ايفا علوية ناصر الدين
قالت له نفسه وهو جالس في لحظات تفكُّر يعدُّ سنواته المتلاشية من عمره كحبات عقدٍ منثور: كم يحلو لي في أجواء نيسان الزاهية أن تجعل لي ربيعاً أعود فيه إلى دفء الحقيقة كما تعود أسراب السنونو إلى دفء مواطنها، أزهو فيه كالفراشات المتماوجة بين ثنايا النسمات، أتهادى بخفَّة الطيور المحلّقة في أعالي السماء، تتفتح صفحات قلبي كأوراق زهرة بيضاء نديَّة يتغلغل الشذى في براعمها أريجاً يتضوَّع في الأجواء.
وعندما شعرَتْ بتنهيدة تخرج من أعماقه وابتسامة ترتسم على ملامحه أردفت قائلة: هيا فك وثاقي وهلمَّ بنا إلى عالم الروح، فالوقوف عند حافة الغفلة لا يجرُّ إلا إلى الضياع، والمكوث في زوايا اللامبالاة لا مصير له إلا الهلاك، والسير في متاهات الدنيا لا يؤدي إلا إلى الهاوية، فهيّا بنا إلى عالم الصفاء الذي تنكسر على أعتابه أسوار الضلال وأغلال البؤس وقيود المادية. هيا نسلك في طريق اللَّه الذي رُسم في فطرتنا، نجني ثماراً هنيئة ونهيأ زاد سفرنا المرتقب قبل أن تُدق أجراس النهاية معلنةً فوات الأوان "ولات حين مناص" .