اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

في رحاب بقية الله‏: الوعد الإلهي باستخلاف المؤمنين‏

الشيخ نعيم قاسم‏

 



الدنيا مسرح العمل ومزرعة الآخرة، منها ينطلق الإنسان إلى مصيره، وفيها يهيئ لمستقبله، ومع أنَّها متاع زائل، إلاَّ أنَّها مطلوبة للعمل الصالح فيها، فهي مذمومة بفسادها ورذائلها، لكنَّها مقبولة بصلاحها وفضائلها، وقد حثّ‏َ الإسلام على الاهتمام بالنصر والفوز وإطالة العمر في الدنيا على قاعدة الطاعة للَّه تعالى، فعن الإمام علي عليه السلام أنَّه قال: "لما كان يوم خيبر بارزت مرحبا، فقلتُ ما كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله علَّمني أن أقوله: "اللهم انصرني ولا تنصر عليّ‏َ، اللهم اغلب لي ولا تغلب عليّ‏َ، اللهم تولّني ولا تولّ‏ِ عليّ‏َ، اللهم إجعلني لك ذاكراً، لك راهباً، لك مطيعاً، اقتل أعداءك. فقتلتُ مرحبا يومئذ"(1).

وفي دعاء مكارم الأخلاق قول الإمام زين العابدين عليه السلام: "وعمِّرني ما كان عمري بِذْلَةً في طاعتك، فإذا كان عمري مرتعاً للشيطان فاقبضني إليك قبل أن يسبق مقتُك إليّ‏َ، أو يستحكم غضبك عليّ‏َ"(2). وفي الدعاء في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك، عن أبي عبد الله عليه السلام: "واجعل فيما تقضي وتقدِّر، أن تُطيل عمري في طاعتك، وتوسع عليّ‏َ رزقي، وتؤدي عني أمانتي ودَيْني، آمين رب العالمين"(3). ولا يكون الحثّ‏ُ على مكاسب الدنيا منفصلاً عن قضاء اللَّه تعالى وقدره في تيسير أمور المؤمنين، وتحقيق رغباتهم وأهدافهم، وهي أهداف الإسلام، خاصة فيما يتعلق بإقامة الدين وتحقيق النصر على الأعداء، ولا يعني أن يكون نصرهم وحكمهم دائماً ومستمراً، أو محكوماً بالتدخل الإلهي في كلّ‏ِ آن، بل مؤداه تحقيق هذا الهدف في محطات معينة من تاريخ البشرية عند توفر بعض المقدمات اللاَّزمة لذلك، وإلاَّ فقدت هذه التوجيهات الدنيوية معناها إذا لم تكن قابلة للتحقيق، وتحوّلت إلى وهم مضلِّل ومحبط للهمم والعزائم. وما حصل في التاريخ من حكم سليمان وذي القرنين، وإقامة نبينا محمد صلى الله عليه وآله لدولة الإسلام في المدينة المنورة وسط الجاهلية العمياء في شبة الجزيرة العربية، وما أنجزه الله تعالى على يد الإمام الخميني"قد" في إقامة دولة الإسلام في إيران، وما في التاريخ من محطات هامة في نصرة أصحاب الحق، يؤكد على حقيقة الوعد الإلهي: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ(الروم/47)، وعلى دور الثلة المؤمنة في قيادة العدل على مستوى بلدانهم وعلى مستوى البشرية جمعاء، شرط توفر بعض المقدمات الضرورية لذلك وهي مسؤوليتهم.

وبما أن تقلبات الحياة كثيرة، وسطوة الباطل بارزة في أغلب حياة البشرية، وقوة الظلم والفساد تُشعِر في بعض الأحيان بانسداد أفق التغيير ونصر المؤمنين، كان لا بدَّ من طمأنة المؤمنين بجدوى حركتهم وجهادهم وصبرهم عبر الأجيال بوعد قطعي في مستقبل الزمان بانتصار الحق على الباطل، وإقامة الدولة الإسلامية العالمية، ما يجعل الحافز العملي في الدنيا أقوى، والأمل بالنصر واقعياً، مهما كانت الظروف معقَّدة، ومهما ازدادت سلطة المفسدين والكفرة والظلمة. وهنا يكتسب الوعد بالاستخلاف في الأرض أهميته، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ امَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ‏َ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(النور/55). فهو الوعد الأكيد بنصر المؤمنين على الأرض قبل مكافأة الآخرة، وهو الوعد بسيادة الحق والعدل على الأرض باليد البشرية وفي حياة الناس الدنيوية، وهو منسجم مع الاهتمام بالدنيا كمزرعة للآخرة، ومع العمل فيها للسمو من خلالها، فنصيب الإنسان في الدنيا لا يعطل سعيه لآخرته بل هو جزء منها: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا اتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا(القصص/77). يتحقَّق هذا الاستخلاف بأبهى صورة له على يد القائم المهدي عجل الله فرجه، فعن النبي محمد صلى الله عليه وآله: "ويح هذه الأمة من ملوكٍ جبابرة، كيف يقتلون ويخيفون المطيعين إلاَّ من أظهر طاعتهم، فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه ويفرُّ منهم بقلبه. فإذا أراد الله عزَّ وجل أن يُعيد الإسلام عزيزاً، قصَمَ كل جبار، وهو القادر على ما يشاء، أن يصلح أمة بعد فسادها. ثم قال:يا حذيفة، لو لم يبق من الدنيا إلاَّ يوم واحد، لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي، تجري الملاحم على يديه، ويُظهر الإسلام، لا يخلف وعده، وهو سريع الحساب"(4).

إنَّه الوعد الإلهي على الرغم من الصعوبات والماسي والظلم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ امَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ‏َ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنا. فقال جندب: يا رسول الله،فما خوفهم؟ قال: يا جندب، في زمنٍ لكلّ‏ِ واحدٍ منهم سلطان يعتريه ويؤذيه،فإذا عجَّل الله خروج قائمنا، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ثم قالا: "طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمتقين على محجتهم، أولئك وصفهم الله في كتابه وقال: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، وقال: ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنّ‏َ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(5). فلنعمِّر دنيانا بالطاعة، ولنأمل بنصر الله وعطائه، ولنصبر على امتحانه وبلائه، وليكن مبتغانا تحقيق رضوان الله تعالى بالفوز في الآخرة، فتأتي الدنيا في أوانها بالثبات والعمل الصالح، وفي كل الأحوال لا ننس أنها متاع زائل، فلو لم نحصل منها على ما نريد، فزرعُنا يساعدنا في آخرتنا ويحقق للأمة ما تريد، ويبقى الانتظار العظيم للاستخلاف الكبير بإقامة دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه هو الأمل الصادق.


(1) مستدرك الوسائل للميرزا النوري، ج‏11، ص‏109.
(2) الصحيفة السجادية.
(3) إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس، ج‏1، ص‏79.
(4) معجم أحاديث الإمام المهدي عجل الله فرجه  للشيخ الكوراني، ج‏1، ص‏15.
(5) معجم أحاديث الإمام المهدي عجل الله فرجه  للشيخ الكوراني، ج‏5، ص‏277.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع