الشيخ علي محمد حايك
من الأمور الشائعة بين الناس أنّ المرأة ليس لها حظ من المسجد، وأنّ صلاتها ينبغي أن تكون في بيتها، وترى بعضهم يستنكر خروج المرأة إلى المسجد، ويعتبره مخالفاً لنظرة الإسلام إلى المرأة. وحيث إنّ خروجها إلى المسجد أصبح ظاهرة اجتماعية في أيامنا، فترى المساجد مملوءة بالنساء كما الرجال كان لا بدّ من هذه المقالة أن تعالج هذه المسألة، وفقاً للنصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، وتوضّح فتاوى العلماء الأجلاء.
* صلاة المرأة مع النبي صلى الله عليه وآله
بداية لا نستطيع أن ننكر أنّ المرأة كان لها حضورها في زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في المسجد، وأنّ نساء المدينة كنَّ يأتين للصلاة جماعة خلف رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، جاء في الروايات التي تحدثت عن قضية تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة: "فحوّل وجهه (أي الرسول) إلى الكعبة، وحوّل من خلفه وجوههم، حتى قام الرجال مقام النساء والنساء مقام الرجال"(1). وفي نص عن أمير المؤمنين عليه السلام: "كنَّ النساء يصلين مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله"(2) فهذه الروايات وغيرها تكشف عن أن المرأة كانت خلف الرجال في المساجد، لها حقٌّ في تأدية هذه الفريضة سواء كانت الصلاة بإمامة الرسول صلى الله عليه وآله أم بإمامة غيره التي تقام في المساجد غالباً، ولو كان الإسلام لا يرضى بخروج المرأة لأجل الصلاة في المسجد لكان على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أن يمنع النساء من ذلك، خصوصاً وقد كان خروجهن إلى المساجد ظاهراً في عصره صلوات اللَّه عليه وآله كما تفيد النصوص المتقدمة، ولكن على العكس، فإنّ الرسول صلى الله عليه وآله نهى عن منعهنَّ من الخروج إلى المساجد، ففي السرائر لابن إدريس الحلي هذه الرواية: "لا تمنعوا إماء اللَّه مساجد اللَّه، فإذا خرجن فليخرجن تفلات"(3) أي غير متطيبات بل في بعض المرويات أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أمر بخروجهن لصلاة يوم العيد ليشهدن الخير ودعوة المسلمين.
* إعتكاف المرأة لا يكون إلا في المسجد
أجمع علماؤنا كافة على أن استحباب الاعتكاف (وهو اللبث في المسجد ثلاثة أيام من شهر رمضان بشروط مذكورة في كتب الفقه) ثابت بحق المرأة، ولا فرق بين الرجال والنساء في ذلك، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فقد قالوا بعدم جواز اعتكاف المرأة في بيتها وإن اتخذته مسجداً وهذا يدل على أنَّ المرأة يستحب لها الخروج إلى المسجد لأجل الاعتكاف من غير أن يخالف في ذلك أحدٌ من علمائنا. إضافة إلى هذين الموردين (صلاة المرأة مع النبي والاعتكاف) فإن الموارد التي تشهد وتؤيد الحكم باستحباب خروج المرأة للصلاة في المسجد كثيرة، ورد في الجواهر: "وربما يؤيده أي استحباب ذهاب النساء إلى المساجد تتبّع مباحث الجماعة والحيض والاستحاضة والأوقات ومعلومية صلاة النساء مع النبي من غير إنكار منه عليهنَّ"(4).
* صلاة الجمعة والجماعة
إنّ ما هو شائع بين الناس من أن المرأة لا تخرج إلى المسجد، ربما يكون ناتجاً عن التفسير الخاطئ لبعض النصوص الواردة في صلاة الجمعة والعيدين، وأن مسجد المرأة بيتها أو مخدعها. والنصوص الدالة على أنه لا صلاة جمعة على المرأة كثيرة: منها: عن الإمام الباقر عليه السلام: "صلاة واحدة فرضها اللَّه عزَّ وجلَّ في جماعة، وهي الجمعة، ووضعها عن تسعة: عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين"(5). هذه النصوص ونحوها قد فهم منها البعض أن الشريعة الإسلامية لا ترضى بخروج المرأة من بيتها لأجل حضور صلاة الجمعة التي هي فريضة إلهية عظيمة، وهذا يعني أنّ خروجها لأجل أداء هذه الفريضة ليس فيه أجر لوجود هذا النهي. ولكن التأمل بهذه النصوص يفيد أن المرأة لها عناية خاصة في الشريعة الإسلامية، وأنها من ذوي الأعذار الذين يحق لهم عدم الحضور إلى المسجد، فالمرأة بحسب الغالب هي ربة بيت، على عاتقها تربية الأولاد وسائر شؤون المنزل، وتحيط بها عوامل وظروف تجعل خروجها إلى المسجد غير متيسّر دائماً، فإلزامها بالحضور إلى المسجد لصلاة الجمعة، فيه مشقة وحرج عليها. فالمرأة لم تلزم بصلاة الجمعة أو الجماعة، وبالتالي لم تلزم بالحضور إلى المسجد من أجل التخفيف والتسهيل، ولهذا فيما لو لم تعمل المرأة بهذا الترخيص وذهبت إلى المسجد، فصلت الجمعة مع جماعة المسلمين، أفتى الفقهاء بجواز الاكتفاء بهذه الصلاة.
* مسجد المرأة بيتها تعويض لها
من هنا جاء التعويض للمرأة، فبما أنها لا تستطيع الخروج إلى المسجد دائماً، جاءت الشريعة الإسلامية لتجعل بيت المرأة مسجدها تعويضاً لها عما فاتها من الأجر والثواب، فإذا صلت المرأة في بيتها فلها من الأجر والثواب كما لو صلت في المسجد. قال السيد الكلبيكاني رحمه اللَّه: "فإنَّ الصلاة في المسجد مستحب لكل من المرء والمرأة، ولكن ورد أن مسجد المرأة بيتها، حيث رخص الشارع لربة البيت أن تصلي في بيتها، وتكتسب ثواب المسجد والأجر الحاصل من الصلاة فيه، وهذا لا ينافي مطلوبية الصلاة في المسجد"(6).
* أقوال الفقهاء
نصّ بعض الفقهاء في كتبهم الفقهية ورسائلهم العملية على استحباب اختلاف المرأة إلى المساجد. قال الشهيد الأول في الدروس: "يستحب للنساء الاختلاف إليها أي المساجد كالرجال وإن كان البيت أفضل"(7). وقال السيد السيستاني: "ولا فرق في استحباب الصلاة في المساجد بين الرجال والنساء وإن كان الأفضل اختيار المكان الأستر حتى في بيتها"(8). ويُفهم من بعض الفقهاء كراهية عدم حضور المرأة لأداء صلاة الجماعة، وذلك للفضل العظيم المرتب عليها. وقال العلاّمة في المنتهى: "وفضيلة الجماعة متأكدة، فلا ينبغي لهنَّ تركها، فساغ لهنّ الصلاة من وراء الحائل"(9).
* المحافظة على الستر والعفاف
من المعروف في الشريعة الإسلامية أنّ حجاب المرأة أمر مقدّس، وأنّ قيمة المرأة ترتفع كلما حافظت على حجابها أكثر وراعت جانب الستر والعفاف، وأن الاختلاط بين الرجال والنساء فيه مفاسد كثيرة، فيجب على كلٍّ منهما الابتعاد عنه، لذلك فإنَّ الفقهاء الذين أفتوا بالاستحباب أو عدمه أو كراهة حضور المرأة إلى المسجد أرفقوا فتاواهم بما يشير إلى ضرورة محافظة المرأة على حجابها وسترها وعفافها، وفي بعض الروايات ما يشير إلى ذلك ففي رواية: "كنَّ النساء يصلين مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله الغداة، ثم يخرجن متلفعات بمروطهن"(10) أي متسترات وفي رواية السرائر المتقدمة "فإذا خرجن فليخرجن تفلات" أي غير متطيبات، إذن فالمرأة التي تريد أن تكتسب من بركات المسجد ومن فضل الجماعة فيه، ليس عليها إلا أن تحافظ على سترها وعفافها وعدم الاختلاط المحرّم بالرجال، فحينئذ قد يكون الذهاب إلى المسجد لأجل الصلاة أفضل من صلاتها في بيتها.
(1) بحار الأنوار، ج91، ص201.
(2) وسائل الشيعة، أبواب صلاة الجماعة باب 23، حديث8.
(3) السرائر، ج1، ص625.
(4) الشيخ النجفي في جواهر الكلام، ج41، ص150.
(5) الوسائل أبواب صلاة الجمعة والجماعة وآدابها، باب 1، حديث 1.
(6) كتاب الحج، ج2، ص240.
(7) الدروس الشرعية، ج1، ص156.
(8) منهاج الصالحين، ج1، ص187.
(9) المنتهى المطلب، ج1، ص365.
(10) كنز العمال، ج61، ص327.