مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قصة العدد: أوصيك بهذا..!

نسرين إدريس

 



التهب المكان بنيران القذائف. وحاصرهم الموت. المواقع أمامهم تدك تجليات الصبح على وجوههم. الطيران يحلّق فوق رؤوسهم كغربان تحصد بذور الحياة من أثلام الدنيا. وخلفهم صوت سلاسل الدبابات والسيارات العسكرية تقترب. وهم، أربعة، خامسهم الموت، ولا مفر! وقعوا في الكمين، وصار رجوعهم مستحيلاً. فشدوا حيازيمهم للموت ورّنموا ترنيمة العشق الأخيرة... كانت القوة الصهيونية تتقدم نحوهم فإذا ما أطلقوا أرجلهم للريح، ربما استطاعوا اجتياز خط النار المباشر، لكنهم لن يسلِّموا حتماً في منطقة جرداء يكونون فيها صيداً سهلاً لصواريخ الطائرات... وفي كل الاحتمالات هم اختاروا، سلفاً، المواجهة.. تلك الابتسامة التي علت وجوههم وهم يوجّهون أسلحتهم نحو الأمام هي آخر رسالة منهم للحياة التي ملّوا منها. انتشروا وكمنوا بهدوء، وكانت نظراتهم المتلاقية بين فينة وأخرى إشارات يعرفون عبرها وجهتهم. زخات الرصاص تمزّق الهواء، وصمت الحياة كأوراق الخريف ينهار فوق التراب، وعينا مقاومٍ تراقب مجنَّدٍ صهيوني ترتجفُ أصابعه على زناد بندقيته التي يفترض أن يكشف منظارها ليس ظلَّه المختبئ على غصن شجرة فحسب، بل كل شي‏ء "ولكنها لا تعمى الأبصار بل تعمى القلوب التي في الصدور".

كان يجب أن يعرفوا عديد القوة الصهيونية حتى تكون المواجهة بأكثر خسائر ممكنة. عينا المقاوم تركز أكثر بين رفَّات الجفن، وسرعان ما قفز ليقف أمام الصهيوني ليقتله وجهاً لوجه، لم يعرف المجند الصهيوني ماذا يفعل وقد انتصب أمامه رجل ملثم يحمل رشاشاً سرعان ما استقرت رصاصاته في أنحاء جسده، كانت دموع الفزع أسرع من نزيف الجراحات، وصوته لم يثر البلبلة المتوقعة فحسب بل تعالت الصرخات والعويل والبكاء إلى حدٍّ أن المجاهد الذي بقي يلقي بوابل رصاصات رشاشه وهو يسقط شهيداً لم يستطع أن يتمالك نفسه من الضحك بصوت عالٍ، ما جعل مرارة دمع الفراق في عيون رفاقه تحفر أخاديد الشوق على نياط قلوبهم... إنهم ما يقارب الخمسة عشر جندياً صهيونياً... وهم أصبحوا ثلاثة... عمدوا لاستدراجهم إلى ناحيتهم بمناوشات استطاعوا خلالها إصابة جنديين إصابات بالغة، ولكن صاروخاً سقط بالقرب منهم أدى إلى استشهاد أحدهم على الفور وجرح آخر، فسحب المقاوم الأخير رفيقه إلى خلف صخرة محاولاً إسعافه... كانت دماؤه تتدفق كينبوعٍ وقد لوّن بأصابعه الحمراء موطئ السجود... حاول المقاوم أن يربط جرحه بأي شي‏ء، فمد يده ليمنعه. إنهم مشغولون بلملمة جرحاهم... تابع سيرك ولا تلتفت إلى الوراء... لن أتركك؟! دعني، فإن لهذه اللحظة خصوصية انتظرتها منذ سنوات، وأريدُ أن استشعرها بلذة خالصة وأنا ألاقي وجه اللَّه... أما أنت يا صاحبي فأوصيك بهذا... فتح أصابعه عن رصاصة وأعطاه إياها وشدّ على يده ببقايا قوة الجسد قبل مغادرة الروح... استشهد الثالث، وركض الرابع ليختبئ في مكانٍ يجعله في مأمن من الرصاص... رأى طريق الرجوع، وقد غاب صوت الطائرات. كان ثمة شجرة ملاصقة لتلّ‏ٍ بمحاذاة سيره التجأ إلى ظلِّها وأصابعه الضاغطة على الرصاصة جعلتها رطبة... رأى من بعيد تقدم قوة صهيونية أخرى... نظر إلى الرصاصة مبتسماً. وماذا أفعل في دنيا أنتم لستم فيها... بئساً لها...

نظر المقاوم إلى الغبار حوله، وقد تعالى الصخب من جديد... عاد إلى حيث رفاقه، وشظايا الرصاص تحيط به من كل الجهات... جمع الرصاص والقنابل اليدوية من بقايا عتادهم، ووزعها في جيوب ثيابه... وبقيت رصاصة رفيقه ملك يمينه، نظر صوب السماء: "وجعلني مباركاً أينما كنت ولم يجعلني جباراً شقياً"... بسم اللَّه وباللَّه وعلى ملَّة رسول اللَّه. رمى بنفسه على التراب، وقد لاحظ أن الصهاينة على مسافة قريبة، اقتربوا منه، وتجرأ أحدهم بعد تشجيع أن يركله بقدمه فلم يتحرك، اقتربوا قليلاً منه، ففتح عينيه ونظر بسرعة نحو رفاقه "لأنعمنكم عينا يا أصحاب أبي عبد اللَّه"... سُمع صوت الدوي في العديد من القرى المجاورة، وتكتمت إسرائيل عن الخسائر. وزفت المقاومة الإسلامية أربعة شهداء قام اثنان من رفاقهم بسحب جثث ثلاث، وجمع رفات الرابع... وقد وُجد إصبع يده وفيه خاتم محفور عليه: "إن اللَّه بالغ أمره"...

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع