "إن كل ما فعله يسوع الناصري سوف يتغير عند مجيء مسيحنا"(8) فهل هناك كلام أوضح؟ من يضحك على من؟ ومن يستغبي من؟ بالأمس تحالف اليهود مع بريطانيا فأعطتهم فلسطين، وعندما انتفت حاجتهم إليها شنقوا جنودها على أشجار حيفا، وبالأمس أيضاً زودتهم فرنسا بالسلاح ولما انتفت حاجتهم إليها شنوا عليها الحملات بأنها معادية للسامية، أما أميركا فعبوديتها كاملة لليهود، عبودية دينية بحيث أن أي رئيس أميركي لم يجرؤ حتى اليوم على أن يضمّن خطاب تسلمه للرئاسة أي نص من الإنجيل خوفاً من تعرضه لسخط اليهود(9)، وتمكن اليهود من حذف كلمة مسيحي من الدستور الأميركي، ومنعوا تلاوة الإنجيل في المدارس والصلوات المسيحية، وعبودية سياسية بحيث أن دورها في صنع الرؤساء الأميركيين معروف للجميع، وعبودية عسكرية بدعم لم يسبق له مثيل، بحجة إقامة توازن مع العرب، أي عرب وأي توازن؟ والقوة النووية لمن؟ وهل تحتاج الدول العربية لصواريخ عابرة ورؤوس نووية وهي على مرمى حجر من الدولة العبرية؟ أم أن الهدف هناك في موسكو ولندن وباريس وطوكيو ونيويورك وواشنطن؟ يقول نعوم تشحومسكي (تشومسكي) المنشق عن جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) والمقيم في كندا في كتابه "المثلث القدري" "إن سلاح إسرائيل السري (النووي) هو ضد الولايات المتحدة بصورة خاصة وضد الغرب بصورة عامة، وهي تستطيع التصرف كدولة متوحشة"(10) لقد نُشر الكتاب ووزع في أميركا، ومع ذلك لم يفهم الأميركيون أنها "هارمجدون" نووية يهودية قادمة، ليس لتسهيل عودة السيد المسيح ثانية كما يؤمن رؤساء أميركا، وإنما للقضاء على الحضارة والدين المسيحي اللذين يعاديهما اليهود أكثر من أي شيء في الوجود. ملعون من يقول إنتقم إن انتقاماً كهذا هو ثأر طفل صغير انتقامنا لم يخلقه الشيطان بعد(11) يقول سفر الرؤيا أن الوحش شيطان، فهل نحتاج إلى قدر كبر من الذكاء لنعرف من هو؟ أميركا... متى تفهمين؟
(*()داعية انجيلي من العقيدة التدبيرية له مكانة خاصة في البيت الأبيض.
(1) جيمس ميلز رئيس مجلس النواب الأميركي، مجلة سان دييغو عدد آب 1985.
(2) كتاب الصهيونية المسيحية ص217، بول مركلي، كتاب الصهيونية المسيحية ص73، د. محمد السماك.
(3) كتاب النبوءة والسياسة، غريس هالسل.
(4) كتاب نصان يهوديان ص28، برنارد لويس.
(5) كتاب كشف سفر الرؤيا، د. مرسال حداد.
(6) كتاب النبوءة والسياسة، غريس هالسل.
(7) كتاب النبوءة والسياسة، ص68.
(8) كتاب هيلنحوث ميلاخيم موسى بن ميمون.
(9) كتاب اليهودي العالمي ص49، هنري فورد صاحب معامل سيارات فورد.
(10) كتاب المثلث القدري، نعوم تشحومسكي.
(11) قصيدة بصير ههريجا (مدينة الذبح) الشاعر اليهودي نحمان بياليك.