استطاع الإمام الخميني ومن خلال حادثة عاطفية أن يدخل إلى قلبي وعقلي مزيلاً كل العوائق، كان حادثاً عظيم التأثير والإيجابية، بل وأرجَّح أن أسميه ""عشقاً"... أصبحت عاشقاً للخميني.
هذه كلمات للكاتب المسيحي "روبن وودز ورث" Robin Woodsworth صاحب كتاب "الإمام والثورة الإسلامية".
نعم كثيرون أصبحوا عاشقين للإمام مع أنهم لم يروه أصلاً، أو أنهم رأوه مرة واحدة.
وما ستقرأونه هنا هو مقطع من كتاب "الإمام والثورة الإسلامية" الذي يتحدث عن لقاء "وودز ورث" مع الإمام الخميني رضوان الله عليه وكان قد جرى هذا اللقاء في 9 شباط عام 1982:
"يُطرح الكثير من الكلام والحب والبغض حول آية الله الخميني قائد الجمهورية الإسلامية (الفقيد). ومع فرصةٍ سنحت لي للقائه، عزمت على بذل أقصى الجهد للاستفادة منها وصممت في نفسي على تقبل نتائجها مهما كان الثمن.
بحسب وجهة نظر العالم الغربي يعتبر الإمام الخميني مظهراً للعصيان والعناد والغرور، والتغيير. وحتى أني خلال لقاءاتي مع بعض الغربيين الذين سبق لهم أن التقوه كانوا يصفون سلوكه بالبارد الجامد مع أنهم كانوا لا ينكرون جاذبيته وتأثيره.
أما الآن فقد لاحت لي الفرصة كي أحكم بنفسي من خلال رؤية من استطاع بشموخه وشخصيته المميزة السيطرة على إيران. والذي أحدث تغييرات كثيرة في إيران بسياسته، وسبب إثارة غضب غربي عام.
جلست في باحة (حسينية جماران) وكانت كرسي الإمام الملفوفة بقماش أبيض ترتفع أكثر من خمسة عشر قدماً عن الأرض.
كان قد مر على جلوسنا حوالي 45 دقيقة ولم يكن الإمام قد دخل بعد، وإذ بتباشير خروجه تلوح حين خرجت مجموعة من المعممين وأشار أحدهم لشخص كان واقفاً فوق الشرفة أن القائد الروحي، الرجل المقدس، الناصح، الزعيم والإمام في طريقه. بمجرد أن ظهر الإمام هب الجميع واقفين دفعة واحدة وصاحوا مئة مرة، خميني، خميني، خميني.
* الدخول إلى عمق الوجدان
كانت المرة الأولى التي أرى فيها حدثاً مثيراً مفرحاً جلُّه احترام وتقدير لإنسان.
عندما فُتح الباب ودخل، جرى سيل من المد والجزر والقوة. عباءة بنية. عمامة سوداء ولحية بيضاء حركت كل خلايا البناء. وأثرت وسيطرت على انتباه الحاضرين إلى درجة اختفى فيها كل شيء عداه.
كان حضور الخميني بمثابة هالة من نور دخلت إلى عمق وجدان وضمير جميع الحاضرين في حسينية جماران.
فقد محا كل الصور التي احتفظ بها من رآه سابقاً في ذهنه. كان حضوره مميزاً وقوياً إلى درجة حاصرتني معها مشاعري وعواطفي فأحسست أنه يختلف بمسافات شاسعة عن الأفكار والتجارب الشخصية التي مرت عليه.
كنت أتخيل نفسي سأتفرغ خلال لقائي به للتحقيق في حركاته وسكناته ومعجزاته الطبيعية.
ولكن قدرة (الإمام) الخميني، وقدرته المطلقة على السيطرة، وإحاطته النفسية أفنت كل قوال تقييمي. ووجدت نفسي أتلقف الأحاسيس والطاقات التي كانت تتبلور بواسطة أشعة الحاضرين.
كان الإمام الخميني عاصفة جارفة. سيلاً لا ينقطع. ومع هذا فقد كان وجوده سكينة وطمأنينة مطلقة. كان شديداً ومسيطراً. شديد السكينة.. مجيباً... مليئاً بالتأثير في نفس الوقت.
كان يمثل حقيقة ساكنة غير متحركة، ولكن عدم الحركة هذه كانت باعثاً لحركة كل البلد.
* العصمة والكمال
لم يكن إنساناً عادياً، لم أكن قد رأيت في كل الذين التقيتهم من قبل العرفاء والزهاد والرهبان وحكماء الهند وآخرين ما رأيته فيه. لم يكن لأي واحد منهم حضوره البرّاق والمشع بالقوة والطاقة.
لم يكن ليبقى أدنى شك أو إبهام في كمالات الخميني الرفيعة لدى كل الذين رأوا وشعروا، كانت هذه العظمة وهذا الكمال واضحاً في كل مكان. في نفسه، في حركة جسدة ويديه، في نورانية شخصيته وسكينة ضميره ووجدانه.
كانت كل الأنظار متجهة نحوه. ولم يكن هناك أثر للعجب والغرور. كانت كل حواسه الصلبة المنظمة متجهة إلى محور أحد بحيث جذبت جو كل ذلك الجمع إليها بنحو جميل عرفاني.
وعلى رغم تلك الإرادة الشديدة. والأخلاق الصلبة التي لا تقبل الاستسلام، كانت روحه الإيجابية المستقيمة متجليةً في حركة يديه وصوت حنجرته الصافي الدافئ وأفكاره المستقرة.
ومع أن مئات المسلمين العاشقين كانوا يصيحون في مجلس عظمته يمدحونه ويدعون له ويقسمون بالوفاء العاشق له. كان غارقاً في باطنه وظل هادئاً ساكناً. كانت هذه الحادثة فوق حدود الخيالات التي سبق أن اعتدت عليها.
يمكن لقارئ هذا الوصف أن يعتبره مبالغاً فيه. ولكن عليه أن يعلم أنه وبالرغم من كل ما سمعته من قبل وبالرغم من الآراء المتقابلة التي سبق أن سمعتها عنه. لم يكن لتأثير شخصية الإمام الأكثر واقعية أي ارتباط بما سبق وقيل لي عنه. ولكي تتمكنوا من تصور حادثة 9 شباط 1982 التي حصلت في شمال طهران (اللقاء في حسينية جماران) يكفيكم الالتفات إلى الأمثلة المذكورة:
تصورا للحظة واحدة الذي يسببه الجنين كي يخرج من رحم أمه إلى الدنيا الجديدة، أو اللحظة التي يدرك فيها الموت الإنسان.
أصل هذه الحقائق كان خارجاً عن إطار تجاربي الشخصية، ولم يكن بإمكاني تصوره قبل ذلك، لأنني لم أكن قد جربته. والحقيقة أن هذه الوقائع هي المولدة لتلك التجارب.
تتأتى موضوعية هذه التجارب من خلال أصول وجذور المعرفة المرادة. وقد أخذت بهذه التجربة عالياً، بحيث سيرت كل أحاسيسي وأفكاري نحو معرفتها.
* عاشق الخميني
نعم كان الإمام الخميني الإنسان القوي، القادر، المفني لذاته الذي لا يقبل الهزيمة. كان الإمام الخميني أصعب الناس مراساً في الساحة السياسية العالمية. وبحسب رؤيتي، اعتبر الخميني مسيح عصرنا، وإن لم يكن يدعي هذا الادعاء أبداً، ولم يقس نفسه أبداً بالمسيح. ولكنه كان حقاً عاكساً لصلابة وثبات عيسى ابن مريم الذي لم يكن ليقبل بالاستسلام.
وهنا يجب أن أتقدم أكثر وقول:
"استطاع الإمام الخميني ومن خلال حادثة عاطفية أن يدخل إلى قلبي وعقلي مزيلاً كل العوائق. كان حادثاً عظيم التأثير والإيجابية. بل وأرجِّح أن أسميه "عشقاً"... أصبحت عاشقاً للخميني".