فيصل الأشمر
تمتلئ دواوين الشعر وكتب الأدب العربي بأجمل القصائد في ذكر أمير المؤمنين عليه السلام، ولهذه الظاهرة سبب واحد لا ثاني له: حب الإمام عليه السلام. وإذا كان الشعر العربي قد عرف على مر العصور ما لا عد له من الممدوحين، فإن اسم الإمام علي بن أبي طالب كان له، كما كان لقليل من الأسماء الأخرى من العظماء والأبطال، صدى مدوٍّ خرج من بطون الكتب ليملأ الكون حكمة وبطولة وورعاً وكرامة.
وإذا كان الشعراء قد مدحوا، ويمدحون، غالباً، لغايات شخصية، فيغلب على مدحهم طابع المصلحة الذاتية أو القبلية، فإن مدح الشعراء للإمام علي عليه السلام كان لغاية واحدة فقط: الإشادة برمز الإيمان والتقوى والبطولة والشجاعة والجود والرجولة والمعارف الحقة والمكارم على اختلافها. ولذلك زال وقع معظم قصائد المديح بموت الممدوحين، وأحياناً قبل موتهم، وبقي مديح الشعراء لأمير المؤمنين عليه السلام حياً لا يموت. وقد مدح الإمامَ عليه السلام شعراءٌ من مختلف الأجناس والملل، من عرب وغير عرب، ومسلمين وغير مسلمين، ومن شيعة وغير شيعة. ونعرض فيما يلي لبعض هذه المدائح. يقول السيد الحميري (789 723م) من قصيدة له:
إذا الناس خافوا مهلكات العواقبِ |
علي أمير المؤمنين وعزهم |
إذا نزلت بالناس إحدى المصائبِ |
علي هو الغيث الربيع مع الحيا(1) |
إذا الناس حاروا في فنون المذاهبِ |
علي هو المهدي والمقتدى به |
يجيء بما يعيا(2) به كل خاطبِ |
علي هو القاضي الخطيب بقوله |
يضيء سناه في ظلام الغياهبِ(3) |
علي هو البدر المنير ضياؤه |
ويقول صفي الدين الحلي (1349 1277م):
فلهذا عزَّت لك الأندادُ(4) |
جُمعت في صفاتك الأضدادُ |
فاتك ناسك فقير جواد |
زاهدٌ حاكمٌ حليمٌ شجاعٌ |
ولا حاز مثلهن العباد |
شيَم ما جُمعن في بشر قط |
فأقرت بفضلك الحسّاد |
ظهرت منك للورى مكرمات |
أما ابن أبي الحديد المعتزليّ المذهب (1257- 1190م) وشارح نهج البلاغة فيقول من قصيدة له في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:
فكأن زنجياً هناك يجدَّعُ |
قد قلت للبرق الذي شقَّ الدجى |
أتراك تعلم من بأرضك مودعُ |
يا برق إن جئتَ الغريَّ فقل له |
عيسى يُقفِّيهِ(5) وأحمد يتبعُ |
فيك ابن عمران الكليم وبعدهُ |
فيل والملأُ المقدَّس أجمع |
بل فيك جبريلٌ وميكالٌ وإسرا |
لذوي البصائر يُستشفُّ ويلمعُ |
بل فيك نورُ اللَّه جلَّ جلالُه |
المجتبى فيك البطين الأنزعُ |
فيك الإمام المرتضى فيك الوصيّ |
إلى أن يقول مخاطباً الإمام عليه السلام:
خوض الحِمام(6) مدجَّج ومدرَّع |
يا هازم الأحزاب لا يثنيه عن |
عجزت أكفٌّ أربعون وأربع |
يا قالع الباب الذي عن هزّها |
بنفوذ أمرك في البرية مولعُ |
ما الدهر إلا عبدُك القنُّ(7) الذي |
في العالمين وشافعٌ ومشفَّعُ |
بل أنت في يوم القيامة حاكمٌ |
ولا جمعَ البريةَ مجمعُ |
واللَّه لولا حيدرٌ ما كانتِ الدنيا |
ويقول عبد الباقي العمري في قصيدته العينية:
ببطن مكة وسط البيت إذ وُضعا |
أنت العلي الذي فوق العُلا رُفِعا |
أكرم بلبوة ليثٍ أنجبت سبُعا |
سمتك أمُك بنتُ الليث حيدرةً |
غداً على الحوض حقاً تُحشرانِ معا |
وأنت والحق يا أقضى الأنام به |
للأنبياء إله العرش ما شرعا |
وأنت صنو نبيٍّ غير شرعته |
وأنت حصنٌ لمن من دهره فزعا |
وأنت ركنٌ يجير المستجير به |
النبي أول من صلى ومن ركعا |
وأنت أنت الذي للقبلتين مع |
في ليل هجرته قد بات مضطجعا |
وأنت أنت الذي في نفس مضجعه |
ويقول علي بن حماد:
ليقصر عن مناقبه الصفاتُ |
فإن المرتضى الهادي علياً |
شواهده بذلك واضحات |
وزير محمد حياً وميتاً |
وقد همت إليه الداهيات |
أخوه كاشف الكربات عنه |
بها هامُ الفوارس باكيات |
ترى أسيافه يضحكن ضحكاً |
وللأبدان هن مطلقات |
صوارمه(8) يزوجها نفوساً |
ويقول الشاعر اللبناني بولس سلامة في الإشادة ببلاغة الإمام عليه السلام:
تتلاقى الأرواح في أثنائِه |
يا أمير البيان نهجك بحر |
وزئير الأقدار في أنوائه |
متعة السمع والقلوب رواءً |
في سواد العراق، في بطحائه |
غضبة للتقى وللزهد دوّت |
(1) المطر.
(2) يتعب.
(3) الظلمات.
(4) الأشباه.
(5) يتبعه.
(6) الموت.
(7) العبد.
(8) سيوفه.
* المصادر والمراجع:
القصائد الهاشميات: دار الأعلمي.
الغدير للشيخ الأميني.
ديوان السيد الحميري: منشورات مؤسسة النور للمطبوعات.
بلا
ايلاف
2024-06-24 20:08:31
سلام الله على امير المؤمنين