السيد علي محمد جواد فضل اللَّه
* ولادته:
ولد السيد أبو القاسم بن علي أكبر بن هاشم الموسوي الخوئي في بلدة (خوي) من بلاد آذربيجان في الليلة 15 من شهر رجب سنة 1317هـ، وبها نشأ وتلقى مبادئ القراءة والكتابة، هاجر والده إلى النجف الأشرف سنة 1328هـ والتحق به سنة 1330ه برفقة أخيه الأكبر السيد عبد اللَّه الخوئي. أما وفاته فقد كانت في 8 صفر من سنة 1412 الموافق لـ8 آب سنة 1992م.
* أساتذته:
في النجف الأشرف ابتدأ بقراءة العلوم الأدبية والمنطق ثم قرأ الكتب الدراسية الأصولية والفقهية لدى الكثير من أعلامها، ومن ثم حضر الدروس العليا في الفقه والأصول والتي تسمى بـ(البحث الخارج) على أكابر المدرسين وذلك في سنة 1338ه. وأهم أساتذته في البحث الخارج هم:
1- آية اللَّه شيخ الشريعة الأصفهاني.
2- آية اللَّه الشيخ مهدي المازندراني.
3- آية اللَّه الشيخ ضياء الدين العراقي.
4- آية اللَّه الشيخ محمد حسين الأصفهاني.
5- آية اللَّه الشيخ محمد حسين النائيني.
وكان كل من الأصفهاني والنائيني أكثر من تتلمذ عليه السيد الخوئي فقهاً وأصولاً حيث حضر عند كل منهما دورة كاملة في الأصول، وكان يقرر أبحاثهما على جمع من الأفاضل الذين كانوا يحضرون البحث.
* تدريسه: من النزعات الراسخة التي ميزت شخصية السيد الخوئي قدس سره هي نزوعه وحبه لممارسة التدريس والتعليم. يقول قدس سره: "ربيت جمعاً غفيراً من أفاضل الطلاب في حوزة النجف الأشرف فألقيت محاضراتي في الفقه (بحث الخارج) دورتين كاملتين لمكاسب الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره كما درَّست جملة من الكتب الأخرى، ودورتين كاملتين لكتاب الصلاة وشرعت في 27 ربيع الأول سنة 1377ه في تدريس فروع (العروة الوثقى) لفقيه الطائفة السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، مبتدئاً بكتاب (الطهارة) حيث كنت قد درّست (الاجتهاد والتقليد) وقطعت شوطاً بعيداً فيها والحمد للَّه حيث وصلت إلى كتاب (الاجارة)... وألقيت محاضراتي في الأصول (بحث الخارج) ست دورات كاملات، أما السابعة فقد حال تراكم أشغال المرجعية دون اتمامها فتخليت عنها في مبحث الضد. في غضون السنين السابقة شرعت في تدريس تفسير (القرآن الكريم) برهة من الزمن إلى أن حالت ظروف قاسية دون ما كنت أرغب فيه من اتمامه... وقد قرر مجموعة كبيرة من أفاضل تلامذتي ما ألقيته عليهم من دروس في الفقه والأصول والتفسير وقد طبع جملة منه".
* تصانيفه: إذا ألقينا نظرة على التصانيف التي تركها لنا السيد الخوئي قدس سره فنجدها تزيد على الأربعين مصنفاً في الفقه والأصول والتفسير والرجال والكلام، هذا وإن بعض هذه المصنفات كمعجم الرجال يربو على الثلاثة وعشرين مجلداً(1).
* سيرته العلمية:
موقعه العلمي(2):
يعتبر السيد الخوئي قدس سره من كبار رجالات الإمامية وعلمائها الذين كان لهم أسهامهم وأثرهم الكبير في عالم الفقه والأصول وعلم رجال الحديث وغيرها من العلوم الإسلامية. ومن هنا، فقد احتل موقعاً مميزاً في الحياة العلمية النجفية، وقد أنيط به لعب دور مميز في ذاك الحراك العلمي الخصب والواسع بحيث كان محطاً للأنظار ومختلفاً للطلاب والباحثين. ميزة مدرسة السيد الخوئي قدس سره العلمية: لقد امتاز بقدرته التدريسية الخارقة، حيث كان وبقدرة كبيرة يذلل أصعب المطالب ويجعلها سهلة التناول والفهم وذلك بأسلوب جلي وبيان واضح سهل وسلس حتى قيل عن بيانه إنه: يجسم المعقولات. ومن مميزات هذه المدرسة المنهجية العقلية، أنه كان يعتمد في أبحاثه على الأسس العقلية وسيرة العقلاء. والمتتبع لمنهجه البحثي يمكنه أن يلاحظ أنه عندما كان يعرض حجة الخصم الذي يواجهه كان يعرضها بطريقة تُشعر بأن لا جواب عليها ومن ثم تَشعر بأنه راح يفندها في العمق ويفك عراها عروة عروة، وهذا مما امتاز به المنهج العلمي للسيد الخوئي قدس سره وهو إن دل على شيء فإنه يدل على متانة شخصيته العلمية أصولاً وفقهاً. السيد الخوئي وأصول الفقه: لقد تلمّذ السيد الخوئي قدس سره على أقطاب المدارس الأصولية الثلاث المعاصرة له وهم: الشيخ ضياء الدين العراقي والشيخ محمد حسين الأصفهاني والميرزا محمد حسين النائيني. وقد كان لكل واحدة من هذه المدارس الثلاث منهجها الخاص بها وأسسها ومبادئها في تقديم النظريات وتأسيس الأفكار والمفاهيم. فقد عُرفت مدرسة الأصفهاني بطابعها الفلسفي وذلك عائد إلى الأصفهاني نفسه الذي كان مضافاً إلى كونه أصولياً وفقيهاً حكيماً متألهاً هيمنت الفلسفة الإلهية على آفاقه الفكرية وتوجهاته العقلية. وعُرفت مدرسة العراقي بطابعها العلمي الذي نأى بها عن اخضاع الظواهر العلمية لمبادئ الفلسفة ونظرياتها، وذلك لما يوجد من فرق بين العلم والفلسفة، فأصول الفقه علم وليس فلسفة، وجاءت مدرسة النائيني لتجمع بين الطابعين الفلسفي والعلمي. هذا، وقد أسهمت هذه المدارس الثلاث في طرح الكثير من الفكر الأصولي القديم وأضافت بالمقابل الكثير على الفكر الأصولي الحديث. وقُدِّر للسيد الخوئي قدس سره أن يكون مجمعاً لهذه المدارس الثلاث التي صبَّت كلها في محيطه العلمي صباً حياً حيث استوعبها منهجاً ومادة ومن ثم جمع بينها في مقارنة علمية واعية ومنتجة.
الخوئي وعلم الفقه: إن الجانب الفقهي في شخصية السيد الخوئي قدس سره العلمية لا يقل أهمية عن الجانب الأصولي، فقد ترك لنا قدس سره نتاجاً فقهياً ثرياً وموسوعياً اتسم بدقة النظر وسهولة التناول وتوضيح المطالب الغامضة، وقد حكم هذا النتاج الفقهي المنهج العقلي، حيث كان جلياً اهتمامه بأفكار أصحاب المدرسة العقلية، فمثلاً كان ملاحظاً اهتمامه بحاشية الأيرواني على المكاسب وهو من رواد المدرسة العقلية فنراه يناقشه تارة ويتبنى بعض أفكاره تارة أخرى، وفي الوقت نفسه لم يلاحَظ لديه اهتمامٌ كبيرٌ بحاشية السيد كاظم اليزدي على المكاسب والذي كان يمثل المدرسة الفقهية الذوقية، ولكن هذا لا يعني جمود السيد الخوئي قدس سره في دائرة المدرسة العقلية بل كان ينفتح بين وقت وآخر على الجانب الفقهي بما يقترب من الذوق العرفي. السيد الخوئي وعلم الرجال(3): لقد أسهم الخوئي قدس سره في علم الرجال اسهاماً مشهوداً إذ وضع كتاب معجم رجال الحديث الذي ينطوي على مميزات وخصائص عزَّ نظيرها في غيره من الكتب الرجالية فهو مثلاً عندما يذكر ترجمة الراوي يذكر كل شخص روى عنه وكذلك الأشخاص الذين رووا عنه مع ذكر الموارد ويحدد مواقع ذلك في الكتب التي استند إليها وذلك بذكر الرقم والصفحة وهذا مما تفرد به هذا الكتاب الرجالي دون غيره من الكتب الرجالية.
* البُعد الإنساني الديني في شخصية السيد الخوئي قدس سره(4):
يمكن تلمس الأبعاد الإنسانية والاهتمام بشؤون الأمة ورعايتها عبر محاور عدة منها:
أولاً: الحوزات العلمية: فقد أولى السيد قدس سره الحوزات العلمية اهتماماً كبيراً، وشهدت هذه الحوزات في عصره ازدهاراً معيشياً ملحوظاً عما كان عليه الحال من قبل، إضافة إلى اهتمامه قدس سره بتوسيع نطاق هذه الحوزات وذلك لما تمثل من نشر علوم أهل البيت عليهم السلام وتركيز دعائم الدين الحنيف ومن هنا فقد سعى لتأسيس عشرات الحوزات العلمية وتطويرها في مختلف أرجاء العالم الإسلامي.
ثانياً: المشاريع الخيرية: كان قدس سره، وإدراكاً منه لطبيعة هذا العصر، يرى ضرورة إنشاء المشاريع التي ترفع شأن المؤمنين وتوفر لهم مصدراً ومركزاً باقياً من مراكز النفع العام. ومن هنا فقد توجه لإنشاء المراكز الثقافية والتربوية من المدارس والمعاهد وكذلك المساجد والحسينيات إلى جانب دور الأيتام والمستشفيات والمستوصفات وغيرها من المشاريع الخيرية التي لم تكن لتنجح لولا متابعته لها ودعمها مادياً ومعنوياً وهذه المشاريع منتشرة اليوم في أصقاع المعمورة.
ثالثاً: من تجليات البعد الإنساني والديني في شخصيته قدس سره أنه كان أحياناً يشتكي بأنه لم ينم الليلة الماضية لسماعه خبراً مؤلماً عن كارثة في هذا القطر الإسلامي أو ذاك أو سمع بمقتل المسلمين في لبنان أو فلسطين أو على جبهات القتال خلال الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية وكان رضوان اللَّه عليه رقيق القلب كثير البكاء، كثير الذكر لمصيبة جده الحسين عليه السلام وكان يقيم في مجلسه العزاء كل أسبوع ويأمر بإقامة المآتم والاطعام لزوار جده الحسين عليه السلام. ولم يكن قدس سره يستخدم الحقوق الشرعية في الانفاق على نفسه وعياله بل كان انفاقه مما يأتيه من الهدايا حيث كان يأمر دائماً بترشيد المصروف كي يتناسب والحياة المتواضعة التي كان يعيشها مع عائلته، وكان لا يستبدل ثيابه إلا بعد أن تبلى، حتى اعترض عليه بعض المقربين قائلاً: لا بد أن تبدو عزيزاً في ملبسك، فكان جوابه: "ما دامت الثياب نظيفة فلا مانع من قدمها".
(1) انظر حول ما تقدم: معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج22، ص21- 17.
(2) انظر حول ذلك: موسوعة النجف الأشرف، ج12، ص125- 124. كذلك انظر: حياة الطوسي وموقعه العلمي (مخطوط)، د. طراد حمادة، كذلك انظر: مباحث في الفلسفة الإسلامية المعاصرة، د. طراد حمادة، ص115 - 91.
(3) انظر: معجم رجال الحديث، الخوئي، ج1، ص8 وص 15- 12.
(4) سيرة وحياة الإمام الخوئي قدس سره، أحمد الواسطي، ص96 - 92 وص61 - 58.