نسرين إدريس
الشهيدان المجاهدان محسن وفادي حسن ملحم (أبو علي شمران)، (هلال)
اسم الأم: سكنة بركات
محل وتاريخ الولادة: مجدل سلم 1967
محل وتاريخ الولادة: 1975
الوضع العائلي: عازب
رقم السجل: 154
مكان وتاريخ الاستشهاد: اقليم التفاح 1990
محل وتاريخ الاستشهاد: وادي السلوقي 1997
وجدل محسن على قلب فادي أطياف الوصية الأساس: "المقاومة الإسلامية"، فاطمأنت روح فادي على تيك الطريق، وزيتُ قنديل المسير دمُ أخيه الذي بقي طرياً على يديه حتى ضخه في قنديلٍ آخر للمجاهدين الماضين على العهد... كلاهما ضمهما ذاك البيتُ الرحب في قرية مجدل سلم، وتعلما من والديهما الدين المولود من فطرة أصيلة، ورأى محسن الذي اعتاد ارتياد المسجد منذ صغره شباباً يهذبون دينهم بحدّ السلاح فاقترب منهم ليلتمس جذوة من تلك النار التي أضاءت له مشعل الطريق.
عند بلوغه الخامسة عشر ترك محسن الدراسة ليلتحق بصفوف الأخوة المجاهدين، فهو أبى أن يبقى في إطار الصورة التي تعود الجميع على النظر إليها، وأطبق عينيه عن المستقبل الزاهر الذي انتظروه منه، ليفتحهما على مستقبل يزخر بالبطولة. تلك الملامح التي عكست بوضوح خطوط روحه الطاهرة، لا تزال محفورة في ذاكرة الأهل والرفاق، عيناهُ المسبلتان على حلمٍ جميل، وصمته المتكئ على ابتسامة لا تذوي، وشجاعة لاذ بها الإخوة والأصدقاء. كان الجميع يشعر بالأمان معه، فهو وعلى الرغم من قوة شخصيته وبنيته رقيق القلب حنونٌ، يعرفُ كيف يحمي إخوته بلطف من أخطار الدنيا التي تجيد حبك حبائلها على بني البشر. ووجد إخوته فيه الملاذ والقدوة، وكيفما تلفتَ ترك لهم وصايا تساعدهم في العبور إلى شاطئ الأمان، واستلهم فادي الذي يصغره بتسع سنوات منه التعاليم التي أركبته في قارب الشوق ليلج بحر الجهاد الذي رأى محسناً مبحراً فيه بقلب هادئ ونفسٍ مطمئنة... لم يكن محسن ليترك أباه يرزح تحت عبء المسؤولية وحده، فكان مبادراً في الوقوف إلى جانبه لدرء مصاعب الحياة عنه، يتحمل مسؤولية العائلة، وحتى عند التحاقه بمحاور المقاومة الإسلامية، كانت عينه ساهرة على راحة والديه وإخوته... لم يعرف أحد من عائلة محسن ماهية العمل الذي كان يقوم به، غير أنهم كانوا يدركون أنه مجاهد من مجاهدي المقاومة الإسلامية، وليس مستغرباً بالنسبة لهم وللجميع، أن يوفق محسن لهذا الطريق وهو الذي جذب روحه من أدران الدنيا، وارتدى حلية المتقين، واختار طريق ذات الشوكة في زمن الصعاب؛ كل ذلك اختزنه فادي في زوايا قلبه، لتبقى تلك الذكريات الأريج الفواح الذي يذكره في كل حين...
وجاء ذاك اليوم الذي كانت عيون أهل محسن تنتظره بحزن، فبعد غياب طويل عن المنزل إلا من زيارات خاطفة، وبينما كان محسن يؤدي واجبه الجهادي في منطقة اقليم التفاح، غاب وجهه في ليلة قمرية شاحبة، ليستأنس قلبه بوسائد التراب الندية من دمه، وقد استجاب اللَّه دعوته في أن ينال شهادةً مباركة... استشهد محسن، تاركاً ارثاً وحيداً لأهله والرفاق (المقاومة)، واقترب فادي حاملاً شمعة الوفاء معلناً موقفاً واضحاً: "لقد استشهد الإمام الحسين عليه السلام لأجل الإسلام وأنا أريد ذلك أيضاً". وأمام والديه وإخوته، بدأ فادي يعيد عهد محسن، حتى كانت في بعض الأحيان تختلط الأمور عليهم؛ ها هو في عتمة الليل يناجي اللَّه بالعفو والشكر له، وقرآن الفجر "إنه كان مشهوداً"... عرف فادي منذ استشهاد أخيه أن المسؤولية التي ألقيت على عاتقه أكبر بكثير مما كان يتصور، ولكنه على قدرها... فهو الذي لم تلهه دراسته عن الالتحاق بالإخوة المجاهدين، ولم يمنعه صغر سنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل تابع الحلقات الدينية المصغرة التي كان يعقدها محسن لإخوته، وصار يعلمهم الأحكام، ويصوب نظرهم نحو الصلاح، ولم يهن عليه مطلقاً أن يسمع كلمة غيبة صغيرة، فكانت تثور ثائرته على كل من يزل لسانه بخطأ صغير وفي بعض الأحيان كان يقوم بالتقاط عقاربَ من الحقلِ وينتزع منها السم ويضعها في علبٍ صغيرة حتى إذا ما فتحها أحدهم خاف وجزع، فيذكرهم عندئذٍ بوحشة القبر. كان يخاف اللَّه لأنه شعر به رقيباً عليه، ووضع روحه في طريق رضا اللَّه غير مبالٍ بشيء أو بأحد إذا لم يكن في رضا اللَّه... عند استشهاد الأمين العام لحزب اللَّه سماحة السيد عباس الموسوي، ترك فادي دراسته الثانوية، ليلتحق بثغور المجاهدين، ليتوج أيامه المحفوفة بالمخاطر والتعب بوسام شرف الجهاد في سبيل اللَّه... تميز الشهيد فادي بصلابة الموقف والحجة القاطعة والشجاعة النادرة، فكان إذا ما ذُكر الإمام الحسين عليه السلام دمعت عيناه وشفتاه تلبيان "يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً"...
كلما أطل فادي من بعيد لاح لأهله ظلُّ محسنٍ يمشي وراءه، وصار والداه يخشيان عليه من كل شيء، فكلما التحق بالمحور التهب قلباهما خوفاً عليه، وإذا ما عاد اطمأنت روحهما لبسمته المشرقة... تعرض فادي للعديد من الحوادث التي كادت تؤدي إلى شهادته، وشارك الإخوة المجاهدين القتال طوال فترة حرب عناقيد الغضب، وقد ظن الكثيرون أن فادي سيستشهد خلال حرب نيسان، ولكن عندما انتهت الحرب لصالح المقاومة الإسلامية، تنفس الجميع الصعداء وفادي يجلس بينهم يمازحهم حيناً ويعظهم حيناً آخر... حمل فادي حقيبته وودع أهله للمرة الأخيرة، كان ثمة شعور خفي يخيم على الجميع، لم يستطع أحد معرفته إلا عندما زُف فادي شهيداً بعد مشاركته في مواجهة مع فرقة كومندوس إسرائيلية في وادي السلوقي ليترك رفاق دربه؛ زياد زهوي وباسل علاء الدين ووفيق زهوي في حيرة الشوق والانتظار الذي لم يدم أكثر من سنة ليلتقوا جميعاً على العهد الذي قطعوه سوياً أمام اللَّه؛ مواصلة الجهاد حتى نيل إحدى الحسنيين... بين محسن وفادي هدوء يحملُ بين نسائمه عشرات الحكايا، عن مجاهدَين لم يريا من الدنيا سوى جسر العبور إلى الآخرة... وبين وصية محسن لفادي، ووصية فادي لجميع إخوته؛ وللمجاهدين الأوفياء، وصية تبقى محفورة في صميم القلب لنذكرها مع كل نبض؛ "حافظوا على دينكم وعلى مسيرة الجهاد..."